البيوت أحكام وآداب (2-2)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
عن الأسود بن يزيد قال: ((سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - يعني: خدمة أهله - فإذا حضرتِ الصلاة، خرج إلى الصلاة))؛ [أخرجه البخاري].
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
عدم إدخال الكلاب والصور للبيت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة))؛ [متفق عليه]؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: "المراد بالكلب: الكلب الذي لا يجوز اقتناؤه... وكذلك بالنسبة للصورة يُحمل على الصورة التي لا يجوز اقتناؤها، أما ما يجوز اقتناؤه كالصور التي تُمتهن على رأي جمهور العلماء الذين قالوا بالجواز، وكالصور التي يُضطر إليها كالجواز ورخصة السيارة، والصور التي في الدراهم - فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت؛ لأن هذه الصور أمرٌ لا يمكن للإنسان الانفكاك عنها، ولو أُلزم الناس بإخراجها عن بيوتهم، لكان في ذلك حرج شديد".
خدمة الإنسان لأهله في بيته:
عن الأسود بن يزيد قال: ((سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - يعني: خدمة أهله - فإذا حضرتِ الصلاة، خرج إلى الصلاة))؛ [أخرجه البخاري].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقع في حديثٍ آخرَ لعائشةَ أخرجه أحمد وابن سعد، وصححه ابن حبان من رواية هشام بن عروة عن أبيه: ((قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصِفُ نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "هذا من تواضع النبي عليه الصلاة والسلام، أنه يكون في البيت في خدمة أهله؛ أي: يساعد أهله فيما ينوب البيت من تغسيل وتنظيف وغير ذلك، وهذا مع كونه هديَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أقوى ما يكون جلبًا للمودة والمحبة بين الرجل وأهله، فإذا شعرت الزوجة بأن زوجها يساعدها في شؤون البيت، ويكون معها، فإنها تحبه أكثر بلا شكٍّ؛ لأن عادة الرجال في الغالب أن يترفعوا عن هذا الأمر، فإذا تواضع... وصار يساعد زوجته، صار في هذا جلبٌ للمودة والمحبة".
قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها إلا لحاجة:
قال الله عز وجل: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية: الصلاة في المسجد بشرطه؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولْيَخْرُجْنَ وهنَّ تفِلاتٌ))، وفي رواية: ((وبيوتهن خير لهن)).
عدم خروج الزوجة من البيت وعدم إخراجها في الطلاق الرجعي:
قال الله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "لا يجوز للزوج إذا طلق زوجته أن يخرجها من بيته، ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إذا طلقها إلى انتهاء العدة... يجب أن تبقى المرأة في بيت الزوج، ويحرم على الزوج أن يخرجها، بل تبقى إلى أن تنتهيَ العدة؛ لأن الله بيَّن الحكمة من ذلك؛ فقال: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]؛ ربما إذا بقِيَتْ تغيرت أخلاقها، وربما إذا بقيت تولد في قلب الزوج محبة لها فيبقيها؛ لأنه قيل: أحب شيء إلى الإنسان ما مُنع، فربما إذا طلقها زال ما في قلبه عليها وأبقاها؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]، فإن قال قائل: إذا بقيت في بيت الزوج، هل يحل لها أن تكشف وجهها له؟ فالجواب: نعم، يحل أن تكشف وجهها له، ويحل أن تتجمل له، ويحل أن تتطيب له، ويحل أن تكلمه ويكلمها، ويخلو بها، كل هذا جائز؛ لأنها زوجته، فالزوجية لا تزول إذا كان الطلاق رجعيًّا، إنما تزول بانتهاء العدة؛ ولهذا نقول: إذا طلق الإنسان زوجته طلاقًا رجعيًّا، تبقى في البيت".
واقع الناس اليوم أنه إذا طلق الإنسان زوجته، هربت من البيت، ولم تبقَ به، وهذا حرام عليها، وربما يخرجها هو بنفسه، وهذا حرام عليه، فإن خرجت هي فهي آثمة، وإن أخرجها هو فهو آثمٌ، تبقى حتى تنتهي العدة، ثم تذهب إلى أهلها: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [الطلاق: 1]؛ سواء كانت هذه الفاحشة عائدة إلى الأخلاق أو المعاملة، فإنها حينئذٍ تخرج من البيت.
ولو جاءتنا امرأة تذكر أن زوجها طلقها، وقد خرجت من بيته، قلنا لها: يجب عليكِ أن ترجعي إلى بيتكِ، هذا هو حدُّ الله.
رعاية المرأة لبيت زوجها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّتِهِ، والإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))؛ [متفق عليه]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم، والنصيحة للزوج في كل ذلك".
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "المرأة راعية في بيتها فيما يختص بالبيت وشؤون البيت، والرجل راعٍ فيما سوى ذلك، والرعاية الكبرى للرجل؛ لقوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34]، فلو فُرض أن المرأة تخل برعايتها في بيتها، فهو مسؤول إذا علِمَ، ووجه ذلك: أن كل إنسان مسؤول عن رعاية ما يباشر رعايته".
عدم إذن الزوجة لأحد أن يدخل بيت زوجها إلا بإذنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه))؛ [متفق عليه]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك، فلا حرج عليها".
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المراد ببيت زوجها: سكنه سواء كان ملكه أو لا.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: "الإذن نوعان: عرفي ولفظي؛ فاللفظي: أن يقول لها: ائذني لفلان، أو إذا استأذن عليكِ فلان فائذني له، وما أشبه ذلك، والعرفي: ما جرى به العرف، ففي بعض البلاد جرى العرف بأن المرأة تُدخِل جيرانها وأقاربها وما أشبه ذلك، فما جرى به العرف يكون كالإذن اللفظي".
تصدُّق المرأة من طعام بيتها غير مفسدة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا))؛ [متفق عليه].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "واعلم أن هذه المسألة لها خمس أحوال:
الحال الأولى: أن يأذن لها بالصدقة، فهنا تتصدق.
الحال الثانية: أن يمنعها من الصدقة، فإن منعها، فإنه لا يحل لها أن تتصدق، حتى ولو كان بقية طعامهم، وقالت: أخشى إن بقي فسد، فإنها لا تتصدق به.
الحال الثالثة: أن يغلب على ظنها إذنه بذلك وفرحه، فهنا تتصدق وإن لم تستأذنه، ولها أجر.
الحال الرابعة: أن يغلب على ظنها أنه يكره ذلك ويمنع منه، فلا تتصدق.
الحال الخامسة: أن تشك وتتردد في رضاه، فإنها لا تتصدق.
لكن إذا كان يغلب على ظنها أنه يمنعها أو شكت، فلتستأذنه، فإن منعها فلتُشِرْ عليه بأن يأذن لها، فإن خاف منها أن تبالغ في الصدقة، فليقل: آذن لك بأن تتصدقي بما يُخشى فساده فقط".
إطفاء النار عند النوم:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حُدِّثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: إن هذه النار عدوٌّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم))؛ [متفق عليه].
وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون))؛ [متفق عليه].
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمِّروا الآنية، وأجِيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح؛ فإن الفُوَيْسِقَةَ ربما جرَّتِ الفَتِيلةَ، فأحرقت أهل البيت))؛ [أخرجه البخاري].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "في هذه الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيتٍ ليس فيه غيره وفيه نار، فعليه أن يطفئها قبل نومه، أو يفعل بها ما يأمن معه الاحتراق، وكذا إن كان في البيت جماعة، فإنه يتعين على بعضهم، وأحقهم بذلك آخرهم نومًا، فمن فرَّط في ذلك، كان للسنة مخالفًا ولأدائها تاركًا".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وفي هذه الأحاديث دليل على فوائد؛ منها:
1- الوقاية من الشيء قبل نزوله، وقد قيل: إن الوقاية خير من العلاج.
2- جواز ترك النار في البيت إذا كان أهله في يقظة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((حين تنامون)).
3- أنه إذا أمِنَ مِنْ هذه النار فلا بأس ببقائها، وعلى هذا فنقول: إذا أمِن الآن من إبقاء المصابيح في المكان مضاءةً فلا بأس بذلك؛ لأن ذلك مأمون، فلو جاءت الفويسقة فليس فيها فتيلة تجرها، وتحرق الناس.
4- أنه ينبغي ألَّا تكون المدفأة في أيام الشتاء قريبة من الفرش؛ لأنه ربما ينقلب النائم عليها، فتحرقه، فالعلة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام إذا وُجدت، ثبت الحكم، وإلَّا فلا".
ذكر الله عند الخروج من المنزل:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال - يعني: إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقيتَ، وتنحى عنه الشيطان))؛ [رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن]، وزاد أبو داود: ((فيقول - يعني: الشيطان - لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُديَ وكُفيَ ووُقيَ؟)).
فالمسلم إذا خرج من بيته ذاكرًا اللهَ عز وجل، متوكلًا عليه في جميع أموره، متيقنًا أنه لا حول ولا قوة له إلا بالله - صُرفت عنه الشرور، وحُفظ من الأذى والسوء، وابتعدت عنه الشياطين، فكُفِيَ شرها وكيدها.
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته يقول: بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليَّ))؛ [قال النووي رحمه الله: حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهذا لفظ أبي داود].
فيجمع المسلم بين ما ورد في الحديثين عند خروجه من المنزل، فيقول: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليَّ.
اللهم وفقنا وجميع إخواننا المسلمين للعمل بهذه الأحكام والآداب؛ ففيها السعادة والخير والبركة.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ