زمن البلاء وعبادة المضطر في موسم العشر

محمد بن عبد الله الصغير

نمر الآن بحدثين مهمين.. زمن بلاء وابتلاء بهذا الوباء وما ترتب عليه من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، وموسم عبادة عظيم من أعظم مواسم الدنيا بل هو أعظمها كما دل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

  • التصنيفات: العشر من ذي الحجة - ملفات شهر ذي القعدة -

الحمد لله اختصنا بمواسم فاضلة لنعود إليه فلا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله أقسم بأفضل مواسم الليالي والأيام والفجر وليال عشر والشفع والوتر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسلم تسليماً كثيراً.... وبعد:

 

فبالتقوى تحصُل البركة، وتندفعُ الهلَكة.. فهي خيرُ الزاد.. وقد قال الله جل الله في آية الحج.. {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [1].

 

أيها الأحبة: نمر الآن بحدثين مهمين.. زمن بلاء وابتلاء بهذا الوباء وما ترتب عليه من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، وموسم عبادة عظيم من أعظم مواسم الدنيا بل هو أعظمها كما دل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» [2].

 

فما هو الرابط بين هذين الأمرين يا ترى؟

الرابط هو في قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [3] .. فإذا كان الدعاء هو من أفضل العبادات وأجلها، وربطه الله تعالى بكشف السوء والخلافة والتمكين في الأرض فنحن الآن في أعظم مواسم هذه العبادة وأحرى وقتٍ لقبولها. فمن هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه [4].

 

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد أصحابه لما سأله إِلَامَ تَدْعُو؟ قَالَ - عليه الصلاة والسلام-: «أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، الَّذِي إِنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ، كَشَفَ عَنْكَ، وَالَّذِي إِنْ ضَلَلْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ دَعَوْتَهُ، رَدَّ عَلَيْكَ، وَالَّذِي إِنْ أَصَابَتْكَ سَنَةٌ فَدَعَوْتَهُ، أَنْبَتَ عَلَيْكَ»[5].

 

فهل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض؟ يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل إليكم نعمه وتكونون خلفاء من قبلكم.[6] إلا هو سبحانه {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}  [7].

 

والذكر أيها الأحبة من الدعاء.. ونحن الآن مقبلون على أعظم مواسمه.. فقال سبحانه: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [8]، وفي رواية لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق: «فأكثروا فيهنَّ التَّسبيح والتَّكبير». [أخرجه الطبراني وهو حديث حسن وله شواهد][9].

 

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. [أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً][10]

أقول قولي هذا وأستغفر الله..

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أمّا بعد:

 

فيا عباد الله اتقوا الله، فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [11].

 

أيها الأحبة: هذه العشر لم يغفل عنها سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فهذا سعيد بن جبير كان إذا دخلت أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً، حتى ما يكاد يقدر عليه [سنن الدارمي][12]. وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر - تعجبه العبادة فيها - ويقول: أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة [سير أعلام النبلاء][13].

 

وقال عبد الله بن عون: كان محمد بن سيرين يصوم العشر، عشر ذي الحجة كلها [مصنف ابن أبي شيبة][14].

 

وقال ليث بن أبي سليم: كَانَ مُجَاهِدٌ يَصُومُ الْعَشْرَ [مصنف ابن أبي شيبة][15].

 

وعن الأوزاعي قال: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ كَقَدْرِ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، يُصَامُ نَهَارُهَا وَيُحْرَسُ لَيْلُهَا إِلَّا أَنْ يُخْتَصَّ امُرُؤٌ بِشَهَادَةٍ [شعب الإيمان][16].

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ يُقَالُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ بِكُلِّ يَوْمٍ أَلْفٌ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَشْرَةُ آلَافِ يَوْمٍ". يَعْنِي فِي الْفَضْلِ[17] [18]

 

فإذا كانت هذه أقوالهم وتلك أفعالهم وهم غير مضطرين، فكيف بنا ونحن المضطرين في زمن البلاء..!!

 

جعلنا الله وأياكم من أهل الطاعة وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته..

 

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[19]

 


[1] [البقرة: 197].

[2] صحيح؛ أخرجه البخاري (969)، والترمذي (757)، واللفظ له.

[3] [النمل: 62].

[4] تفسير ابن كثير (10/421).

[5] صحيح؛ أخرجه أحمد (34/239-20636)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(420).

[6] تفسير السعدي (608).

[7] [الأعراف: 3].

[8] [الحج: 28].

[9] أخرجه الطبراني(11/82-11116).

[10] صحيح البخاري (2/20).

[11] [آل عمران: 102].

[12] أخرجه الدارمي (1815).

[13] سير أعلام النبلاء للذهبي (4/326).

[14] مصنف ابن أبي شيبة (6/188).

[15] مصنف ابن أبي شيبة(6/188).

[16] ضعيف؛ أخرجه البيهقي في "الشعب"(5/309-3477)، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(736).

[17] ضعيف؛ أخرجه البيهقي في "الشعب"(3/ 358-3766)، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(736).

[18] للمزيد انظر الخطبة التالية: الذكر وحال السلف في العشر (خطبة).

[19] [الأحزاب: 56].