مواعظ وحِكم الصيف
تضاعف أجر العبادات من الصيام والذهاب إلى المسجد وغيرها من الأعمال الصالحة، بسبب المشقة الحاصلة غالبًا من حرارة الشمس
- التصنيفات: ملفات إجازة الصيف -
بسم الله والحمد لله، أما بعد:
فإن تقلُّب الفصول ومنها فصل الصيف آية من آيات الله تعالى، نأخذ منها العظة والعبرة؛ قال تعالى: ﴿ {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } ﴾ [فصلت: 37].
وهذه كلمات وعظات للمؤمنين والمؤمنات، والله أسأل أن ينفع بها.
العظة الأولى:
في أن الشمس فيها نعم عظيمة وجليلة، ومنها الضياء والنور والحرارة التي يحتاجها الإنسان والنبات وجميع من على الأرض؛ قال تعالى: ﴿ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً} ﴾ [يونس: 5].
وقال تعالى: ﴿ {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} ﴾ [الرعد: 2].
قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: ﴿ {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } ﴾ لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم؛ انتهى.
العظة الثانية:
الشمس وحرارتها تذكِّر العباد بحر ونار جهنم، فإن جسد الإنسان لا يقوى على حرارة الشمس فما باله بحرارة ونار جهنم، وذلك يدعو العبد إلى تقوى الله عز وجل والخوف منه ومن معصيته.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن العلاقة بين حرارة الشمس وجهنَّم، ففي الحديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» )؛ [رواه البخاري ومسلم] .
العظة الثالثة:
تذكر النعم التي تكون على الإنسان من الماء البارد والظلال التي يستظل بها واللباس، وغيرها من النعم التي تستوجب شكر الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ﴾ [النحل: 81]، وقال تعالى: ﴿ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } ﴾ [النحل: 53].
العظة الرابعة:
ما يرجوه العبد من الأجر والثواب وتكفير السيئات من الله تعالى، وذلك بما يصيبه من نصب ومشقة بسبب حر الشمس والصبر على ذلك، وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» )؛ [رواه البخاري ومسلم] .
• وهذا يخفِّف على العبد مشقة الحرارة بما يرجوه من الله تعالى.
خامسًا: مسألة: الدعاء الوارد في اشتداد الحر:
( «إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَار فَقَالَ الرجُلُ: لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللهُم أَجِرْنِي مِنْ حَر جَهَنَّمَ، قَالَ اللهُ عَز وَجَل لِجَهَنمَ: إِن عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْ حَرِّكِ، فَاشْهَدِي أَني أَجَرْتُهُ» ...)، وهذا الدعاء لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص على ضَعفه العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة وغيره من علماء الحديث.
وللمسلم أن يستعيذ بالله من النار عند الحر، بدون أن ينسب دعاء خاصًّا بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
سادسًا:
تضاعف أجر العبادات من الصيام والذهاب إلى المسجد وغيرها من الأعمال الصالحة، بسبب المشقة الحاصلة غالبًا من حرارة الشمس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: إن لك من الأجر قدر نصبك ونفقتك؛ رواه البيهقي، وأصله في صحيح مسلم.
وقال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثُر بكثرة النَّصَب والنفقة، والمراد النصَب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة؛ شرح مسلم (٢٩٩/٤).
نسألك اللهم الاهتداء بآياتك والانتفاع بها، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبها: يزن الغانم