على أعتاب العام الهجري الجديد.. 1-2
محمد سيد حسين عبد الواحد
لم يقصد من الهجرة هروبا وإنما قصد بها تغيير البيئة ليتمكن رسول الله من تبليغ دعوته وليتمكن المسلمون من الخروج بالإسلام إلي الفرس وإلي الروم وإلي الشام وإلي العراق وإلي مصر وإلي البحرين وإلي اليمن ..
- التصنيفات: مناسبات دورية -
أيها الإخوة الكرام مثل هذه الأيام من كل عام ونحن علي أعتاب عام هجري جديد يطيب لنا ولكثير من المسلمين الحديث عن هجرة المصطفي والنبي المجتبي صلي الله عليه وسلم من أم القري مكة شرفها الله إلي المدينة المنورة بنور صاحبها صلي الله عليه وسلم ..
غير أننا في مستهل الحديث نقول إن حادث الهجرة كان أحد أبرز الأحداث العظيمة التي مرت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام , حادث الهجرة كان أحد أبرز الأحداث العظيمة التي سجلت في تاريخ المسلمين ولقد خلد الله تعالي ذكر هذا الحادث العظيم حين ذكره صراحة في كتابه وعلي لسان نبيه عليه الصلاة والسلام
( {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} )
وهنا سؤال يحتاج إلي جواب أيها المؤمنون ..
سؤال يقول لماذا خرج رسول الله من مكة ؟ لماذا هاجر وتركها ؟ كيف وهي أم القري ؟ كيف وهي البلد الحرام وفيها البيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا ؟؟
إنه الحقد أيها المؤمنون ..
إنه الحسد .. إنه الحقد إنه الحسد الذي ولّد الكبر وزرع العناد في نفوس قريش
حسدت قريش محمد بن عبد الله حقدت قريش عليه أن اختاره الله ولرسالته اصطفاه وأنعم عليه بنعمة النبوة..
( {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاء إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاق} )
لما حقدت قريش علي محمد بن عبد الله غالطوا أنفسهم فكذبوه وبالسحر والجنون اتهموه وقالوا : كيف ليتيم أبي طالب بين عشية أو ضحاها أن يكون نبيا !! كيف تكون النبوة في بين هاشم دون غيرهم من قبائل العرب !! لماذا لم تكن النبوة في بني أمية ؟ أو في بني مخزوم أو في بني أمية أو في بني عدي أو حتي في بني بكر ؟!!
لماذا لم يكن نبي آخر الزمان غنيا كالوليد بن المغيرة ؟ لماذا لم يكن نبي آخر الزمان حكيما كعمرو بن هشام ؟ إن قال بنو هاشم منا نبي فماذا يقول غيرهم ومن ذا يلحق بهم !!
( {وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمةُُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} )
ذكر المفسرون أن المقصود برحمة الله في هذه الآية :
هي نعمة النبوة التي اختار الله لها محمدا عليه الصلاة والسلام والتي حسدوه عليها والتي حقدوا بسببها عليه وبسببها ناصبوه العداء وبسببها قالوا له شاعر وكاهن وساحر ...
ورد أن هذه الكلمات لما وصلت إلي مسامع النبي أسف لها وحزن فتداركته رحمة الله أن اثبت يا محمد تداركته رحمة الله أن اصبر ولا تعجل..
( {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} )
ذكر أصحاب السير أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته .. ولك أخي أن تتخيل حلاوة القرآن وجمال القرآن إذا سمعته بصوت رسول الله صلي الله عليه وسلم ..
أبو سفيان وأبو جهل والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا القرآن وهو يتلي بصوت محمد صلي الله وسلم علي نبينا محمد فأخذ كل واحد منهم مجلساً يستمع فيه ، وكلٌ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا ؛وقال بعضهم لبعض لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ،ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ، ثم انصرفوا ...
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود . فتعاهدوا على ذلك . ثم تفرقوا . فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبه والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يُراد بها قال الأخنس وأنا والذي حَلَفْتَ به !
قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ؛ أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الرُّكَب وكنّا كفرسيّ رهان قالوا منّا نبي يأتيه الوحي من السماء ! فمتى نُدرك هذا ؟! والله لا نؤمن به ولا نصدقه .
من أجل لا إله إلا الله عودي وأوذي رسول الله..
من أجل لا إله إلا الله خوّف وعذب رسول الله ومن أجل لا إله إلا الله وضع التراب علي رأسه ووضع الروث ووضعت الدماء ووضعت النجاسة علي ظهره الشريف وهو حبيب رب العالمين وداست النعال علي رقبته وهو سيد الأولين والآخرين صلي الله عليه وسلم.. كل هذا وهو صابر محتسب ثابت ثبات الجبال الشم الرواسي..
قام يبلغ رسالة ربه فأخذ بكل سبب ممكن أتي القبائل في منازلهم وأتي الحجيج في رحالهم ودعا الناس ليلا ونهارا وسرا وجهارا كل ذلك وقريش تتبع آثاره كلما دعا قوما دخلوا من وراءه يقولون لا تصدقوه فإنه شاعر فإنه ساحر ونحن قومه وأعلم الناس به .. وبقي الحال علي هذا لا يوما ولا يومين ولا شهرا ولا شهرين بل عاش رسول الله في هذا الجو المشحون كذبا وحقدا وحسدا وعنادا لأكثر من عشر سنوات
وهنا ظهر السؤال إلي متي سيصبر رسول الله ؟
إن العمر ليمضي وإن الإسلام إلي الآن لم يخرج من مكة وما آمن حتي ساعته وتاريخه إلا قليل فماذا ستفعل يا رسول الله وبماذا تأمر رسولك والذين آمنوا يا رب ؟؟
أمر الله رسوله أن يهاجر وأمر الله المسلمين أن يهاجروا إلي المدينة المنورة بنور صاحبها صلي الله عليه وسلم.... لم يقصد من الهجرة هروبا وإنما قصد بها تغيير البيئة ليتمكن رسول الله من تبليغ دعوته وليتمكن المسلمون من الخروج بالإسلام إلي الفرس وإلي الروم وإلي الشام وإلي العراق وإلي مصر وإلي البحرين وإلي اليمن ..
وقد كان فبالهجرة فتحت الأبواب المغلقة وبالهجرة استطاع الرسول أن يصل بدعوته إلي مشارق الأرض ومغاربها ودخل الناس في دين الله أفواجا ..
وصدق ربي ( {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } )
يتبع: ضريبة الهجرة 2/2