يوم عرفة
محمد سيد حسين عبد الواحد
ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والسنة الباقية وصيام يوم عرفة يستحب ويتأكد لعموم المسلمين إلا لأهل عرفات
- التصنيفات: العشر من ذي الحجة -
يقول رب العالمين سبحانه {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ }
وعند أصحاب السنن من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلاَنِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فقَالَ النبي عليه الصلاة والسلام مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَقَالَ الآخَرُ يا رسول الله إِن أبوابَ الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكُلِّها فأخبرْني بشيءٍ أتَشَبَّثُ به ولا تُكْثِرْ عليَّ فأنْسى وفي رواية يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ وأنا قد كَبِرْتُ فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به ولا تُكثِر عليَّ فأْنسى فقَالَ النبي عليه الصلاة والسلام لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ» »
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل أيام معدودات تكرم علينا الحكيم العليم سبحانه وتعالي وأهل علينا هلال ذي الحجة .. ورد أن العشر أيام الأول من هذا الشهر هن أفضل أيام الدنيا بنص حديث النبي صلي الله عليه وسلم
صلة الرحم بر الوالدين إطعام الجائع فك كرب المكروب تفريج همّ المهموم الكلمة الطيبة الصلاة الصيام النفقة في سبيل الله أي عمل صالح في هذه الأيام العشر ثوابه مرشح وقابل لأن يضاعف بدرجة كبيرة
قال النبي عليه الصلاة والسلام « «مَا الْعَمَلُ فِى أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِى عَشْرِ ذِى الْحِجَّةِ » قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ » »
أي عبادة وأي قربة يحق للمؤمن أن يتقرب بها إلي الله تعالي
في أي وقت من العام لها في العشر أيام الأول من ذي الحجة متسع فقد تفردت العشر أيام الأول من ذي الحجة عن غيرها من أيام السنة فجمعت كل عبادة تخطر علي البال
ومن الأعمال الصالحة التي يستحب الاكثار منها والتقرب بها إلي الله تعالي في كل وقت وخاصة في العشر الأول كثرة ذكر الله عز وجل وفي الحديث القدسي «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» .
وإذا كنا في هذه الأيام نتنسم عبير الحج وكلنا أشواق لأن يكتبه الله تعالي لكل مسلم ومسلمة فإن من علل الحج ومن أسباب فرضيته إقامة ذكر الله عز وجل قال الله تعالي ففي سورة الحج
( {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } ) قال ابن عباس رضي الله عنهما المقصود بالأيام المعدودات أيام الذكر والدعاء أيام ذي الحجة
وفي سورة البقرة قال الله تعالي ( {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} )
ومنن المبشرات أن مقدار ذكر الله تعالي في العبادة هو الذي يمير أجر إنسان عن إنسان كما يقال هذا في الصلاة يقال في الصيام ويقال عن الصدقة ويقال عن الحج ( «قال رجل يا رسول الله أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَال أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَال فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلَّه عَزَّ وَجَلَّ قَال ثُمَّ ذَكَرَ الصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَكُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَل قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ يَا أَبَا حَفْصٍ ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : أَجَلْ» .
فعل رأس الأعمال الصالحة في هذه الأيام كثرة ذكر الله تسبيحاً وتحميداً وتهليلاًً وتكبيراً قال النبي عليه الصلاة والسلام (التهليل والتكبير والتحميد ) الله أكبر الله أكبر كبيراً الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عملا بهذه السنة المهجورة هذه الأيام كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلي السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
ومن الأعمال الصالحة التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام
وينقسم الناس فيها بين مؤيد وببين معارض وبينن موافق وبين مخالف صيام عشر ذي الحجة سبب الإشكال حديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول فيه ( ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم صائماً في العشر قط .. لاحظ أنها تقول أنها ما رأت بعينيها رسول الله صائما في عشر ذي الحجة أبداًً .. ؟
وقد تأول بعض أهل العلم قول عائشة رضي الله عنها بأن رسول الله لم يصم العشر لعذر كسفر أو مرض ومن أهل العلم من تأول قولها ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم صائماً في العشر بأنها لم تره صائما فقالوا لا يلزم من عدم رؤيتها أنه لم يصم فقد يكون صائما وهي لا تعلم ويشهد علي صحة هذا التأويل وأنه صلي الله عليه وسلم كان يصوم العشر وأن عائشة لم تره ما أخرجه أبو داوود عن بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم أنها قالت «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِى الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ » . وفي حديث أم المؤمنين حفصة أن رسول الله لم يدع صيام تسع ذي الحجة .
كثرة الصلاة كثرة ذكر الله كثرة الصيام كلها أعمال صالحات
يشترك فيها حجاج البيت الحرام مع عموم المسلمين , أما ما يخص الحجاج في هذه الأيام دون غيرهم فهو القيام بعمرة ثم يتمتعون بها إلي الحج .. والتمتع بالعمرة إلي الحج جائز لعموم حجاج البيت الحرام إلا من أهل مكة فليس لهم أن يتمتعوا بالعمرة إلي الحج لأنهم سكان الحرم وفي الذكر الحكيم ( {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} )
ومن البركات التي يشترك فيها عموم المسلمين
مع حجاج البيت الحرام في هذه الأيام المباركة وتحديداً يوم عرفة قبول الصلوات وإجابة الدعوات قال النبي عليه الصلاة والسلام «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير»
ذلك أن يوم عرفة هو أفضل أيام السنة كلها بلا منازع فما طلعت الشمس ولا غربت علي يوم في السنة أفضل من يوم عرفة وفضله يعم كل مسلم ومسلمة لا يستثني أحداً
يوم عرفة هو يوم إكمال الدين يوم عرفة هو يوم إتمام النعمة علي المسلمين ( {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ) نزلت هذه الآية علي رسول الله في يوم جمعة عشية عرفة يوم عرفة هو يوم الرحمة هو يوم المغفرة هو يوم التباهي هو يوم العتق من النار «ما رؤيَ الشيطانُ يوما هو فيه أصْغَرُ ، ولا أدْحَرُ ولا أحْقَرُ ، ولا أغْيَظُ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلا لما يرى من تَنَزُّل الرحمة ، وتجاوز الله عن الذُّنوبِ العِظامِ ، إلا ما أُرِيَ يومَ بَدْر ، فإنَّه قَدْ رأى جبريل يَزَعُ الملائكة»
أما عن صيام يوم عرفة
فقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والسنة الباقية وصيام يوم عرفة يستحب ويتأكد لعموم المسلمين إلا لأهل عرفات ولو صاموه صح منهم لكن السنة في حقهم ألا يصوموا لأن رسول الله وقف علي عرفات مفطراً وقد قال يا أيها الناس خذوا عني مناسككم .
ويكفي أهل عرفات شرفاً أن الله تعالي يطلع إليهم عشية عرفة فيباهي بهم الملائكة ويقول انظروا إلي عبادي أتوني شعثا غبرا يضربون إليّ أكباد الإبل من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي .. فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه سبحانه ليدنو من أهل عرفات ثم يقول للملائكة ماذا أراد هؤلاء ..
أرادوا رحمتك يا رب أرادوا أن تسامحهم أرادوا أن تغفر لهم أرادوا أن تتجاوز عنهم بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين .