الحض على تعاهد المحفوظ من القرآن الكريم
فكتاب الله تعالى هو خير ما تعمر به الأوقات وأشرف ما تقضى به الساعات.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
المقدمة:
بسم الله والحمد لله وبعد: فهذه معاني ومقاصد جليلة فيها الحض على تعاهد القرآن وتكراره وتلاوته بما يرجوه القارئ من الخير والنفع العظيم.
أولًا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعاهد القرآن؛ فعن أبي مُوسَى، عن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم قال: « «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا» » [رواه البخاري] .
وعن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم قال: « «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» » [رواه البخاري وغيره] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد، فما دام التعاهد موجودًا فالحفظ موجود، كما أن البعير مادام مشدودًا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي رغبة في النفور، وفي تحصيلها بعد تمكن نفورها صعوبة. "فتح الباري" (10/ 77).
ثانيًا: معرفة فضل القرآن، وأن كل حرف تردده وتكرره لك فيه من الأجر والحسنان، ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» " [رواه الترمذي] .
ثالثًا: أن تعلم أنه بقدر ما تحفظ من القرآن ترتفع بذلك درجات عند الله يوم القيامة، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها» رواه الترمذي وغيره.
رابعًا: علمك أن القرآن هو كلام الله تعالى، فهو خير الكلام وخير الحديث الذي يعاد ويكرر، فليس هناك كلام أولى من كلام الله تعالى، مما يكرر ويعاد، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في خطبته: « «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ..» » [رواه مسلم] .
فكتاب الله تعالى هو خير ما تعمر به الأوقات وأشرف ما تقضى به الساعات.
خامسًا: الحذر من نسيان القرآن، فإن نسيان القرآن من الذنوب والمصائب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن نسيان القرآن من الذنوب. "مجموع الفتاوى" (13/ 423).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: « وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفًا؛ قال: ما مِن أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه، لأن الله يقول: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )، ونسيان القرآن من أعظم المصائب». "فتح الباري" (9/ 86).
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى:
نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان ما حفظوه؟
فأجاب:
نسيان القرآن له سببان: الأول ما تقتضيه الطبيعة. والثاني: الإعراض عن القرآن، وعدم المبالاة به.
فالأول: لا يأثم به الإنسان، ولا يعاقب عليه، فقد وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس، ونسي آية، فلما انصرف ذكَّره بها أبيّ بن كعب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « «هلا كنت ذكرتنيها» »، وسمع رسول الله قارئًا يقرأ، فقال: « «يرحم الله فلانًا فقد ذكرني آية كنت أنسيتها » ».
وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة: ليس فيه لوم على الإنسان.
أما ما سببه الإعراض، وعدم المبالاة: فهذا قد يأثم به، وبعض الناس يكيد له الشيطان، ويوسوس له أن لا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم! والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} ﴾ [النساء: 76]، فليحفظ الإنسان القرآن؛ لأنه خير، وليؤمل عدم النسيان، والله سبحانه عند ظن عبده به. "كتاب العلم "(ص 96 - 97).
الخاتمة:
أن تعلم أن لتعاهد القرآن جملة من الفوائد الجليلة، فمن ذلك الأجر والثواب، ورفعة الدرجات يوم القيامة، وهو يعين العبد على قراءة القرآن واستحضاره في الصلوات ومواعظ الناس، وماله أيضا من التأثير على حامله لأنه محفوظ في صدره وقلبه، وغير ذلك من الخير والنفع والبركة.
اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا وذكرنا منه ما نُسِّينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضيك عنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبها: يزن الغانم