تأثير الاتجاه التغريبي

عبد الرحيم بن صمايل السلمي

إنّ من أقوى المخاطر التي تواجه الإسلام والمسلمين في هذا الزمان خطر الاتجاه التغريبي ويعود ذلك إلى قوّة السيطرة العالمية للدول الصناعية الغربية في العالم.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
تأثير الاتجاه التغريبي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:

فإنّ من أقوى المخاطر التي تواجه الإسلام والمسلمين في هذا الزمان خطر الاتجاه التغريبي ويعود ذلك إلى قوّة السيطرة العالمية للدول الصناعية الغربية في العالم.

فاليوم يسيطر العالم الغربي على العالم الإسلامي وغيره سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية وفكرية، وهذا أمر لا تكاد تخطئوه العين ولا يرتاب فيه المتابع.

وهذا الخطر الداهم يقدح في أصل الدين وأساسه، ولهذا فإن اهتمام العلماء به يجب أن يكون كبيراً لما يترتب عليه من أضرار على عقائد الناس وأخلاقهم، وهو يهدد وجود المجتمع الإسلامي في عقيدته وأخلاقه، ويقف رأس حربة لكافة أعداء الأمة وخصومها. وعند ترتيب الأعداء بحسب الخطورة وقوّة التأثير نجد أن هذا الاتجاه أبرزها وأشدها خطورة وأكثرها تأثيراً في المجتمع.

 

ومن هنا جاءت هذه الورقة لتناقش تأثير هذا الاتجاه من حيث مظاهره وأسبابه وبعض التوصيات في المعالجة.

لمحة موجزة:

بدأت حركة التغريب من خلال العلاقات التجارية والثقافية والخاصة مع بعض الدول العربية المجاورة (لاسيما مصر والخليج) (1) التي كانت تعيش صراعاً فكرياً قوّياً بين " أنصار القديم والحديث " أو " التراث والمعاصرة "(2) أو نحو ذلك من العناوين التي ظهرت في تلك الفترة لبيان الصراع بين الأمة الإسلامية ودعاة التغريب واللحاق بالحضارة الغربية فكراً وسلوكاً.

وقد كان للعوائل التجارية والصحف والمجلات أثر بارز في تبني بعض الشباب لآراء وأفكار المذاهب الفكرية السائدة في تلك الفترة.

فقد كانت لمؤلفات طه حسين (197م)، وأحمد أمين (1954م)، والعقاد (1964م)، وأدباء المهجر مثل جبران خليل جبران (1931م)، وميخائيل نعيمة (1982م) وغيرهم وكذلك مجلة الهلال والمقتطف والأهرام وغيرها دور مؤثر في إقناع الشباب بالاتجاه التغريبي.

 

ثم جاءت حركة الابتعاث وقد كانت على مرحلتين: المرحلة الأولى: بعثات إلى مصر عام 1927م للدراسة في المدارس والكليات، وقد نشأت الحركة الثقافية والأدبية (رسمياً وشعبياً) متأثرة بالتجربة المصرية بصورة كبيرة، فقد اتبعت المدارس السعودية المناهج المصرية في التعليم، واستقدم عدد كبير من المدرسين العرب (مصريين، فلسطينيين...) وكان لهذه المرحلة تأثير على الطلاب والشباب بدرجات متفاوتة، أما المرحلة الثانية: فكانت في السبعينيات وهي من أخطر المراحل وهذه المرحلة هي: البعثات للدول الغربية، وجاءت في وقت حراك فكري كبير لاسيما من طرف الفكر الشيوعي والاشتراكي حتى على المستوى الغربي. وقد تكونت في هذه الفترة أحزاب ومنظمات تبنت التغريب سواءً بالفكر الليبرالي أو الشيوعي

و منها: الأمراء الأحرار أو ما يعرف أحياناً "بالأمراء الدستوريين"(3)، و" نجد الفتاة "(4)، و" جبهة التحرير العربية السعودية "، و " حركة القوميين العرب / فرع السعودية "، و" حزب البعث / فرع السعودية (1955م)"(5)، و" شباب الطليعة " وهو تجمع من البعثيين والناصريين (عام 1964م)، وقد قدّموا عريضة للملك فيصل يطالبونه فيها " بالحرية والاشتراكية ودعم المد القومي الثوري التحرري ".

وقد ظهرت الأحزاب القومية في الخمسينات وهي فترة نشاطها على المستوى العربي.

وكانت هذه التنظيمات تتلقى دعماً مادياً ومعنوياً من الرئيس جمال عبد الناصر، وقد تعددت التنظيمات الناصرية والقومية في العقدين الخامس والسادس الميلاديين لكنها زالت وجمدت بعد موت عبد الناصر. وقد ظهرت في هذه الفترة تنظيمات ماركسيّة مثل" جبهة التحرير الوطني" (1953م)، و"الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير الجزيرة العربية"(196م)، و"منظمة الشيوعيين السعوديين"(1961م)، و"الجبهة الاشتراكية لتحرير الجزيرة العربية"(1963م)، و"رابطة أبناء الجزيرة العربية السعودية في الخارج"(1969م)(6).

 

كانت فترة السبعينات هي القمة في صعود التيار التغريبي ولكن بعد نكسة حزيران عام 1967م تراجع وضعف وانقرضت أغلب منظماته. ثم بدأ مرحلة جديدة وهي العمل على تغريب المجتمع من داخل بعض مؤسسات الدولة ذاتها، فتنازل عن فكرته القديمة وهي ضرورة تغيير السلطة والكلام في الديمقراطية كبديل للنظام الملكي واتجه للحديث عن تحرر المجتمع اقتصادياً واجتماعياً.

وقد كانت فترة الثمانينات تتميز بالتغلغل في بعض المؤسسات الرسمية والمنظمات الإقليمية وتوظيفها في خدمة التغريب فكراً وسلوكاً، أما فترة التسعينات فقد تميزت باجتماع كافة التيارات التغريبية على مذهب الليبرالية فالقوميون الاشتراكيون وكذلك الماركسيون تراجعوا عن أفكارهم الثورية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واتجهوا للفكر الليبرالي وتخلوا عن كل آرائهم السابقة(7).

 

وبعد أحداث 11 أيلول 21م زادت قوّة هذا التيار وزاد تأثيره يسنده في ذلك الانفتاح الإعلامي الهائل، والتقارب الكبير مع الدول العربية والغربية، وهذه الانفتاح والتقارب لابد أن يكون له آثار فكرية وسلوكية على المجتمع، وهو يعد داعماً قوياً لبرامج التغريب المحلي ومشاريعه.

كما أنّ للوجود الأمريكي في المنطقة ورعايته لهذا التيار ودعمه المباشر له دوره في شعور التغريبيين بأن هذه المرحلة استثنائية قد لا تتكرر ولهذا حرصوا على الاستفادة منها فقاموا بالهجوم الشامل على كل مظاهر الدين ومؤسساته والمطالبة بفك الارتباط بين الدولة والتزامها الديني من خلال المطالبة "بالدولة المدنيّة " وزادت قوّة تأثير هذا الاتجاه بعد انضمام بعض المنتكسين إلى صفّه، وقد صرح "القصيـبي" في مقابلة له في إحدى المنتديات أن هؤلاء هم الذين يعرفون التطرف على حقيقته، وأشاد برواية " الإرهابي2 " لعبد الله ثابت، وهي رواية تحكي أوضاع الشباب المتدين من الداخل تحمل كثيراً من المغالطات والتأويل الفاسد. ولعل من أبرز ما يميّز المرحلة الحالية للاتجاه التغريبي أنه لم يعد ذا تأثير فردي أو ممارسة جزئية بل تعدى ذلك إلى قيامه على مؤسسات تعمل على صياغة المجتمع فكرياً واجتماعياً، ومن الناحية الفكرية المجردة يعتبر الاتجاه التغريبي ضعيفاً من حيث القوة العلميّة، وسطحياً في طرحة ومناقشته، ورواده مابين كاتب صحفي أو مفكر ينقل من الفكر الغربي فيترجم اتجاهاته(8).

وقد أشار الدكتور سعد البازعي إلى أنه لا توجد حركة فكرية في السعودية، وأن التنوير سطحي فيها، وأن الموجود مجرد مثقفون يتبنون آراء في العالم العربي والغربي(9). (الوطن3ربيع الأول1426هـ(1656)). وهذا يدل على أن هذا الاتجاه هزيل من حيث العمق الفكري، ولكنه خطير من حيث القوة الإعلامية والنفوذ الحكومي.

 

مظاهره:

مظاهر التغريب كثيرة، وليس المقصود هنا إحصاؤها، لذا فسأكتفي بذكر أبرزها:

أولاً: تغلغل هذا الاتجاه في بعض مؤسسات الدولة، وصياغة أنظمتها وفق النموذج الغربي، والعمل من خلال السلك الحكومي على تغريب المجتمع، والوصول إلى مناصب قوية التأثير، والقرب من أصحاب القرار (وزراء، مستشارون، حاشية وبطانة... ) لهذا الغرض. والعمل على التأثير على أصحاب القرار و المسئولين وذلك بتبني قرارات أو مواقف أو أنظمة تدعم التوجه التغريبي وحركته في المجتمع مثل قرارات العمل الأخيرة، وتغيير المناهج، والانفتاح الإعلامي السلبي، وتطبيق أوجه من الفكر الرأسمالي في الاقتصاد الوطني، وإضعاف دعم الدولة للدعوة الإسلامية في الداخل والخارج... ونحو ذلك.

وكلّ ذلك بدعم من بعض المسئولين تحت ذريعة أن القوّة العالمية اليوم هي للغرب وحلفائه، والاتجاه التغريبي سوف يحمى الدولة من كيد الغربيين وتربصهم لكنه لم يلبث أن أصبح استمتاعاً حقيقياً بين الجميع. ولا ريب أن المسؤولية تقع على الذين مكنوا لهذه الفئة المنحرفة مع علمهم بها، وانكشاف أمرها، ونصح العلماء وتحذيرهم من خطرها على الدولة والمجتمع.

 

ثانياً: صياغة جوانب من الاقتصاد الوطني على أسس الفكر الليبرالي الحر تناغماً مع التوجه العالمي نحو الرأسمالية، ومن ذلك جعل (الربا) من أسس التعامل الاقتصادي محلياً مع الشركات والأفراد، وعالمياً مع مؤسسات المال والشركات الدولية الكبرى، فالبنك المركزي (مؤسسة النقد) والبنوك المرتبطة به لا تزال تمارس الربا ليس ممارسة عملية فقط بل هي نظام معتمد وقانون نافذ.

وكذلك التوسع في الخصخصة، وعدم وضع القوانين الصارمة على سوق الأسهم مما سبّب كوارث مالية كبرى لها آثار اجتماعية خطيرة، فالطريقة التي تّم التعامل بها مع سوق المال هي ذات الطريقة الغربية في عدم تنظيم الدولة للاقتصاد، وأصبح سوق المال لدينا لا يختلف عن أيّ سوق مال عالمي لا ينضبط بضوابط الشريعة ويقوم على الاحتيال لأكل أموال الناس بالباطل.

وهذه قضية يجدر بالعلماء الاهتمام بها، فقد أصبح الاقتصاد المحلي في مجمله اقتصاد رأسمالياً مبنى على الفلسفة الليبرالية المتوحشة.

ويدخل في ذلك رعاية المعارض الدولية والمنتديات الاقتصادية مثل منتدى جدة الاقتصادي ومن يطلع على البرنامج الفكري للمنتدى لا يشك في كونه ترويجاً وترسيخاً للفكر التغريبي ولهذا تّم مناقشة موضوع الحريات وقضايا المرأة وحقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية وغيرها مما ليس له علاقة مباشرة في الاقتصاد.

ثالثاً: العمل على إخراج المرأة وتغريبها من بوابة " العمل "، واستغلال حاجة الناس والرغبة في المال لإخراج المرأة من بيتها بحجة العمل، وتوسيع مجالات العمل دون مراعاة لخصوصية المرأة، وتقنين ذلك ليشمل المجتمع بأكمله، وقوانين وزارة العمل الأخيرة وعمل مكاتبه في توظيف الفتيات في كافة الشركات والمؤسسات شاهدة على ذلك.

 

رابعاً: السيطرة على وسائل الإعلام المحلية سيطرة محكمة، وتوجيهها لخدمة أفكارهم والتأثير على المجتمع.

خامساً: امتلاك مؤسسات إعلامية مستقلة ممولة بملايين الريالات ومن أبرزها: مجموعة "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" ويصدر عنها: صحيفة "الشرق الأوسط"، وصحيفة " الاقتصادية " و"عرب نيوز"، ومجلة " المجلة "، ومجلة " سيدتي "، وكذلك مجموعة " الإم بي سي " وهي مجموعة قنوات فضائية ذات برامج متنوعة مثل: قناة "العربية الإخبارية "، و" إم بي سي(1-2-3-4)"، ومجموعة"روتانا" (وهي قنوات فضائية غنائية وسينمائية)، ومجموعة " آي آر تي " (وهي قنوات فضائية منوّعة)، ومجموعة " إل بي سي، وصحيفة الحياة وغيرها، وكل هذه الإمبراطوريات الإعلامية لها مواقع على الانترنت. ومن مواقعهم على الانترنت: جريدة "إيلاف الإلكترونية" (عثمان العمير)، وموقع "التجديد العربي" (يوسف مكي)، وموقع "جدل" (سعود السرحان، يوسف الديني)، ومجموعة من منتديات الحوار منها: "الليبراليون السعوديون"، و"الشبكة الليبرالية السعودية"، و"جسد الثقافة"، و"منتدى طومار"، و"منتدى الإقلاع" و"منتدى الحرية"(1) وغيرها.

 

سادساَ: السيطرة على النوادي الأدبية والثقافية وتوظيفها لنشر التغريب من خلال الأمسيات الشعرية، والندوات النقدية، بهدف كسب الشباب المحبين للأدب والثقافة(11).

سابعاً: بناء مراكز فكرية لنشر أفكارهم من خلال مطبوعات أو مجلات أو ندوات ومؤتمرات وورش عمل، ومن الأمثلة على ذلك: مؤسسة الفكر العربي ومجلته (حوار العرب)، ومركز دراسات الوحدة العربية ومطبوعاته الشهيرة وغيرها، وقد تّم هذا بالتنسيق مع العلمانيين العرب.

ثامناً: التعاون مع دعاة التغريب من بقية الدول العربية والخليجية بصفة خاصة في تسويق أفكارهم محلياً.

 

تاسعاً: إقامة اللقاءات الثقافية ومناقشة كيفيّة تغريب المجتمع والقضاء على دينه وقيمه باسم التطوير والتجديد ومواجهة الإرهاب ومن ذلك: مهرجان الجنادرية، وفعاليات معارض الكتب، وأخيراً: أسبوع كلية اليمامة الثقافي.

عاشراً: صياغة أنظمة لوزارة الصحة تحاكي الأنظمة الغربية دون مراعاة لخصوصية المرأة سواءً كانت طبيبة، أو ممرضة، أو مريضة.

 

حادي عشر: تمرير الفكر التغريبي من خلال المصطلحات العامة المجملة المشتملة على معانٍ, صحيحة من حيث معناها اللغوي وباطلة من حيث دلالتها الاصطلاحية الخاصة. ومن ذلك: الحرية، والتعددية، وحقوق الإنسان، والتسامح، والآخر ونحوها، فمثلاً: "التسامح": يقصدون به عدم القطع واليقين بصحة ما تعتقده من العقائد لأن هذا يستلزم اعتقاد بطلان عقيدة الآخر، ويعدّون ذلك من التعصب المنافي للتسامح، وعدم اليقين والقطع يشمل أصول الإيمان كما يشمل الرأي المجرد في أي أمرٍ, دنيوي، وهذا المفهوم أخذوه من "جون لوك" في كتابه "التسامح الديني"، وقد لخصه "خالد الغنّامي" في مقالات بعنوان "التسامح" في صحيفة الوطن، ويمكن مراجعة كلام الدكتور باقادر في مجلة "دراسات إسلامية معاصرة" وكذلك موقع "جدل" ففيه تقرير ما تقدم دون أدنى مواربة.

 

ثاني عشر: كتابة "الروايات الأدبية" ذات الطابع المحلي التي تستعمل مفردات محلية مثل أسماء المدن والأحياء والشوارع وأصناف الأكل واللباس والعادات ونحوها مما يُشعر القارئ بواقعيّة الرواية، وهي ذات تأثير قوي في النفس، وإدخال مفاهيم الفكر التغريبي من خلالها، وعرض طبيعة مختلفة عن طبيعة المجتمع الحقيقيّة ليعيش القارئ المجتمع بالصورة التي يرغبها هؤلاء، ومن ذلك: "سعوديات" سارة العليوي، و"ملامح" زينب الحفني، و"بنات الرياض" رجاء الصانع، و"انتحار" آلاء الهذلول، و " الآخرون"، و"الأوبة" وردة عبد الملك، و"شباب الرياض" للعتيبي و"المطاوعة" لدعيلج وغيرها.

 

ثالث عشر: التعاون مع السفارات الأجنبيّة والاتصال بالإعلام الغربي، والشكوى لبعض المسئولين الغربيين من الوضع الداخلي وضرورة الإسراع في التغيير. ومن ذلك مقابلة وزير الخارجية السابق "كاولين باول" لبعض الكُتّاب في السفارة الأمريكية وشكواهم له بضعف حركة الإصلاح (التغريب) وضرورة الضغط على الدولة لهذا الغرض.

 

رابع عشر: بناء مؤسسات تعليميّة لتخريج جيل يقوم بعملية التغيير، وقد بدؤوا بالفتيات، ومن هذه المؤسسات "كلية دار الحكمة"، و"كلية عفت"، وقد بنيت على النموذج الأمريكي، ونشرت جريدة عكاظ الوظائف المطلوبة في كلية دار الحكمة وهي تتضمن شرطاً في كل وظيفة أن تكون شهادته من إحدى الجامعات الأمريكية.

 

خامس عشر: الجرأة الإعلاميّة في الهجوم على مقومات البلاد الشرعية مثل دروس المساجد، وحلقات التحفيظ، والجمعيات الخيرية، والقضاء، ولاشك أن الهدف ليس تصحيح أخطاء واقعة وإنما تدمير مكاسب الدعوة والإصلاح، وهذه الجرأة في عامة الصحف المحلية، ومن ذلك إنشاء مجلات نسائية محلية جرئيه مثل: مجلة "رؤى" ومجلة"ليالينا".

 

سادس عشر: تبني الشباب والفتيات في مجال الفن الغنائي والسينمائي والروائي ممن يملك جرأة في مخالفة العقيدة الإسلامية أو الأخلاق، والتركيز على المرأة السعودية لإبراز فتيات سعوديات متحررات، ويدخل في ذلك الأفلام السعودية التي تعرض في دبي والبحرين وتغطيها الفضائيات ـ لاسيما التي تتبع الوليد بن طلال ـ وكذلك الصحافة المحلية.

 

سابع عشر: مواصلة الابتعاث للدول الغربية بأعداد كبيرة من الشباب والفتيات، وكان الابتعاث قاصراً على طلاب الدراسات العليا، ولكن الابتعاث اليوم أصبح بعد المرحلة الثانوية وهي مرحلة عمرية خطيرة.

 

ثامن عشر: تبنّي الفرق الضالة كالصوفية والشيعة باسم التعددية وحقوق الأقليات والتعايش مع الآخر، ومن الأمور الملفتة للنظر أن الليبراليين الذين يعودون إلى الأصول الشيعيّة لا يطعنون في مذهبهم أو آياتهم بل يعرضون أحوالهم على أنهم مظلومون ومضطهدون بعكس الليبراليين الذين يعودون إلى عوائل سنيّة نجد أنهم يطعنون في السنّة ويحاربون علماءها، ويمكن مراجعة مواقع المعارضة الشيعيّة التابعة لحمزة الحسن لمعرفة هذه الحقيقة مثل: شبكة الراصد، وقضايا الخليج، والحجاز وغيرها.

 

أسبابه:

يعود تأثير الاتجاه التغريبي إلى طائفة من الأسباب من أبرزها ما يلي:

أولاً: غياب مفاهيم الرقابة والمحاسبة من جهة الأمة، وتَرَتّب عليه أن المشاريع التغريبية الصادرة عن بعض الجهات الحكومية لا توجد آلية معينة لمحاسبة القائمين عليها فليس هناك جهة مستقلة تمثل العلماء أو الأمة يمكن لها مساءلة الجهات الحكومية وإيقاف ما يخالف الشريعة الإسلامية أو يؤثر على مصالح الناس. فوجود الاستبداد يُعد فرصة للاتجاه التغريبي في فرض مشاريعه من خلال المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص(12) فكل المشاريع التغريبية تخالف النظام الأساسي للحكم، والسياسات العليا لكافة الوزارات، ولكن غياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة المستقلة جعلهم يتصرفون دون تردد، ويوظفون موارد الدولة وإمكاناتها لخدمة أفكارهم المنحرفة.

ثانياً: تراجع دور العلماء وضعفه وعدم وجود رابطة مستقلة منظمة لهم، وقد جاء هذا التراجع على صعيد نشر العلم الشرعي والاحتساب وقيادة الأمة، فالعلماء شركاء للأمراء في قيادة الناس، ولهذا فُسِّر أولوا الأمر " بالعلماء والأمراء"، وهذا الضعف يتيح فرصة لأعداء الأمة بالتوسع والضغط في اتجاه تغريب المجتمع تحت مسميات التحديث والتطوير ومواكبة الحضارة.

 

ثالثاً: دعم بعض المسئولين لهذه الفئة المنحرفة من خلال اتخاذهم وزراء ومستشارين والسكوت عن تمرير المشروع التغريبي من خلال المؤسسات الرسمية حتى أصبح المعارض لهذه المشاريع معارض للمؤسسة الرسمية.

 

رابعاً: الدعم الرسمي من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية وقد أوصى تقرير"الإسلام الديمقراطي" الصادر عن مؤسسة راند(14) بدعم هذه المجموعات التغريبية مادياً ومعنوياً وهذه المؤسسة على صلة وثيقة بوزارة الدفاع الأمريكية [البنتاغون] والعلاقات الوثيقة بين الاتجاه التغريبي والحكومات الغربية أوضح من الاستدلال عليها.

 

خامساً: وجود فئة من الدعاة تتبنى الفكر العصراني(15) تحاول التقريب بين التغريب والإسلام وترى ضرورة التعايش مع الواقع كما هو وتقول بمقالات مقاربة للفكر التغريبي وقديماً قال ألبرت حوراني(16) عن مدرسة الشيخ محمد عبده: " أراد محمد عبده أن يبني سداً بين الإسلام والعلمانية فبنى جسراً تعبر عليه العلمانية وتحتل المواقع تلو الأخرى.... (16)". وأصبحت هذه الفئة معبراً وقنطرة بين المجتمع الإسلامي والاتجاه التغريبي البعيد عنه فكراً وسلوكاً.

 

سادساً: ضعف التخطيط والتفكير الاستراتيجي عند الدعاة والانشغال بالأعمال الفردية وإهمال بناء المؤسسات والتفرق والاختلاف وعدم القدرة على العمل الجماعي.

 

سابعاً: ضعف روح المقاومة والاحتساب على المنكرات بما فيها البرامج التغريبية، أحياناً للخوف وأحياناً لعدم معرفة الوسائل الشرعية المتاحة في مقاومتها مما لا يشكل خطراً على الدعوة أو الداعية.

 

ثامناً: الانفتاح العام في مجال الإعلام أو الاتصال والسفر والعلاقات مع البلاد العربية والغربية مما يدعم حركة التغريب الداخلية ويرفدها.

 

توصيات في العلاج:

يعتبر الاتجاه التغريبي من أبرز وأقوى التحديات والمخاطر التي تواجه الدعوة الإسلامية ومواجهته ضرورة حتمية للحفاظ على عقائد المجتمع وأخلاقه وفي هذه الفقرة سوف أذكر توصيات مقترحة في المواجهة وليس المقصود بالمواجهة مجرد الرد والنقد فالبناء يعد من أهم عناصر المواجهة وهذه التوصيات هي:

أولاً: العمل على إيجاد جهات شرعية مستقلة للاحتساب على الجهات الحكومية وغير الحكومية ومحاسبتها، وإقناع المسئولين بأنّ في ذلك مشاركة بنّاءة للمجتمع وأن إلزام الناس بالآراء الفردية قتل لإبداعهم وإمكانياتهم كما أن في المشاركة ما يمنع تمرير المخالفات الشرعية أو البرامج ذات الأهداف الخفية. وهذه الجهات المستقلة يمكن أن تكون رابطة مستقلة للعلماء أو تفعيل مجلس الشورى ليكون منتخباً وله صلاحيات واسعة ويملك الرقابة والمحاسبة، لأن في ذلك تقييد لاستعمال التغريبيين لسلطة الدولة في فرض أفكارهم المنحرفة على المجتمع.

 

ثانياً: إيجاد (مرصد فكري) يقوم برصد الاتجاهات الفكرية ويستعمل الآليات الحديثة ويقوم على أسس علمية دقيقة في الرصد والتحليل، ويخرج عنه تقرير سنوي يبيّن الحجم الحقيقي للتيارات الفكرية المناهضة منهج أهل السنة، ويرصد له ميزانيات عالية ويعتمد التوظيف للكفاءات العلمية.

 

ثالثاً: توجيه طلاب الدراسات العليا للكتابة حول الاتجاهات الفكرية المعاصرة لاسيما أهل الاختصاص في العقيدة أو الأصول، ومناقشة الأفكار الجديدة بمنهج علمي رصين ودراسة اتجاهات التجديد في مناهج الاستدلال، والتعامل مع النص الشرعي، وإبراز علم الأصول كعلم معياري يضبط التلاعب في النصوص وإلغائها بالتأويلات الفاسدة.

 

رابعاً: إقامة مراكز دراسات متخصصة في الفكر والثقافة لبناء فكر معاصر صحيح يوافق النصوص الشرعية، وتقويمه على أصول أهل السنة الجماعة، ومع الأسف فإنّ أهل السنة في هذا العصر متأخرون في مجال مراكز الدراسات المتخصصة.

 

خامساً: إقامة منتديات فكرية في المدن الرئيسية تستقطب الشباب المهتمين بهذا الشأن، وقيام طلبة العلم المتخصصين عليها، وتهدف للحوار والمناقشة للأفكار المعاصرة لأن الواقع يشهد إقبالاً وتزايداً للقراءة والبحث في الفكر المعاصر، وإذا تأخر طلبة العلم المتخصصين عن احتواء هذه القضية فقد نقع في أزمة في المستقبل، لاسيما مع تزايد حالات التحويلات الفكرية، وقد لاحظت بنفسي حيرة واضطراباً من قبل عدد غير قليل من الشباب في قضايا من المسلمات.

سادساً: تأليف كتاب جماعي يُجِيبُ على كافة الأسئلة المطروحة في الساحة حول القضايا الفكرية يُكتب بمنهج علمي قوي، ويوضح الموقف السلفي حولها ثم تسويقه وتدريسه والدعاية له.

 

سابعاً: تنمية روح الاحتساب في المجتمع، والتدريب عليه وعقد الدورات التأهيليّة فيه، وتحويله إلى عمل مؤسسي وإقامة مكاتب متخصصة فيه والعمل على تطبيعه في المجتمع وتوسيع نطاقه إلى أعلى المستويات وإخراج الطاقات الاحتسابية المنضبطة.

 

ثامناً: تقوية دور العلماء وإقامة المكاتب الخاصة لترتيب أعمالهم، وفتح أبوابهم للناس، وربط العلاقات الاجتماعية بينهم وبين سائر شرائح المجتمع، وترتيب اللقاءات الدورية لهم وتحويل أعمالهم من أعمال فردية إلى عمل مؤسسي منظم.

 

تاسعاًً: تحرير المصطلحات الفكرية وبيان غموضها وإظهار المعاني الصحيحة من المعاني الفاسدة في مدلولها وتحذير المجتمع منها والتذكير بجناية المصطلحات الكلامية والفلسفية على الأمة.

 

عاشراً: ضرورة استثمار الشبكة العالمية (الانترنت) وإقامة رابطة تنسيقية بين المواقع الإسلامية، وتبني كل موقع مجموعة من طلبة العلم المتخصصين لمناقشة ورصد جانب من الأفكار المعاصرة، وهي أسهل نافذة إعلامية يمكن العمل عليها.

 

حادي عشر: إقامة رابطة للمتخصصين في العقيدة لدراسة الاتجاهات التغريبية وكيفية مواجهتها. ثاني عشر: فضح رموز الاتجاه التغريبي وتعريتهم، والتركيز على تناقضهم وآثار أفكارهم ونتائجها ومناقشتها بمنهج علمي رصين، والبعد عن السب والشتم وما لا فائدة فيه من المنطق والفعل.

 

ثالث عشر: توسيع الدعوة في صفوف النساء لأن إفساد المرأة جزء مركزي في المشروع التغريـبي ومواجهته تقتضي العمل على بناء المرأة المسلمة علمياً ودعوياً وفكرياً وسلوكياً.

 

رابع عشر: المناصحة المستمرة للمسئولين وتذكيرهم بخطورة التغريب ومسؤوليتهم على الأمة وأن التمكين لهذه الفئة المنحرفة ستكون عاقبته وخيمة عليهم في الدنيا والآخرة. خامس عشر: البعد عن التفرق والاختلاف، ومعالجة الخلاف الواقع بين الدعاء بالنصح والمناقشة والحوار، والتمييز بين الخلاف الذي لا يعذر فيه المخالف والاجتهاد الذي يعذر فيه المخالف وبين الزلة الجزئية والمنهج الكلي ونحو ذلك.

 

سادس عشر: إبراز ارتباط الاتجاه التغريبي بالأعداء وبالولايات المتحدة على وجه الخصوص وتلقيه الدعم المباشر منها، واستعداء الصليبين على الدولة والمجتمع استعجالاً في عملية التغيير والشعور بالإحباط من عدم تقبل المجتمع وانقياده للمشروع التغريبي وأي متابعة بسيطة لقناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط وغيرها من الصحف والقنوات المرتبطة بالاتجاه التغريبي المحلي يدرك وقوفهم مع المشروع الأمريكي في العراق وفلسطين وغيرها ويحاول قراءة الأحداث وتوصيف المشهد بما يبرر الاحتلال والاضطهاد الأمريكي للأمة بطريقة مخادعة وكاذبة.

 

سابع عشر: إنشاء وتفعيل مجالس وملتقيات طلبة العلم في المناطق، وتطويرها من الناحية الإدارية، والاستفادة من التجارب السابقة، والتنسيق وتوزيع الأدوار بين الملتقيات وتجنب التكرار.

 

ثامن عشر: العمل على كسر احتكار هذه الفئة المنحرفة للصحافة واللقاءات الثقافية، فالثقافة ليست حكراً على فئة ذات توجه معين دون غيرها، ومطالبة الدولة بإتاحة الفرص والمشاركة الفاعلة في كل وسائل الإعلام، والمطالبة بإصدار صحف تعبّر عن توجه المجتمع الحقيقي. تاسع عشر: تفعيل القرارات الرسمية والأنظمة النافعة والعمل على تنقيح الأنظمة والاتفاقات الدولية من كل المواد المخالفة للشريعة الإسلامية.

 

عشرون: محاصرة الاتجاه التغريبي من خلال الرصد والمتابعة الدقيقة، والفضح والكشف لخططه وأساليبه، ومواجهة القائمين على مؤسساته بمخالفاتهم الشرعية والآثار السلوكية والأمنية والاجتماعية المترتبة عليها.

 

واحد وعشرون: التحذير من الأفكار العصرانية التي تهوّن من خطورة المد التغريبي، وتحاول التقرب منه، وكذلك بيان خطورة بعض الأفكار الدعوية الانهزامية التي تسكت عن باطل التغريبيين باسم الحوار أو المصلحة الوطنية في الوقت الذي تهاجم فيه الدعوة الإسلامية بحجة إصلاح الأخطاء وتصحيح المسار، و لا ريب أن التصحيح ضرورة واجبة ولكن الخلل في السكوت عن الباطل، والنقد الجارح للدعوة وهي معادلة لها آثار خطيرة في المستقبل.

 

ثاني وعشرون: القيام بمشروع كتاب في تحرير المصطلحات الفكرية والثقافية الرائجة، وبيان حقيقتها وتميّز ما فيها من الحق والباطل وتوضيح الموقف الشرعي منها ثم طباعة ذلك بعد مراجعة ثلة من العلماء المتخصصين.

 

الهوامش:

(1) يلاحظ أن عدداً من رموز التغريب كانت لعائلاتهم ارتباطات ببعض الدول العربية الأخرى وربما ولد فيها مثل: عبد الرحمن المنيف، وتركي الحمد، وكانت الحجاز بصفة خاصة لها ارتباط وثيق بمصر.

(2) انظر في تاريخ هذا الصراع في تلك الفترة كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر/ محمد محمد حسين.

(3) وهم الأمراء: طلال، وبدر، وفواز، وعبد المحسن.

(4) من أبرز أعضاء هذا التجمع: عبد الله الطريقي (أول وزير للبترول)، عبد الله بن معمر، فيصل الحجيلان، وناصر المنقور، وناصر السعيد.

(5) مرّ الحزب بمرحلتين: أحدهما: الالتزام الفكري دون العمل التنظيمي، واستمرت هذه المرحلة حتى نهاية الخمسينات، ثم بدأ التنظيم بالدرجة الأساسية في الشرقية من عدد من عمال النفط، وهم من أبرز المكونات في إنشاء الفكر التغريبي.

(6) انظر حول الأحزاب والتنظيمات السابقة كتاب " التيارات الفكرية في الخليج العربي " د/ مفيد الزيدي، وكتاب " التيارات السياسية في الخليج العربي " صلاح العقاد، وغيرها.

(7) من الأمثلة على ذلك: تحول تركي الحمد من حزب البعث الاشتراكي إلى الليبرالية والديمقراطية.

(8) يوجد في بعض الدول العربية الأخرى مفكرون وفلاسفة لهم مؤلفات في التنظير للفكر التغريبي مثل زكي نجيب محمود وحسن حنفي، ونصر أبو زيد ومحمد أركون وهذا ما ليس موجوداً في الاتجاه التغريبي المحلي.

(9) جاءت شهادة د. البازعي في بداية محاضرة " خطاب التنوير" ضمن فعاليات مؤتمر اللغات والترجمة بجامعة الإمام، والبازعي معدود من المفكرين السعوديين البارزين وهو شخصية نقدية وليس مقلداً للفكر الغربي ويظهر من كتابه "دليل الناقد الأدبي".

 

(10) يوجد مواقع حوارية تم إغلاقها لهذه الفئة منها: " منتدى طوى" و "منتدى إيلاف" و"منتديات دار الندوة".

(11) يراجع كلام عبد الله الغذامي في كتابه " حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية".

(12) الأمثلة على ذلك كثيرة منها تصريح القصيبي بأن قرارات العمل الجديدة لا رجعة عنها، وممارسات وزير الإعلام التي يخالف فيها السياسة العليا للإعلام.

(13) انظر ترجمة رسمية للتقرير في موقع راند على الشبكة العالمية الانترنتwww.rand.org

(14) المقصود بالعصرانية طائفة تؤول النصوص والأحكام الشرعية وتلوي أعناقها لتوافق الحداثة ومقتفيات العصر، وليس المراد هنا الاجتهادات الدعوية أو الآراء الاجتهادية لدى بعض الدعاء التي يخالف فيها الجمهور أو السائد المعهود من ما يتحمل الاجتهاد المشروع حتى لو كان مرجوحاً أو يعد أحيانا من قبيل الزلة.

(15) مؤرخ ومستشرق بريطاني من أصل لبناني، يعد كتابه (الفكر العربي في عصر النهضة) من أهم المراجع في تاريخ التغريب في العالم العربي.

(16) الفكر العربي في عصر النهضة.