اللياقات النفسية
أحمد البراء الأميري
صفاتٍ وفضائلَ معينة تُعِين صاحبها على مواجهةِ الحياة وخوضِ غمارها بنجاح أكبرَ ممن لا يتحلى بتلك الصفات.
- التصنيفات: تزكية النفس - الآداب والأخلاق -
اللياقات الست
اللياقات النفسية
المراد هنا باللياقة النفسية:
تحصيلُ صفاتٍ وفضائلَ معينة تُعِين صاحبها على مواجهةِ الحياة وخوضِ غمارها بنجاح أكبرَ ممن لا يتحلى بتلك الصفات.
ويلاحَظُ أن اللياقتين:
الرُّوحية والنَّفسية فيهما بعضُ التداخل، وهذا أمرٌ طبيعي؛ لأن الإنسانَ كلٌّ واحد، لا يمكن تقسيمُه إلى أجزاءٍ بعضها منفصل عن بعض.
ويدورُ حديثنا عن اللياقة النفسية حول ثلاثةِ محاور:
الأول: فضائلُ نعمل على اكتسابِها، ورذائل نعمَلُ على اجتنابِها.
والثاني: القوانين النَّفسية السبعة، وكيف نستفيدُ منها.
والثالث: نصائحُ للتخلص من القلق.
فضائل ورذائل [1]:
قد وقَع الاخ تيار على اثنتَيْ عَشْرة فضيلةً وصفة نرجو أن يحقِّق التحلِّي بالمحمود منها، والتخلِّي عن المذموم درجةً عالية من اللياقة النفسية بإذنِ الله، وكما سبق أن أشَرْنا، فهذه الصفاتُ تُكتَسب بالتدريج، وبالرياضة والممارَسة، ولا يمكن تحصيلُها بين يوم وليلة.
1- العقل والهوى:
العقل: هو الملَكة التي تعقل صاحبَها وتمنَعُه وتردُّه عن الخطأ والقبيح.
وفي الحكمة: "ما اكتسب المرءُ مِثلَ عقلٍ يهديه إلى هدًى، أو يرُدُّه عن ردًى".
والهوى: ميلُ النفس إلى الشهوة، وقيل: سُمِّي بذلك لأنه يهوِي بصاحبه، فالهوى: السُّقوط من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ.
ومن الأقوالِ المأثورة في العقل والهوى:
• أصلُ الرجل عقلُه، وحسَبُه دِينه.
• العقل أفضلُ مرجوٍّ، والجهل أنكى عدوٍّ.
• صديقُ كل امرئٍ عقلُه، وعدوُّه جهلُه.
• الهوى إله يُعبَد من دون الله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23].
• طاعةُ الهوى داءٌ، وعصيانه دواءٌ.
والكلام في هذا الموضوع يطُول، وفيما ذُكِر غُنْيةٌ للمستغني، والمتأمِّلُ يدركُ أن أساس تحصيل اللياقة النفسية: اتباعُ العقل، ومخالفةُ الهوى، والله تعالى أعلم.
2- محاسبة النفس:
محاسبة النفس: أن يتصفَّحَ الإنسانُ في ليلِه ما صدر منه من أفعال في نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه وأتْبَعَه بما شاكَله، وإنْ كان مذمومًا استدرَكه إن أمكَن، وانتهى عن مِثله في المستقبَل، والدليلُ على محاسَبة النفس من القرآنِ الكريم قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18].
ومن الحديثِ الشريف قولُه صلى الله عليه وسلم: «الكيِّسُ مَن دان نفسه، وعمِل لِما بعد الموت، والعاجز من أتبَع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأمانيَّ» [2].
الكيِّس: العاقل المتبصِّر في الأمور، الناظر في العواقب.
ومعنى قوله: «مَن دان نفسَه»: حاسَب نفسَه في الدُّنيا قبل أن يحاسَب يوم القيامة.
ويروى عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وزِنُوا أنفسَكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر، يومَ تُعرَضون لا تخفى منكم خافية"[3]، وإنما يخِفُّ الحسابُ يوم القيامة على مَن حاسَب نفسَه في الدنيا.
قال ابن العربيِّ رحمه الله: "كان أشياخُنا يحاسِبون أنفسهم على ما يتكلَّمون به وما يفعَلون، ويقيِّدونه في دفتر، فإذا كان بعد العِشاء حاسَبوا أنفسهم، وأحضروا دفترهم، ونظَروا فيما صدر منهم مِن قول أو عمل، وقابَلوا كلاًّ بما يستحق، إن استحقَّ استغفارًا استغفَروا، أو التوبةَ تابوا، أو شكرًا شكَروا، ثم ينامون، فزِدْنا عليهم في هذا الباب الخواطر، فكنَّا نقيِّد ما نحدِّث به نفوسَنا، ونهمُّ به، ونحاسبُها عليه"[4].
3- الصدق والكذِب:
الصِّدق هو الإخبارُ عن الشيء على ما هو عليه، والكذب هو الإخبارُ عن الشيء بخلاف ما هو عليه، والصِّدق من أعظمِ الفضائل، كما أن الكذب من أكبرِ الرَّذائل، ولا يمكن لكذَّابٍ أن يتحلَّى باللياقةِ النفسية مهما كان دِينه، وفيما يلي عددٌ قليل من الأحاديث الشريفة تحُثُّ على الصدق، وتنهى عن الكذب:
• عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصِّدقَ يهدي إلى البِر، وإن البِر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُقُ حتى يُكتَب عند الله صِديقًا، وإن الكذبَ يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجلَ لَيكذب حتى يُكتَب عند الله كذَّابًا»؛ (متفق عليه).
• وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أربعٌ مَن كنَّ فيه كان منافِقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهن، كانت فيه خَصلةٌ مِن نفاق حتى يدَعَها: إذا ائتُمِن خان، وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهَد غدَر، وإذا خاصَم فجَر»؛ (متفق عليه).
4- حُسن الخُلُق:
وحُسْن الخُلق: أن يكونَ الإنسان سلسًا منقادًا، ليِّن الجانب، طَلْق الوجهِ، قليل النُّفور، طيِّب الكلمة.
• قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن المُؤمِن لَيُدرك بحُسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم»؛ (رواه أبو داود).
• وقال صلى الله عليه وسلم: «أكمَلُ المؤمنين إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لأهله»؛ (رواه الترمذي).
• وقال: «ما من شيءٍ يُوضَعُ في الميزان أثقلُ من حُسْن الخُلُق، وإن صاحبَ حُسْن الخُلُق لَيبلغ به درجةَ صاحب الصوم والصلاة»؛ (رواه الترمذي).
• وقال: «إن مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسِنَكم أخلاقًا...»؛ (رواه الترمذي).
وإذا حسُنَت أخلاقُ المرءِ كُثر أصدقاؤه، وقلَّ أعداؤه، فتسهَّلت عليه الأمورُ الصِّعاب، ولانَتْ له القلوبُ الغضاب، والحَسَنُ الخُلُقِ هو مِن نفسِه في راحة، والناس منه في سلامة، أما السيِّئُ الخُلُقِ فالناسُ منه في بلاء، وهو من نفسِه في عَناءٍ.
5- الحياء:
الحياء: خُلُق يدعو صاحبَه إلى ترك الأعمال القبيحة، ويمنَعُه من التقصيرِ في أداء الحقوق، وهو ثلاثة أنواع:
• حياءٌ من الله تعالى: يدعو إلى امتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نواهيه.
• وحياء من الناس: يكون بكفِّ الأذى، وتَرْكِ المجاهَرة بالأمور القبيحة.
• وحياء من النفس: ويكون بالعفَّةِ وصيانة الخَلَوات، قال بعضُ الأدباء: مَن عمِل في السِّرِّ عمَلاً يستحي منه في العلانيةِ، فليس لنَفْسِه عنده قَدْرٌ.
• قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «... الحياءُ من الإيمان»؛ متَّفق عليه، وقال: «الحياءُ لا يأتي إلا بخيرٍ»؛ (متفق عليه).
6- الحِلْم والغَضَب:
الحِلم: ضبطُ النَّفس والطَّبْع عند هيَجان الغضب، وهو: كظمُ الغيظِ؛ قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].
• وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبدِالقيس: «إن فيك خَصْلتينِ يحبُّهما الله: الحِلْم والأناة»؛ (رواه مسلم)، والأناة: التثبُّت وتَرْك العجَلة.
• وعن عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن اللهَ رَفيق يحبُّ الرِّفق، ويعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العنفِ، وما لا يُعطي على ما سواه»؛ (رواه مسلم).
• وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أوْصِني، قال: «لا تغضَبْ»، فردَّد مرارًا، قال: «لا تغضَبْ»؛ (رواه البخاري).
وقديمًا قيل: إيَّاك وعزَّةَ الغضبِ؛ فإنها تُفضي إلى ذُلِّ الاعتذارِ.
7- التواضُع (مجانبة الكِبْر والإعجاب):
• قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخُلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ حبَّةٍ من كِبْر...»؛ (رواه مسلم).
التكبُّر على الآخَرين، والإعجابُ بالنفس من الأخلاقِ الذميمة التي يكرهُ الناسُ صاحبَها؛ لأن الناسَ لا يحبُّون مَن يرفع نفسَه عليهم.
ومن أسباب الكِبْر: المركز الاجتماعي العالي، والغِنى، وقلَّة مخالطة المتكبِّر لمن هم مثلُه أو خيرٌ منه؛ فالغنيُّ إذا خالَط من هو أغنى منه، والرئيس مَن هو أعلى منه، والعالِم من هو أعلَمُ منه، تصغُر لديه نفسُه.
رُوِي أن سيدَنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمَع الناس، وصعِد المنبر، فحمِد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، كنت أرعى أغنامًا لخالاتٍ لي من بني مخزومٍ، وكانت أجرتي القبضةُ مِن التمر والزَّبيب، فقال له عبدالرحمن بنُ عوف رضي الله عنه: لقد قصَّرت بنفسِكَ يا أمير المؤمنين، فقال عمرُ رضي الله عنه: إني خلَوْتُ بنَفْسي فقالت: أنت أميرُ المؤمنين، فمن ذا أفضَلُ منك؟ فأردتُ أن أعرِّفَها قدرَها.
ومن أسبابِ الإعجاب: كثرةُ مدحِ المتقرِّبين، وإطراء المتملِّقين، الذين جعَلوا النِّفاق عادة ومكسبًا، وفي أمثالِهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم المدَّاحين، فاحْثُوا في وجوهِهم التراب»؛ (رواه مسلم).
قال أحدُ الحكماء: عجِبْتُ لمن يُمدَحُ بما ليس فيه كيف يفرَحُ، ولمن وُصِف بعيبٍ فيه كيف يغضَبُ!
والعُقَلاء في كلِّ زمان ومكان يسترشِدون بإخوان الصدقِ الذين هم مرايا المحاسِن والعيوب، ويسألونَهم عن أخطائهم حتى يُصلِحوها، وقد ورد في الحديث الشريف: «المؤمِن مرآة المؤمن»، كما رُوِي عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "رحِم اللهُ امرأً أهدى إليَّ عيوبي".
8- الحسَد والمنافسة:
الحسَد: تمنِّي زوال النِّعمة عن صاحبها، سواءٌ كانت نعمةَ دِين أو دنيا؛ قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54].
والحسَدُ خُلُق ذميم مع إضراره بالبدنِ، وإفساده للدِّين، حتى لقد أمَر الله تعالى بالاستعاذةِ من شرِّه فقال: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]، وعن الزُّبَيرِ بن العوَّام رضي الله عنه ن أن رن أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، وهي الحالِقُة، أمَا إني لا أقول: تحلِق الشَّعر، ولكن تحلِق الدِّين...»؛ (رواه الترمذي).
وعند أبي داود: ((إياكم والحسَدَ؛ فإن الحسَدَ يأكلُ الحَسنات كما تأكُلُ النارُ الحطب))، أو قال: ((العُشب)).
وحقيقةُ الحسَد: الحُزن على الخيرِ الذي ينالُه الناس، وفرقٌ بين الحسَدِ والمنافسة في الخيرِ؛ لأن المنافسةَ طلَبُ التشبُّهِ بالأفاضل من غيرِ إدخال الضررِ عليهم، والحسد مصروفٌ إلى الضَّرر؛ فالمنافَسة فضيلة، والحسَد رذيلة، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، وقد قيل: المُؤمِنُ يغبِط، والمنافق يحسُد، فلا بد من اجتناب الحسد، والتحلِّي برُوح المنافسة لتحصيل اللياقة النفسية.
9- الصبر والجزع[5]:
إن مِن علامات التوفيق والسعادة، ومِن أهم أركان اللياقة النفسية: الصبرَ وعدم الجزع، وقد أمَرنا الله تعالى بالصبرِ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، وبيَّن الأجرَ العظيم الذي يناله الصابرون فقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
والصبر أنواع:
• منها: الصبر على الامتثالِ لِما أمَر الله تعالى به، والانتهاء عمَّا نهى عنه.
• ومنها: الصبر على ما نزَل من مكروهٍ، أو حلَّ مِن أمر مَخُوف.
• ومنها: الصبر على ما فات إدراكُه من رغبة مرجوَّة، أو مسرَّة مأمولة؛ فإن الصبرَ عنها يُعقِبُ السُّلوَّ منها.
أما الجزعُ فلا فائدة فيه، فإن مَن لم يصبِرْ طائعًا راضيًا، صبر كارهًا آثمًا؛ قال سيدنا عليٌّ رضي الله عنه للأشعثِ بن قيس: إنك إن صبَرْتَ جرى عليك القلمُ وأنت مأجور، وإن جزِعْتَ جرى عليك القلمُ وأنت مأزور.
10- الاستشارة:
الحكيمُ من الناس لا يُبرِم أمرًا مهمًّا إلا بمشاورة ذي الرَّأي الناصع؛ فإن اللهَ تعالى أمَر بالمشاورة نبيَّه صلى الله عليه وسلم مع أنه سبحانه تكفَّل بإرشادِه، ووعَد بتأييده، فقال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]؛ وذلك ليستنَّ به المسلِمون؛ فهو غنيٌّ بالله تعالى عن مشاورتهم، ومن الحِكَم التي قيلت في أهميةِ الاستشارة:
• نِعم المؤازَرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد.
• مَن أُعجِب برأيه لم يشاوِرْ، ومن استبد برأيه كان مِن الصواب بعيدًا.
• مِن حق العاقل أن يضيفَ إلى رأيه آراءَ العقلاء، ويجمَع إلى عقله عقولَ الحكماء؛ فالرأيُ الواحد ربما زلَّ، والعقلُ الفرد ربما ضلَّ.
ومِن صفات المستشار: أن يكونَ صاحب خِبرة فيما يُستشار فيه، وأن يكونَ ناصحًا ودودًا، ذا دِين وتقًى، وألا يكونَ له في الأمر المستشار غَرَضٌ ولا مصلحة.
11- كتمان السِّر:
أوصى الحكماءُ منذ القدم بأن يكتمَ الإنسان أسرارَه، ولهم في ذلك أقوالٌ مأثورة كثيرة، أختار بعضها، وأدعو إلى تأمُّلها، ورياضةِ النفس عليها لتطبيقِها، منها:
• "استعينوا على إنجاحِ حوائجِكم بالكتمان"[6].
• سرُّك أسيرُك، فإن تكلَّمتَ به صِرتَ أسيره.
• كم من إظهار سرٍّ أراق دمَ صاحبه، ومنَعه من نيل مطالبه.
والذي يفشي سرَّه إما ساذَجٌ لا خبرةَ له بطباع الناس، وإما ضيِّق الصَّدر، قليل الصَّبر؛ قال الشاعر:
إذا المرءُ أفشى سرَّه بلسانه
ولام عليه غيرَه فهو أحمقُ
إذا ضاق صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسِه
فصدرُ الذي يُستودَعُ السِّرَّ أضيقُ
ومن الأسرار ما يحتاج الإنسانُ إلى أن يستشير فيه حكيمًا ناصحًا، ولا يجد إلى كتمانه سبيلاً، عندئذٍ عليه أن يبذلَ جهده في اختيار الأمين، وليعلم أنه ليس كلُّ من كان أمينًا على الأموال فهو أمينٌ على الأسرار؛ فالإنسان قد يُذيع سرَّ نفسِه بلسانه، ويبخَلُ باليسير من ماله!
ومن صفات أمين السِّر أن يكون ذا عقلٍ ودِين، وكتومًا بطَبْعه، وهذا نادرٌ بين الناس.
12- الفأل والطِّيرة:
الطيرة والتطيُّر: التشاؤم بالشيء، والفأل والتفاؤل: توقُّع الخير، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«لا يتطيَّرُ من شيءٍ...» ؛ (رواه أبو داود).
قال صلى الله عليه وسلم: «الطِّيَرة مِن الشِّرك)»، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه راوي الحديث: "وما منَّا إلا ويعتريه التطيُّرُ، ولكن الله يُذهِبُه بالتوكُّل"؛ (رواه أبو داود).
وقد ذُكِرت الطِّيرة عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسَنُها الفألُ، ولا ترُدُّ مسلمًا، فإذا رأى أحدُكم ما يكرَهُ، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسناتِ إلا أنت، ولا يدفَعُ السيئاتِ إلا أنت، ولا حولَ ولا قوة إلا بك» ؛ (رواه أبو داود).
إن التطيُّر مضرٌّ بالرأي، مفسدٌ للتدبير، ومَن ظنَّ أن نباحَ كلبٍ أو نعيب غرابٍ يرُدُّ من قضاء الله شيئًا فقد جهِل، وأما التفاؤلُ ففيه انشراحُ الصدر، وتقويةُ العزم، وهو باعثٌ على الجِدِّ، ومعينٌ على الظَّفَرِ.
[1] مستفادٌ من كتاب: أدب الدُّنيا والدِّين، للماوردي.
[2] رواه الترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسن، ورقمه: (2459).
[3] مصنَّف ابن أبي شيبة: رقم (35600).
[4] انظر: فيض القدير: 5/67.
[5] للدكتور يوسف القرضاوي كتابٌ لطيف الحجم غزير الفائدة بعنوان: "الصبر في القرآن الكريم"، يحسُن الرجوع إليه.
[6] رواه الطبراني وأبو نُعَيم بسندٍ ضعيف.