هل أطفال هذا الزمان أسوأ من غيرهم؟
الطفل هو الطفل في كل زمان ومكان، وتظل هناك صفات مشتركة بين الأطفال، وأيضًا هناك مساحة يختلف فيها الأطفال من جيل لآخر، وهذا أمر طبيعي مع اختلاف طبيعة الأسر، ووسائل الإعلام والتعليم، والتغير الثقافي بين البيئات والأجيال.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
أحمد الكودي - موقع الألوكة
هل هناك فرق بين أطفال هذا الزمان وبين مَن سبقهم؟
هل أطفال هذا الزمان أسوأ من غيرهم؟
الطفل هو الطفل في كل زمان ومكان، وتظل هناك صفات مشتركة بين الأطفال، وأيضًا هناك مساحة يختلف فيها الأطفال من جيل لآخر، وهذا أمر طبيعي مع اختلاف طبيعة الأسر، ووسائل الإعلام والتعليم، والتغير الثقافي بين البيئات والأجيال.
والمتأمل لسرعة التغيير في السنوات الأخيرة، يلحظ تغيرًا مصاحبًا لسلوك الأطفال، وهذه التغيرات لا تخلو من مميزات وتفوُّق لصالح أطفال هذا الزمان على من سبقهم، وكذلك إخفاق في بعض المهارات والجوانب الشخصية، لكن اللافت للانتباه على الصعيد السلبي أن طفل هذا الزمان يمكن أن يوصف بالآتي:
• الميل إلى الدَّعَة، والرغبة في الراحة وعدم بذل المجهود.
• عدم الجدية والمثابرة على الأعمال.
• الاعتمادية وعدم تحمل المسؤولية.
• عدم القدرة على تأجيل الرغبات والإلحاح الزائد.
• كثرة التطلعات والطلبات وعدم الرضا.
• ضعف في المهارات والألعاب الحركية؛ مثل: كرة القدم، والدراجات.
• الملل وكثرة الشكوى.
وخطورة هذه المشكلات أنها باتت صفة لقطاع ليس صغيرًا من الأطفال في المرحلة المتوسطة من سن السادسة إلى الثانية عشرة، ولم نكن نسمع عن هذه الصفات في الأجيال السابقة بهذه القوة، وأؤكد أنه ليس الطفل عندي موضع اتهام، لكنهم اليوم في حاجة ماسة إلى تعلم مهارات وقيم؛ مثل: الاستغناء، وكبح جماح النفس، والانضباط، والقدرة على الترك؛ ليستطيعوا التغلب على هذه الصفات.
ومما يزيد الأمر خطورة أن هذه الصفات مِفتاح للشر؛ فقد رصد أستاذ علم النفس بجامعة فلوريدا (د/ ألان لانج) سمات الشخصية الإدمانية التي تعد أكثر عرضة للإدمان؛ من بين هذه السمات:
• صعوبة تأجيل الإشباع، فعندما يشعر بالرغبة في أمر؛ كالأكل أو الراحة، فإنه لا يستطيع تأجيل ذلك.
• الميل إلى السلوك الاندفاعي، وعدم التفكير والتروي.
وكما هو ملاحظ أن هناك تشابهًا بين هذه السمات، وبين ما أشرنا إليه من قبل عن طبيعة أطفال هذا الزمان، لكن ما العمل لمعالجة هذه الصفات، وتفادي إخراج أطفال على هذا النحو؟
يتفق علماء التربية أن البيت والأسرة هي مصدر أسعد اللحظات وأسوئها، وكذلك مصنع المهارات، فهذه بعض الإشارات التي تعين على تعليم أبنائنا وتدريبهم؛ لمعالجة هذه المشكلات والتحلي بتلك المهارات التي ذكرنا:
1- ترك سعادة عاجلة لسعادة مؤجلة مهارةٌ فارقة في حياة المرء، ويجمع عليها الناجحون على اختلاف أديانهم وثقافتهم، كما أنها جوهر الالتزام والتدين، لكن هناك فرق بين الترك والحرمان:
• الحرمان يُفرض على الطفل، ويكون في الاحتياجات الأساسية التي لا يُستحب فيها المنع.
• الترك يكون برغبة وإعانة وفهم من الطفل؛ لرؤية نفع أكبر سيحصل عليه باستغنائه.
2- المسؤولية تصنع الفارق، فكل تدليل يتلاقاه الطفل، يُفسد انضباطه ويزيد تعلقه وعجزه؛ لهذا تحتاج أن تحدد لطفلك بعض المهام والمسؤوليات - على الأقل مسؤولياته الخاصة - فإذا كانت الأم تلبس طفلها، وتُؤكله، وتمشط شعره، مع أنه يقدر على فعل ذلك - فهذه أول بذور العجز والتعلق بالغير.
3- غياب القوانين والضوابط الواضحة في الأسرة يساعد على إنتاج شخصية غير مسؤولة، وليس المطلوب أن يتحول البيت إلى ثُكْنة عسكرية من كثرة القوانين، إنما المطلوب قوانين قليلة محددة، تضبط المنع، وتحدد الحقوق والواجبات.
4- أداؤه العبادات يساعد على الاستغناء والمثابرة؛ فمثلًا: أداء الصلاة على وقتها يدرب على ترك المحبوبات، كذلك الصوم والمواظبة على الأذكار، فتدريب الطفل على ذلك باب عظيم لقوة الإرادة والترك، وهذا يحتاج منك إلى تحبيب العبادات إليه.
وللأسف، فإن الأطفال في بعض الحالات يربطون خطأً بين أداء أهلهم للعبادات، وبين سلوكهم؛ بمعنى: قد لا يهتم الطفل ببعض الطاعات؛ ليس لأنه لم يجربها أو كرِه ممارستها، لكنه قد يربط مثلًا بين غضب الأم وانفعالها، وبين مواظبتها على الصلاة، فربما يترك هذه العبادة الجليلة؛ بسبب ما يجد من حدة وإيذاء نفسي ومعنوي من أمه.
5- غياب الأب قد يُولِّد الرُّعونة وعدم الانضباط؛ فالوالد هو أول قدوة تلمحها العين وتتأثر بها، فإعطاء الأولاد وقتًا للمصاحبة والمعايشة هو أقصر وأعمق طريق لبناء القيم، وقد يكون الأب حاضرًا لكنه غائبٌ تربويًّا؛ فلا يورث قيمة، ولا يشبع احتياجًا، ولا يعدل سلوكًا؛ فالتربية معايشة قبل أي شيء.
6- غياب العقاب المتزن، ودفع الوالدين لثمن الأخطاء بالنيابة عن الطفل، يفسد أيما إفساد، فإذا امتنع طفلك عن كتابة واجباته، فلا تكتبها له، أو إذا أخطأ مع معلمه، فلا تعتذر أنت، وإذا أسقط كوبًا، فلا تمسح أنت مكانه، بل يدفع ثمن أخطائه أو جزءًا من الثمن على الأقل.
7- مشاهدة الإعلانات التليفزيونية بما تحوي من مشتهيات، تزيد من التعلق والطمع، وتضعف الاستغناء حتى لدى الكبار؛ قال تعالى: ﴿ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} ﴾ [طه: 131].
قديمًا كنا نشاهد في الإعلانات ما نجده في المحلات ونشتريه على الحقيقة، لكن اليوم الطفل يشاهد مأكولات ومشروبات ومدن الملاهي، ولا يراها متاحة أمامه غالبًا؛ فيطلب كثيرًا، ولا يرضى بما يملك ويُعطَى.
8- تدريب الطفل على تقبل الهزائم في المسابقات الصغيرة التي نجريها معهم في البيت أو في تجمعنا، وعدم التحايل لرفضها أو الخلط بين ذاته وأخطائه؛ ففشل الطفل في موقف لا يعني وصفه بالفشل.
9- لا تنسَ أن هذه التوجيهات ليست مجرد نصائح تُقرأ كغيرها، وإنما هي توجيهات لتزيد من الجدية والمثابرة، وتقلل من الاعتمادية وعدم الرضا، وهذا يحتاج منك إلى تحويلها إلى برنامج تطبيقي، أو قراءتها بتمهل وتطبيق ما هو أنسب لك ولطفلك.
10- التهديد بتعليم الطفل صنعة أو مهنة يدوية، يجعل الطفل ينظر إلى الأعمال التي تحتاج جهدًا ومشقة نظرة دونية، ويحب الدعة والكسل، وعلى النقيض، فتعليمه صنعة وتدريبه عليها، يزيد من نشاطه وفاعليته، وقدرته على التحمل، وتنمية مهاراته الحركية والعقلية.
11- الانسحاب بتدرج من حياة الطفل أحد أهم صفات المربي الناضج؛ فتعلق الطفل الزائد وعدم القدرة على أخذ قرار بنفسه يعد خطرًا، وهذه صفة عزيزة الوجود، والواقع أنه في مجتمعاتنا يَعتبر المربي نفسه مسؤولًا عن التحكم في كل كبيرة وصغيرة، ويعد هذا نجاحًا، حتى إنه يختار لأبنائه مجال دراستهم وزوجاتهم وأسماء أبنائهم، وهذا في الحقيقة احتلال نفسي، يضعف من شخصية الأبناء، ويعزز العجز والشعور بالدونية.
12- الاستجابة لكل طلبات الطفل: فالتربية بالمنع قد يفرط الوالدين فيها بدعوى الحب؛ فيظن أن الحب معناه أن تسجيب لكل طلبات ولدك؛ فيخرج طفلًا مدللًا يشقى بنفسه وهواه.
13- التدرج في تأجيل الرغبات؛ حتى يصل الطفل إلى القدرة على التحكم في مشتهياته، فإذا طلب شراء مشتهياته البسيطة، قلنا له: "بعد ربع ساعة نشتريها لك"، حتى تصل معه في شراء لعبة يطلبها إلى يومين أو أسبوع، على أن يكون هذا التأجيل لسبب وجيه أمامه، ويظهر بلا تعنت، وأن تستجيب في وعدك بالشراء بعد الفترة المحددة، فتدريب أولادك على التأجيل والاستغناء من أهم واجباتك وأدوارك.
14- المواقف البسيطة التي تحدث أثناء اليوم لها أثر عميق مع تكرارها، وتثبيت الاستجابة الخاطئة التي تدعم التدليل وعدم الانضباط؛ مثلًا: أن يعترض الطفل على طعام هو في الأصل يأكله، ويطلب أن يُصنع له طعامًا جديدًا وتستجيب الأم، أو نسكت على خطأ فيه تجاوز على أحد الوالدين؛ بسبب وجود ضيف مثلًا، فالمطلوب أن ندرك أن السلوك ابن الاستجابة؛ فاستجابة الأم بصنع طعام جديد يثبِّت خُلُقَ الاعتراض والتدليل وهكذا.
15- غياب التحديات والنيابة عنه في كل تحدٍّ: المطلوب منا تدريب أبنائنا على مواجهة المواقف بمفردهم بالتدرج، فإذا سقط الطفل فالأفضل أن يُترك يقوم بنفسه ما دام يستطيع ذلك، والقاعدة العامة: كل ما استطاع فعله وحده، فلا تفعله نيابة عنه؛ فمثلًا: يشكو من صديق له في المدرسة، بدلًا من ذهابك معه، أرشده إلى الدخول إلى المدير وحده أو إلى المسؤول في المدرسة، والمطالبة بحقه.
هناك نصائح أخرى وتوجيهات، لكني آثرت عدم الإطالة، ويُتبع بإذن الله بمقال آخر مكمل له عن قريب.
اللهم ربِّ لنا أولادنا، وعافنا من تعلق القلب بغيرك.