رسالة إلى من يستغيث بالقبور
حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك
السؤال: هل دعاء الصالحين والأولياء كعبدالقادر الجيلاني وقول مدد مدد لهم هل هذا شرك؟ وكيف يكون شرك مع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ومع اعتقاد أن الله وحده هو ربنا وربهم ورب كل شيء وأنه خالق الكون ومالكه؟
الجواب: من كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد فالشرك بالله أعظم الذنوب فقد أخبر الله تعالى في كتابة الكريم أنه لا يغفره أبداً قال تعالى { {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} } [النساء آيةٌ ٤٨].
وأخبر أن من أشرك به فهو في النار { {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} } [المائدة آيةٌ 72].
وأخبر أن الشرك من أعظم الظلم { {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} } [لقمان آيةٌ ١٣]
فالمشرك صَرف حقُ الله تعالى لغيره من مخلوقاته. ووضعُ الشي في غير محله يسمى ظلماً، فالعبادة لا تصرف لغير الله تعالى، وعلى الإنسان فهم حقيقة التوحيد وفهم حقيقة الشرك وإلا لم يصح منه أن يقول إنه حقق التوحيد وسَلِم من الشرك، وقد قال تعالى ممتناً بنعمة العلم على النبي صلى الله وسلم وأمته { {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} } [الأنعام الآية ٥٥].
أي ليتبين الحق، وليظهر طريق أهل الباطل المخالفين للرسل فيجتنبها العبد ويحذر من الوقوع في شيء منها، إذاً الذي يجهل حقيقة الشرك هل يصح أن يقول عن نفسه إنه سالم من الشرك؟ فهذا مثل الرجل الذي يبيع ويشتري ويتاجر وهو لا يعرف ماهي العقود والبيوع المحرمة فهل يصح أن يقول إنه لم يقع في بيع محرم أو عقد محرم؟ لا يصح، لأنه ليس لديه علم صحيح يميز به بين تفاصيل البيوع والمعاملات المباحة والبيوع والمعاملات المحرمة كي يجتنبها. لذا وجب علينا تعلم التوحيد لنحققه ونعمل به وتعلم ما هو الشرك وماهي وسائلة لنحذر من الوقع فيه.
إذا عُرف ما سبق فماهوا الشرك بالله تعالى؟
الشرك معناه في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو مشارَكةُ شيءٍ بين اثنين نقول رجلين شرِيكين في مال والمال بينهم مشترَك وهو شَرَاكةٌ بينهما واشترَكا في تجارة، والرجل يقول للآخر أشرِكني معك في التجارة والتجارة شرَاكةٌ بينهما.
قال ابن منظور في لسان العرب: (الشَّرْكة والشَّرِكة سواء؛ مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا بمعنى تَشارَكْنا، وقد اشترك الرجلان وتَشارَكا، وشارَك أَحدُهما الآخر، والشَّرِيكُ: المُشارِك، والشِّرْكُ كالشَّرِيك، والجمع أَشْراك وشُرَكاء) (لسان العرب ص 313).
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (الشِّرْكة هو أن يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما، ويقال: شاركتُ فلاناً في الشيء، إذا صِرْتَ شريكه، وأشركْتُ فلاناً، إذا جعلتَه شريكاً لك) (مقاييس اللغة ج3ص265).
قال تعالى في قسمةِ الوِرث (فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) (النساء الآية ١٣).
وأما اصطلاحاً: فهو صرفُ العبادة لغير الله تعالى.
ويتضحُ لك مما سبق أن من صَرفَ العبادة لله وللمخلوق فقد جعل المخلوق شريك لله في العبادة { {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} } [الاعراف آية ١٩٠].
بقي أن نعرف ماهي العبادة؟
العبادة: هي كل ما يحبهُ الله وأمر به من الأعمال والأقوال الظاهر والباطنة.
وهل الدعاء عبادة حتى يكون صَرفهُ لغير الله شرك بالله؟
كتاب الله يخبرنا أن الدعاء عبادة قال تعالى { {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} } [غافر الآية ٦٠].
في هذه الآية أمرنا الله تعالى بدعائه، وسمى الدعاء عبادة.
وقال تعالى { {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} } [غافر الآية ١٤].
وقال تعالى { {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} } [البقرة آية ١٨٦].
وقال تعالى { {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} } [الجن الآية ١٨].
وهنا أَمرنا الله تعالى بدعائه وحدة وألا نتوجه بالدعاء لأيّ أَحد كان، غيرهُ سبحانه.
وقال تعالى { {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} } [الأعراف الآية٥٥].
وقال { {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} } [الاعراف الآية ٢٩].
وقال عن المُشرِكين { {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} } [العنكبوت الآية ٦٥].
خافوا من الغرق بسبب العواصف والأمواج العاتية فدعوا الله وحده ولم يدعوا معه لا ملائكة ولا أنبياء ولا صالحين ولا كواكب ولا أصنام ولا أحجار بل أفردوا الله وحده وأخلصوا له العبادة.
وقال تعالى عن المشركين { {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} } [الاحقاف الآية 6،5].
فسمى الدعاء في هذه الآية عبادة أيضاً.
وقال { {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} } [الرعد الآية 14].
إلى آخر الآيات الكثيرة بشأن الدعاء.
نعلمُ من هذه الآيات ما يلي: عظم شأن الدعاء وأنَّ الله يحب الدعاء وأَمرنا به وسماه عبادة وأمرنا بالإخلاص في دعاءه وأمرنا أنَّ ندعوه وحده ونهانا عن دعاء غيرهُ أيَّاً كان وسمى من يدعو غيرهُ مُشْرِك، ونعلم أيضاً أنَّ الدعاء أنواع فمنه ما هو طلبٌ للحاجات، ومنه ما هو استغاثةٌ للنجاة من المهالك، كما في حال أهل السفينة، وكل ذلك واضح من خلال الآيات السابقة، ومن تعلمَ كتاب الله وفهمه تبين له الفرقُ بين التوحيد والشرك.
ولعل جاهل بعد هذا يقول: إنَّ المشرِكين الذين بُعثَ إليهم رسول الله كانوا يدعون الأصنام ويعبدونها، ونحن لا ندعو الاصنام ولا نعبدها.
والجواب من القرآن: أن منهم من كان يعبد الأصنام ومنهم من كان يعبد الجن { {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} } [سبأ الآية 41].
ومنهم من عبد الملائكة والصالحين { {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} } [الاسراء الآيات 56-57].
فبين تعالى أن المشركين يدعون الملائكة والصالحين بينما هؤلاء الملائكة والصالحين إنما يتقربون لله وحده ويبتغون إلي الله الوسيلة - أي يتقربون لله بالأعمال الصالحة - ويأملون رحمته ويخافون عذابه. فهم عباد لله وليسوا آلهة فكيف يتوجه لهم المشركون بالدعاء من دون الله هذا من الجهل والظلم العظيم.
ومن المشركين من عبد الكواكب قال تعالى { {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} } [فصلت الآية 37].
ولعل جاهل يقول: إنما يكون مشرك بالله من دعاهم وهو يعتقد أنهم يَخْلقون ويَرزُقون من دون الله، أو يقول لم يكن المشركون في زمن النبي يعترفون أن الله هو الخالق الرازق وحده والمالك المدبر ورب كل شيء ومليكه.
والجواب من القران: قال الله تعالى { {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ} } [المؤمنون الآيات 84-89].
وقال تعالى { {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} } [الزمر آية38].
وقال تعالى { {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} } [العنكبوت آية61].
فهم يعرفون بل يؤمنون أن الله هو الخالق الرازق المدبر وأنه وحده رب العالمين ولكن عبدوا معه غيره فصاروا مشركين { {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْركُونَ} } [يوسف آية 106].
ولأنهم صرفوا العبادة لغير الله بعث الله لهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا لا إله إلا الله فرفضوا وردوا عليه بما أخبر الله عنهم قال تعالى { {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} } [الصافات الآيات 35-36]. وفي الآية الأخرى {أَ {جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} } [سورة ص الآيات ٤-٥[
فالمشكلة معهم ليست في توحيد الربوبية أي الأيمان بأن الله وحده الرب الخالق المالك الرازق بل في توحيد الألوهية أي عدم أفراده بالعبادة.
وعبادة المشرِكين كانت في دعاء الاصنام والاستغاثة بهم والاستعانة بهم والنذر لها والذبح ليشفعوا لهم عند الله { {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّ} هِ} [سورة يونس الآية ١٨]. ولكي يقربوهم إلى الله زلفى { {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} } [الزمر الآية ٣].
وهنا نتطرق لأمر مهم وهو معنى (لا إله إلا الله) الكلمة التي رفض كفار قريش قولها وذلك لأنهم عرب يعرفون معناها، فهي لا تعني عندهم لا خالق إلا الله و لم يفهموا ذلك منها وإلا لما رفضوها، فهم كما عرفت أيها الكريم من الآيات السابقة مقرون أن الله وحده الرب الخالق، و لو كان معنها لا خالق إلا الله لقالوها بدون تردد، ولكن لما كان معناها لا معبود بحق إلا الله رفضوا ذلك وقالوا كما أخبر الله عنهم { {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ *وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} } الآية، فهم يعرفون معنى إله إلا الله لذا رفضوا الانقياد لها لانهم لا يريدون أن يتركوا معبوداتهم ويخلصوا العبادة لله.
إذا فهمت ما سبق فما معنى (الإله)؟
معناه على ضوء الآيات السابقة: المعبود، وفي اللغة الرجل المتألِه أي المتعبِد وألَهَ أي عبدَ، والإله أي المعبود. وأما الرب فمعناه السيد المربي المالك، والخالق معناه موجد المخلوقات.
فهل معنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله ؟!! أو لا رب إلا الله؟!! أو لا معبود بحق إلا الله؟
معناها لا معبود بحق إلا الله، فالملائكة والصالحين وكذلك الاصنام تعبد بالباطل والله وحده يعبد بحق، فلا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله لذلك رفضها الكفار الذين بُعثَ لهم النبي صلى لله عليه وسلم كما سبق، وأما من يقولها بلسانه وهو لا يفهم معناها ولا يطبق معنها ويتوجه بالدعاء للأولياء والصالحين فلا تدخله في الإسلام ولو كان يفهم معناها ويعمل به لم يدع أحداً غير الله.
فهي أصل الدين وأساس الإسلام. وهي نفي وإثبات، (لا إله) نفي و(إلا الله) إثبات، (لا إله) تنفي جميع المعبودات والآلهة بغير حق، و(إلا الله) تثبت العبادة بالحق لله وحده.
ومن الآيات المفسرة لها قوله تعالى { {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} } [الحج آية62].
وقوله تعالى { {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} } [الزخرف الآيات ٢٥-٢٦].
ولعل جاهل يقول: إنما ندعوهم ليقربونا إلى الله.
والجواب: أن هذا فعل المشركين كما مر معنا { {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} } الآية.
ولعل جاهل يقول: إنما ندعوهم ليشفعوا لنا عند الله.
والجواب: أن هذا فعل المشركين كما مر معنا أيضا { {و َيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} } الآية.
ثم ربما يقول الجاهل: بل النبي صلى الله عليه وسلم يملك الشفاعة.
والجواب: أن الشفاعة ملك لله وحده { {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} } [الزمر الآية 44]. فتطلب الشفاعة من مالكها وهو الله سبحانه وتعالى.
ثم لو قال بل أعطى الله الشفاعة لنبيه، فيقال له وأيضا الملائكة يوم القيامة تشفع والنبيون يشفعون والأولاد يشفعون والمؤمنون يشفعون فهل نطلب من هؤلاء أن يشفعوا؟ والجواب كما تعلم: لا، فالله امرك بأن لا تسأل الشفاعة إلا منه سبحانه فتقول اللهم أرزقني شفاعة نبيك.
قال تعالى { {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} } [الأنعام ٥١آية].
فلا يشفع نبي ولا ملك ولا غيره إلا بعد أن يأذن الله له بالشفاعة وبعد أن ويرضى عن المشفوع له.
قال تعالى { {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} } [النجم الآية 26].
وقال تعالى { {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} } [سورة البقرة الآية 255].
وقال تعالى { {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ} } [سبإ الآية 23].
وقال { {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} } [الأنبياء الآية 28].
فهذان شرطان واضحة بينة في كتاب الله لحصول الشفاعة وهي:
1-إذن الله للشافع أن يشفع.
2-رضى الله عن العبد فإذا رضي عنه إذن بأن يشفع له الشافع.
والله لا يرضى إلا عن الموحدين المسلمين ولا يرضى عن الكفار والمشركين، فلا تنفعهم الشفاعة أبدا قال تعالى { {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} } [المدثر الآية 48].
وقال تعالى { {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} } [البقرة آية 123].
فلا ينالون الشفاعة لأن الله لا يأذن بالشفاعة لهم ولا يرضى عنهم. اللهم نسألك أن ترضى عنا وأن تشفع فينا نبيك محمد صلى الله عيه وسلم.
ولعل جاهل يقول: إن هذا ليس دعاء بل نداء وأن هناك فرق.
فالجواب: أن النداء هو دعاء وطلب فهو عبادة لا تصرف لغير الله، قال تعالى { {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} } [الصافات الآية 75-76].
وقال تعالى {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ} [الأنبياء آية 84-83].
وقال تعالى { {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} } [الأنبياء آية 87-88].
وقال تعالى { {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} } [الأنبياء أية 89-90].
فهؤلاء انبياء وهم قدوة لنا، وقد نادوا ربهم مناداة طلب ودعاء فاستجاب لهم ربهم، ولا يجوز مناداة غير الله مناداة طلب ودعاء واستغاثة.
وتأمل الآيات السابقة مع قوله تعالى { {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} } [البقرة الآية ١٨٦]. وكيف أن النداء والدعاء كلاهما طلب ترتبت عليه الاستجابة من الله وحده، والطلب من غير الله شرك كما تقدم، وسواء سمي الطلب دعاء أو نداء أو سؤال أو استغاثة فهو حق لله وحده.
وأما مناداة الحي الحاضر القادر على المساعدة فليس من العبادة، قال تعال { {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ} } [القصص الآية ١٥]. وكما يحصل يقوم القيامة عندما يجتمع الناس جميعا الأنبياء واتباعهم وأعداءهم في ارض المحشر فيستغيثون بالأنبياء ليشفعوا لهم عند الله ليعجل الله القضاء فهذا النوع من الاستغاثة جائز وهو طلب من مخلوق حي حاضر فيما يقدر عليه.
أما الاستغاثة بالغائب والعاجز كالاستغاثة بالأصنام والقبور والاموات فهذا الشرك بالله.
ومعنى الاستغاثة: طلب المكروب تفريج كربته، فهي نوع من الدعاء ولكن تختص بوقت الكرب.
وقد يقول جاهل: إن الصالحين أحياء عند ربهم يُرزقون يقصد بذلك أنهم يسمعون ويجيبون.
والجواب: أما الانبياء فأحياء عند ربهم يُرزَقون ولا يَرزِقون أحداً بل الله وحده هو الرزاق وقد أخبر سبحانه عنهم أنهم لا يملكون نفعا ولا ضرا قال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه { {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} } [سورة الجن الآية 21-22].
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب و كذلك الانبياء والملائكة والصالحون وسائر الخلق { {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّ} هُ} [سورة النمل الآية 65].
وتأمل في أحوال الانبياء وقصصهم في كتاب الله فهذا الهدد يقول لسليمان أحطُ بما لم تحط به، وهذا موسى يقول للخضر هل أتبعك على أن تعلمني، ويقول لأهله {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ} [النمل الآية٧]. وهذا زكريا يقول لمريم أنى لك هذا؟، وهذا إبراهيم يظن أن الملائكة ضيوف ويقدم لهم الأكل، وهذا لوط يدافع عن ضيوفه خوفا عليهم من قومه ولم يعلم أنهم ملائكةٌ مرسلون لإهلاك قومه، وداود كان في محرابه فتسلق عليه خصمان ولم يعلم بهما وفزع فاخبراه خبرهما ولم يكن يعلم، وهكذا الانبياء كلهم بشر مثل سائر البشر لا يعلمون إلا ما علمهم ربهم.
وأما من عدا الأنبياء من الصالحين، فهل هم أحياء عند ربهم يرزقون؟
الجواب: لا نعلم حالهم بل نرجو أن يكونوا كذلك فلا يمكن للبشر معرفة مصير أحد من الناس بعد موته إلا من خلال الكتاب والسنة، وأما لم يرد به نص شرعي فنحسن الظن بناء على عمله الصالح ونرجو له الخير ولا نجزم بحالة في الآخرة.
كذلك لا يعلمون الغيب ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا وإلا لَما مرضوا وماتوا ودفنهم الناس.
ولتعلم أيها الكريم أن الغاية من خلق الخلق هي عبادة الله وحده قال تعالى { {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} } [الذاريات أية 56]. يقول ابن عباس إلا ليوحدون.
فالتوحيد هو الأساس الذي يبنى عليه العمل، لذا يجب عليك أن تهتم بتعلمه لأنه الغاية التي خلقنا من أجله ويجب عليك أن تتعلم الشرك لتحذر منه لأنه ينقض العبادة التي خلقنا الله من أجلها ويبطلها، قال تعالى {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام آية 88].
وقال تعالى { {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} } [الزمر آية 64-65].
فإذا أُمرنا بالعبادة وأخبرنا أن الشرك يحبطها صار التوحيد غاية ومطلب، وفهمت معنى تفسير ابن عباس للآية السابقة، أذن ليكن أهم ما تعتني به معرفة التوحيد ومعرفة ما ينقضه وهو الشرك وقد جمعتها هذه الآية، قال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء الآية 36].
ولتعلم أن القرآن الكريم منه آيات محكمات أي واضحات الدلالة هن أصل يرجع إليه عند الاشتباه، ومنه آيات متشابهات تحتاج إلى تفصيل وتحتمل بعض المعاني، وأهل الزيغ والضلال يتركون الآيات المحكمة ويبحثون عن المتشابهة ليستدلوا به على شبهاتهم وضلالتهم وليروجوا مذهبهم الباطل، والواجب عليك هو إذا سمعت من يستدل بالمتشابه أن ترده إلى المحكم فهذه طريقة الراسخين في العلم قال تعالى { { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} } [آل عمران الآية 7].
ومثال ذلك: لو جاءك نصراني يريد أن يستدل على تعدد الآلهة بآيات مثل {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ} الآية. وقوله: { {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} } الآية لأنها وردت بصيغة الجمع المراد به التعظيم.
فنرد هذه الآيات إلى الآيات المحكمة مثل قوله تعالى { {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ} } الآية
والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه أبو وريف بدر عبد الله الصاعدي