(2) الإمام الطبري: اسمه ونسبه
عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
ولد أبو جعفر بمدينة آمل طبرستان في آخر سنة 224 هـ، ونشأ بهذه المدينة، وكان أبوه موسرًا، أنفق عليه ليتعلم العلمَ؛ لرؤيا رأى فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم
- التصنيفات: تراجم العلماء -
هو:
أبو جعفرٍ محمدُ بن جرير بن يزيد الطبريُّ الآملي، هذا ولما سئل عن الاستزادة في نسبه، أنشد قولَ الشاعر:
قد رفَعَ العجَّاجُ ذِكْري فادْعُني بِاسْمِي إذا الأنسابُ طالتْ يَكْفِني
وألقابه كثيرة:
فهو: الإمام، المجتهد، المفسر، المحدِّث، الحافظ، الفقيه، المؤرِّخ، العلامة، اللُّغوي، الثقة، الثَّبَتُ، المقرئ... المشهود له بذلك كله، وهذه الألقاب تَشْرُف به.
وكنيتُه:
أبو جعفر - بالاتِّفاق – وهو ما يكني به نفسه دائمًا، ويُنسَب الشيخ إلى أبيه فيقال: ابن جرير، أو إلى بلده فيقال: الطبري.
ولادته ونشأته:
ولد أبو جعفر بمدينة آمل طبرستان في آخر سنة 224 هـ، ونشأ بهذه المدينة، وكان أبوه موسرًا، أنفق عليه ليتعلم العلمَ؛ لرؤيا رأى فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو بين يديه، ومعه مِخلاة مملوءة حجارة، ومحمد بن جرير يرمي بها بين يديه، فعُبِّرت له: بأن ابنك إن كَبِرَ، نصح في دينه، وذبَّ عن شريعته صلى الله عليه وسلم[1].
فكانت سببًا في تبكيره في طلب العلم، فحفظ القرآن وعمره سبعُ سنين، وأمَّ الناس في الصلاة وعمره ثمان سنين، وبدأ يكتب الحديث وعمره تسعُ سنين من مشايخ طبرستانَ وما حولها؛ كالري وأعمالها، فحصَّل بها مبادئَ العلوم وأَساسَها ليشتدَّ عُودُه، ويستمر على الجادَّة، فينافس أقرانَه؛ بل بزَّهم كثيرًا حتى شهدوا له بالتقدُّم عليهم، وبالحفظ والتحصيل؛ مما جعله محظيًّا عند شيوخه منذ صغر سنه.
ويَذكر عن نفسه هذه النشأة الجادة في التحصيل؛ حيث يقول: كنا نمضي إلى محمد بن أحمد الدُّولابيِّ ندرُسُ عليه التاريخ، وكان في قرية من قرَى الري، ثم نرجع نعدو مُسرعين كالمجانين لنلحَقَ بدرس محمد بن حميد الرازيِّ في إملاء الحديث، حتى ذكر أنه كتب عنه أكثر من مائة ألف حديث، ودرس عليه كذلك التفسير، ودرس الفقه على أبي مقاتل فقيه الري.
هذا، وقد لبث ابنُ جرير في بلاده حتى جاوَزَ البلوغ بقليل؛ حيث بلغ عمره نحوًا من ست عشرة سنة، حيث شغفت نفسه للقاء أحمدَ بنِ حنبل فرحل إليه.
وفي ذلك كله كان أبوه ينفق عليه ليتفرغ في طلب العلم والسفر لأجله، فكان أبوه في ذلك كله يمدُّه بالمال حتى وهو في سفراته في البلدان، حتى قال مرةً - وهو في رحلاته -: أبطَأَتْ عني نفقةُ والدي، واضطررت إلى أن فتقت كُمَّيْ قميصِي فبعتُهما.
وكان أبوه بعد موته خلَّف له مزرعةً يرسل له نصيبه منها في كل سنة.
[1] هذه الرؤيا الصالحة من المبشِّرات، كما فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وقرأ قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64]))؛ أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه.