لا تترك العبادة خشية الرياء

ما اعتاده المسلم والمسلمة من أعمال الخير التي يداومون عليها لا تُترك إذا كانوا بحضرة الناس خشية الرياء.

  • التصنيفات: الحث على الطاعات -

ما اعتاده المسلم والمسلمة من أعمال الخير التي يداومون عليها لا تُترك إذا كانوا بحضرة الناس خشية الرياء.

 

فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ» [1].

قال أبو عبيد: قال جرير[2]: معناه أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعه حياءً من الناس كأنَّه يخاف مذهب الرياء يقول: فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت قال أبو عبيد: والذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه... ولكن الحديث... ليس يجيء سياقه ولا لفظه على هذا التفسير ولا على هذا يحمله الناس وإنَّما وجهه عندي أنَّه أراد بقوله: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت إنَّما هو من لم يستحي صنع ما شاء على جهة الذم لترك الحياء [3].

 

وعن الحسن البصري، قال: «ما من أحد عمل عملاً إلا سار في قلبه سَوْرَتان[4]، فإذا كانت الأولى منهما لله فلا تَهيدَنَّه الآخرة»[5].

 

قال أبو عبيد: لا تَهيدَنَّه: لا تصرفنه عن ذلك ولا تزيلنه يقال منه: هِدْتُ الرجل أَهِيده هَيْداً وهاداً إذا زجرته عن الشيء وصرفته عنه... والذي أراد الحسن... إذا صحت نيته في أول ما يريد الأمر من البر فعرض له الشيطان فقال: إنَّك تريد بهذا الرياء فلا يمنعنه ذلك من الأمر الذي تقدمت فيه نيته.

 

وعن الحارث بن قيس قال: «إذا هممت بخير فلا تؤخر، وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي، فقال: إنَّك ترائي، فزدها طولاً»[6].

 

وروي عن محمد بن سيرين، أنَّه قال: «ما أراد رجل من الخير شيئاً إلا سار في قلبه سوراته فإذا كانت الأولى فلا تَهيدَنَّك الآخرة»[7].

 

وروي عن الفضيل بن عياض أنَّه قال: «ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله عنهما»[8].

 

فالإخلاص أن لا يكون للناس أي حظ من العبادة، ولا يترك المتعبد شيئًا منها لأجلهم[9].

 

قال أبو الفرج بن الجوزي: ترك الطاعات خوفاً من الرياء فإن كان الباعث له على الطاعة غير الدين فهذا ينبغي أن يترك؛ لأنَّه معصية، وإن كان الباعث على ذلك الدين وكان ذلك لأجل الله عز وجل مخلصاً فلا ينبغي أن يترك العمل؛ لأنَّ الباعث الدين، وكذلك إذا ترك العمل خوفاً من أن يقال: مراء، فلا ينبغي ذلك لأنَّه من مكايد الشيطان[10].

 

وقال النووي: لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفاً من أن يظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً ويقصد به وجه الله تعالى، وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله: أن ترك العمل لأجل الناس رياء.

 

ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لا نسد عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريق العارفين[11].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك فإنَّه يصليه حيث كان ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنَّه يفعله سراً لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص؛ ولهذا قال الفضيل بن عياض:... وفعله في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته ويشتغل قلبه بسبب ذلك فإنَّ الصلاة كلما كانت أجمع للقلب وأبعد من الوسواس كانت أكمل[12].

 

وما روي عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما: «وأردت أن أقوم فأصب عليه فخفت أن يدع الليلة من أجلي» ورواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما: «فأردت أن أقوم فأصب عليه، فخشيت أن يذر شيئاً من عمله» لا تصحان والمحفوظ أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما كان مستيقظاً لكنَّه تظاهر بالنوم كراهة أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يرقبه[13].

 

وقد يترك النبي صلى الله عليه وسلم العبادة بحضرة الناس ويصليها في بيته لمصلحة شرعية فعن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل آخر، فقام أيضاً حتى كنا رهطاً فلما حس النبي صلى الله عليه وسلم أنَّا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال: قلنا له: حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة؟ قال: فقال: «نَعَمْ ذَاكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الَّذِي صَنَعْتُ»[14].

 

فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم قيام رمضان عدة ليال، ثم تركه خشية أن يفرض عليهم[15].

 


[1] رواه البخاري (3483) (3484).

[2] رواية جرير بن عبد الحميد عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عند ابن ماجه (4183).

[3] غريب الحديث (3/ 31).

[4] قال ابن الأثير في النهاية (2/ 420) سورة أي ثورة من حدة. ومنه يقال للمعربد سوار. ومنه حديث الحسن...

[5] رواه أبو عبيد، في غريب الحديث (4/ 451) قال: سمعت ابن عدي يحدث، عن عوف، عن الحسن، قال: فذكره إسناده صحيح.

ابن عدي هو محمد بن إبراهيم بن أبى عدي نُسِب لجده. وعوف هو ابن أبى جميلة العبدي.

وله طريق آخر ضعيف يأتي في أثر ابن سيرين.

ورواه البيهقي في شعب الإيمان (6884) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، نا أبو الحسن الكازري، أنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، به. أبو عبد الرحمن السلمي يأتي قريباً أنَّه ضعيف وبقية رواته محتج بهم.

أبو الحسن الكارَزي هو محمَّد بن محمَّد بن الحسن النيسابوري وعلي بن عبد العزيز هو الحافظ البغوي.

[6] رواه وكيع في الزهد (259) ـــ وعنه ابن أبي شيبة (2/ 476) وأحمد في الزهد (2092) ـــ حدثنا الأعمش، والطبري في تهذيب الآثار ـــ مسند عمر رضي الله عنه (1141) ـــ حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر عياش، عن الأعمش، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن الحارث بن قيس الجعفي قال: فذكره رواته ثقات.

والحارث بن قيس الجعفي من كبار تابعي الكوفة.

[7] رواه البيهقي في الشعب (6883) أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا عبد الله بن أحمد بن سعد الحافظ، نا أبو عبد الله البوشنجي، نا ابن عائشة، نا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ـــ وأثنى عليه ابن عائشة، قال: وكان ثقة ـــ نا عوف، قال: سمعت محمد بن سيرين، يقول:... قال إبراهيم بن حبيب، فحدثت به أبي، فقال: كان الحسن يقوله إسناده ضعيف.

رواته ثقات عدا أبا نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة، لم أقف على من تكلم فيه.

وأبو عبد الله البوشنجي هو محمد بن إبراهيم العبدري وابن عائشة، هو عبيد الله بن محمد القرشي وعوف هو ابن أبى جميلة.

[8] رواه البيهقي في شعب الإيمان (6879) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن بندار، يقول: سمعت عبد الله بن محمود، يقول: سمعت محمد بن عبد ربه، يقول: سمعت الفضيل، يقول: فذكره إسناده ضعيف.

أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي النيسابوري ضعيف. قال الذهبي: تكلموا فيه، وليس بعمدة. ومحمد بن عبد ربه بن سليمان المروزي ذكره ابن حبان في ثقاته وقال: يخطىء ويخالف. وترجم له ابن حجر في لسان الميزان فقال: روى له البيهقي في الشعب حديثاً منكراً من روايته عن الفضل بن موسى السيناني وعنه صالح بن كامل وضعفه. وعبد الله بن محمود هو السعدي المروزي.

[9] انظر: شرح عمدة الأحكام لابن العطار (3/ 1719).

[10] انظر: الآداب الشرعية (1/ 283) ومختصر منهاج القاصدين ص: (286).

[11] الأذكار ص: (10).

[12] مجموع الفتاوى (23/ 174).

[13] انظر: إسبال المقال على حديث ابن عباس في القيام يسر الله طباعته.

[14] رواه مسلم (1104).

قال النووي في شرحه (7/ 303) دخل رحله: أي منزله قال الأزهري رحل الرجل عند العرب هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر وغيرها.

[15] انظر: قيام رمضان زمن النبوة والخلافة الراشدة ص:(12).
______________________________

المؤلف: أحمد الزومان