نصيحة لنفسي ولك يا صديقي

أحمد قوشتي عبد الرحيم

ومن هنا كان الاعتراف بالخطأ ، والرجوع عما نشأ عليه الإنسان ، وبقي عليه زمانا طويلا ، من أثقل الأمور وأشقها على النفس ، ولا يطيقه إلا من كان مخلصا ، مريدا للحق ، وباحثا عن الهدى ، لا باحثا عن الجاه والرياسة ، وكثرة الأتباع .

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

نصيحة لنفسي ولك يا صديقي :

لا تسترسلن كثيرا في المناظرات والخلافات والمعارك الفكرية على هذا العالم الافتراضي ولا غيره ، ولا تدعها تأخذ من وقتك ولا اهتماماتك ولا أعصابك أكثر مما يقتضيه حق البيان وواجب النصح ، بل قل كلمتك وامض ، واجعل اهتمامك بالتأسيس أكثر من انشغالك بالرد والنقض ، وواصل مشاريعك التي أنت عاكف عليها ، وخططك التي رسمتها لنفسك .

ومن خبر أحوال الناس قديما وحديثا ، أدرك أنه قلما رجع إنسان عن مذهبه ، أو ترك معتقده لمناظرة ، لا سيما إن كانت على العلن ، وكان الشخص متبوعا معتدا برأيه ، والسبب الأكبر لذلك يرجع إلى طبيعة النفس البشرية ، التي تتسم بالكبرياء والعناد ، وتتغلغل فيها الحمية والاعتزاز بالذات ، والحرص على الغلبة والظفر على المخالفين ،حتى يصير التنازل عن الرأي عندها والهزيمة سواء .

ومن هنا كان الاعتراف بالخطأ ، والرجوع عما نشأ عليه الإنسان ، وبقي عليه زمانا طويلا ، من أثقل الأمور وأشقها على النفس ، ولا يطيقه إلا من كان مخلصا ، مريدا للحق ، وباحثا عن الهدى ، لا باحثا عن الجاه والرياسة ، وكثرة الأتباع .

وغالب الناس - إلا من رحم الله - معجبون بآرائهم ، ومتعصبون لمعتقداتهم ، وواثقون بعقولهم ، ومستخفون لغيرهم ، لا سيما وقد صار لكل منا في هذا الزمان صفحة على الفيس ، يعبر فيها عن رأيه ، ويشجعه المتابعون ، وينفخ فيه بالكذب المعجبون ، والله المستعان .

ومما يستشهد به هنا قول ابن بطة رحمه الله في كتابه الإبانة الكبرى 2 / 547 :

" ولقد رأيت المناظرين في قديم الزمان وحديثه ، فما رأيت ولا حدثت ، ولا بلغني أن مختلفين تناظرا في شيء ففلجت حجة أحدهما ، وظهر صوابه ، وأخطأ الآخر ، وظهر خطأه ، فرجع المخطئ عن خطئه ، ولا صبا إلى صواب صاحبه ، ولا افترقا إلا على الاختلاف والمباينة ، وكل واحد منهما متمسك بما كان عليه ، ولربما علم أنه على الخطأ ، فاجتهد في نصرته ، وهذه أخلاق كلها تخالف الكتاب والسنة ، وما كان عليه السلف الصالح من علماء الأمة»