المُهِمَّات في صفات القُدُوات من القرآن الكريم " 10 " (91-100)
أيمن الشعبان
فهذه همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية؛ عبارة عن فوائد وإرشادات مقتضبة، ووصايا وتوجيهات مختصرة
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية؛ عبارة عن فوائد وإرشادات مقتضبة، ووصايا وتوجيهات مختصرة، وبرقيات عاجلة، تنير الطريق وترسم المعالم، مستقاة من أخلاق الكبار وصفات العظماء، من الأنبياء والأصفياء، لصناعة وإيجاد قُدوات عملية ونماذج ربانية.
91- صناعة الوعي واليقظة: وإدراك المخاطر المحدقة بالمجتمع، وفهم المؤامرات التي تحاك وتُدَبَّر ضد الأمة؛ من الخصال المهمة للقدوات الصالحة، بعيداً عن السطحية والسذاجة والبلادة والانطوائية، قال سبحانه عن تلك النملة المُلهِمة لقومها لمّا رأت خطراً قادماً: { {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} }[النمل:18].
فإن النابه اليقظ هو الذي يحسب للمستقبل ألف حساب، ولا يغفل عما قد يتعرض له من مخاطر واحتمالات[1].
92- الإيجابية: والتفاعلية والحيوية وعدم التقاعس وعدم الانشغال بما لا ينفع؛ خصال مهمة للقدوة الفعال المتميز، فإيجابية الطرح والسلوك والموقف والرأي والفكرة والتواصل والتعاطي مع الأحداث والآخرين، تقود لأفضل النتائج والعوائد والإنجازات، قال تعالى في وصف المتقين المؤمنين: { {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} }[القصص:55]، فلم ينشغلوا بأهل اللغو، فلديهم ما يشغلهم من المهام والأعمال التي بحاجة لإيجابية والتفات.
93- الحِلم وسَعة الصدر: والترفع عن سفاسف الأمور والتغاضي عن الهفوات وضبط النفس، من معالي الأخلاق التي تأسر القلوب، قال سبحانه عن خليله إبراهيم: { {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} }[هود:75]، وقال سبحانه في وصف إسماعيل عليه السلام: { {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} }[الصافات:101]، أي متسع الصدر حسن الصبر والإغضاء في كل أمر، والحلم رأس الصلاح وأصل الفضائل[2].
94- قضاء الحوائج: من تفريج الهموم وتنفيس الكربات والإحسان إلى الناس، من صفات الكبار والقدوات وخير الناس أنفعهم للناس، الذين يستثمرون إمكانياتهم لفعل المعروف وإغاثة الملهوف، ومن تلك الصور القرآنية المشرقة سقاية موسى – عليه السلام – للمرأتين اللتين حبستا عن سقاية الماشية، قال سبحانه: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ}[القصص:24]، ولما رأى القوم ذا القرنين وطلبوا منه إصلاح أمرهم بمنع يأجوج ومأجوج من الإفساد، بادر مباشرة لبناء السد دون مقابل، قال سبحانه: { {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} }[3].
95- الرقابة المستمرة: للأتباع والمرؤوسين لضمان جودة الأداء وإنجاز المهام وتحقيق الأهداف المحددة، من مقومات القائد الناجح والقدوة المتميز، فحرص الهدهد على الرجوع السريع يشير لأهمية المتابعة المتواصلة من سليمان، قال سبحانه عن الهدهد: { {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} }[النمل:22]، كما أن امتثال الجن الدائم لأمر سليمان وعدم مخالفتهم له تدل على عناية فائقة بالرقابة، قال سبحانه: { {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} }[سبأ:13].
96- وضوح وتحديد الهدف: والرؤية ذات المعالم المحددة بلا غموض أو ضبابية، سمة مهمة ومصدر قوة للقدوة والقائد، فقد أمر اللهُ – سبحانه - رسولَه أن يعلن للناس دعوته ظاهرة جلية بلا التباس: { { قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} }[الحج:49]، وكان موسى - عليه السلام - واضحاً في رحلته مع فتاه محدداً الغاية والمقصد، قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}[الكهف:60]، كما أن موسى صرح للعبد الصالح بوضوحٍ هدف صحبته في رحلته، فقال: { {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} }[الكهف:66].
97- النزاهة: عن الأموال المشبوهة وتجنب المكاسب الخبيثة، والورع عن السؤال والتعفف عن المال العام، والابتعاد عن التكسب بالدين والمنصب والوجاهة، من أعز صفات القدوات والقادة، قال سبحانه عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب لإقوامهم: { {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} }[الشعراء: 109، 127، 145، 164، 180]، وقال سبحانه عن امتناع ذي القرنين لمّا عرضوا عليه المال مقابل إنقاذهم من القوم المفسدين: { {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} }[الكهف:95]، في إشارة لنزاهته ونقاءه في كسب المال.
98- قوة الإرادة: والعزيمة والإصرار وتحمل المشاق، والمضي قدماً لتحقيق الأهداف والتغلب على المصاعب والوصول إلى المبتغى، خصال جوهرية وسمات مهمة للقدوات، فقد أمر اللهُ رسوله – صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي بأولي العزم من الرسل قال سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف:35]، وقال تعالى في قصة الخضر مع موسى وإخبارُه فتاه بعزمٍ وإصرارٍ بغيته للوصول إلى غايته مهما كانت التضحيات والصعاب: { {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} }[الكهف:60].
99- نصرة المظلوم: ونجدة الضعيف ومساعدة المستضعفين، والمبادرة لرفع الحيف عنهم، من سمات القدوة الناجح والقائد المُلهَم، ومن المواقف التي خلدها القرآن، معونة ذي القرنين القومَ الذين طلبوا منه تخليصهم من شر يأجوج ومأجوج وبناء السد، {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}[الكهف:95]، وكذلك مسارعة موسى – عليه السلام – لإغاثة الرجل الذي من شيعته لما طلب منه النصرة، { {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} }[القصص:15].
100- التحفيز: والإلهام واستنهاض همم الآخرين والحصول على أفضل ما لديهم، وتشجيعهم لاستخراج مكنونات دواخلهم، وإثارتهم ومنحهم الفرصة لإظهار طاقاتهم؛ من السمات البارزة في شخصية القدوة المتميز، من ذلك مقولة الرجلين من لبني إسرائيل في تحفيزهم وإثارة الحماس في نفوسهم على دخول الأرض المقدسة، وتحريرها من العمالقة الجبارين الوثنيين، قال تعالى: { {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} }[المائدة:23].
19/12/1441هـ
9/8/2020م