خٌذ
محمد عزت السعيد
وإن من أجمل ما يريح البال، ويطمئن النفس هو اصطحاب معية الله تعالى، والاستعانة بها على طاعته، والخوف منه وخشيته، ومراقبته في السر والعلن
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
خذ من صحتك لمرضك، ومن قوتك لضعفك، ومن غناك لفقرك، ومن فراغك لشغلك .... بهذه الألفاظ أو بمتشابهات لها تتحقق -بإذن الله- السعادة في بيتك وبين أولادك .... ولعل هذا المعنى ما ورد به حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما روى عبد الله بن عباس لرجلٍ وهو يَعِظُه:" «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك ، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك ، وغناك قبل فقرِك ، وفراغَك قبل شُغلِك ، وحياتَك قبل موتِك» "
وقديمًا قالوا: الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، وقال الشاعر:
فيومٌ عَلينا ويومٌ لنا ... ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرُّ
والعمر- وإن طال- أيام، سرعان من تنقضي، وساعات – وإن كثرت- سرعان ما تنتهي، قال الحسن البصري: "يا ابن آدم.. إنما أنت أيام مجموعة.. فإذا ذهب يومك.. ذهب بعضك " ولا شك أن البعض إذا ذهب أوشك الكل على الانقضاء، ولا يبقى القوي قويًا، ولا الغني غنيًا، فتقلبات الأيام كثيرة، وتغيرات الأحوال كبيرة، فكم من قوي خارت قواه فبقي بدونها، وكم من غني ذهب غناه فبقي بدونه وانصرف الناس من حوله، وكم من معمر أو شاب في عنفوانه وفاتهما المنية ولم تفرق بينهما .....
ونحن لا يعلم ما تخفيه الأقدار عنا، ولا ما يقدره الله لنا، ولذا لا ينبغي على المرء أن يغتر بصحته وعافيته وقوته ونشاطه، فإن الصحة لا تدوم ولا تبقى، وإذا ذهبت عن المرء صحته وعافيته ندم أشد الندم أن لم يستعمل صحته وعافيته في طاعة الله جل وعلا.
وكثير من الناس يغتر بصحته وعافيته فيضيِّعها في الآثام ويُذهِبها في المعاصي والحرام ثم يندم حيث لا ينفعه ندم. وما يجده المرء من مال ووفرةٍ في الخيرات والأرزاق لا تدوم ولا تبقى؛ فلا المال يبقى لصاحبه، ولا صاحب المال يبقى لماله؛ ولهذا على المرء ألا يغتر بأمواله وتعددها فإنها زخرفٌ زائل ومتاعٌ فان، والعاقل من لا يغتر بزهرة الحياة الدنيا ولا يُفتن بأموالها وبهجتها قال الله تعالى: " {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور} " [الحديد: 20]
هذا أبو جعفر المنصور، الخليفة العباسي، حينما بويع بالخلافة ذهب الناس يهنئونه بخلافة المؤمنين، ودخل عليه مقاتل بن سليمان وكان أحد الواعظين، وهنا قال أبو جعفر لنفسه: جاء ليعكر علينا صفو يومنا، سأبدأه قبل أن يبدأني، وقال له: عظنا يا مقاتل. قال مقاتل: أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال أبو جعفر: تكلم بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين، مات عمر بن عبد العزيز وقد ترك أحد عشر ولدًا. وخلف ثمانية عشر دينارًا كُفن منها بخمسة، واشتروا له قبرًا بأربعة، ثم وزع الباقي على ورثته، ومات هشام بن عبد الملك، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار، غير الضياع والقصور. كان نصيب الزوجات الأربع هو ثلاثمائة وعشرون ألف دينار، وهذا هو ثُمن التركة فقط، ووالله يا أمير المؤمنين لقد رأيت بعيني هاتين في يوم واحد، ولدًا من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على مئة فرس في سبيل الله، وولدًا من أولاد هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطريق.
وإن من أجمل ما يريح البال، ويطمئن النفس هو اصطحاب معية الله تعالى، والاستعانة بها على طاعته، والخوف منه وخشيته، ومراقبته في السر والعلن، وليكن ذلك هو القيمة الأساس التي نربي عليها أنفسنا وأبناءنا ... الله ناظر إليَّ .... الله مطَّلع عليَّ ... الله يراني .... بهذه المفردات يعظم الله في قلوبنا ... وتترجم جوارحنا هذا العظمة في أفعالنا .... قال الله تعالى: " {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} " [النساء:9]
فعليك اغتنام ساعات العمر في كل نافع مفيد، فالشَّعْر سرعان ما يشيب، والظَّهر سرعان من ينحني، والمال قل أو كثر هو إلى فناء، والحياة إلى انقضاء، اجعل هذه المعاني حاضرة بين أبنائك وأهلك .... يتربون عليها .... ويحيون عليها، فينشؤون على تقدير الوقت واحترام العمل واستثمار الفراغ، والاستفادة منه في تطوير الذات، وكن حريصًا على تقديم قدوات صالحة، ونماذج رائعة في الجدية والانضباط واربطهم بحالات النجاح من الشباب النابهين الذين كانوا صورًا مشرقة في الحاضر وفي الماضي، تحدث لهم عن أهمية تعلم لغة مثلاً ... واذكر لهم ما قاله زيد بن ثابت كاتب الوحي حينا قال: "أمرني رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنْ أتعلَّمَ له كتابَ يهودٍ قال: إني واللهِ ما آمن يهودَ على كتابي، قال : فما مر بي نصفُ شهرٍ حتى تعلمتُه له، قال : فلما تعلمتُه كان إذا كتَبَ إلى يهودَ كتَبْتُ إليهم، وإذا كتَبوا إليه قرأْتُ له كتابَهم" رواه: الترمذي في سننه.
اغرس في نفسك وفيهم أهمية المعرفة والعلم واكتساب النافع من العلوم والمعارف، بل وقم بتوجيههم إلى تعلم بعض الحرف والمهن، ففي الأمثال: حرفة في اليد أمان من الفقر، ولا أقصد في "حرفة" ما يتبادر إليه الذهن من الأعمال التي تحتاج إلى القوة والفتوة فقط، بل توجيههم إلى مهن المستقبل ... فلا شك أنه وفي ظل تسارع الثورة التقنية ... هناك آلاف الوظائف ستختفي ... وأضعافها ستكون حاجة البشرية إليها .... وحري بالمسلم أن يتبوأ زمام المبادرة وقيادة البشرية في حضارتها ....
ولن يكون ما ترجوه إلا إذا كنت أنت القدوة ... حريصًا على استثمار وقتك ... قادرًا على إدارته بشكل جيد ... في القراءة وتطوير الذات وأعمال التطوع وغيرها مما يكسب المزيد من الإحساس بالذات والقيمة والفائدة، وعدم الاتكالية والاعتماد على الغير، بل افتح لنفسك ولبنيك العديد من الأبواب التي يشغلون بها أوقاتهم فيشعرون بالنجاح وتنجح أنت معه، كم من الشباب الذي طرقوا أبواب التعلم والتدريب والمال والاقتصاد والعلوم والمعرفة وغيرها فنجحوا نجاحًا باهر فأكسبهم ذلك السعادة والاستقرار، فانطلقوا مرة أخرى بعد النجاح يواصلون العمل والجد والمثابرة سعيدين بذلك فأكسبتهم هذه السعادة نجاحات أخرى أضيفت إلى نجاحاتهم.... وفقنا الله وإياكم إلى كل نجاح، ورزقنا الله وإياكم سعادة الدارين .....