كيف نطور التعليم وببساطة؟
القراءة ليست هواية وليست تَرَف، القراءة جزء أساسي وركن شديد تأوي إليه كل المجتمعات والدول التي تريد القوة بأنواعها: العلمية، الاقتصادية، العسكرية...، فإذا كانت القراءة حجر الأساس فلماذا لا نلزم الطلاب بالقراءة
- التصنيفات: المناهج الدراسية -
من المسلمات التي أدركها كل العقلاء في جميع المجتمعات أن التعليم له الدور الأساسي في رقي الُأمم وتقدمها وحصولها على الرفاهية بل والدفاع عن نفسها من أعدائها في عالم أصبح محكوم بنظام أشد ظلما من نظام الغاب، والناظر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يجد أن معظم دولنا لا تنفق الكثير على التعليم وأن التعليم موجود خلف الورقة كما يقال ولا يحتل الصدارة بل ويتقدم عليه أمور لا يمكن مقارنتها بالتعليم أصلاً كالرياضة التي تنفق فيها الملايين من أموال الأمة، والفن الذي أصبح يدعو في معظمه إلى الإباحية وتَكْفيكَ نظرة واحدة إلى فلْم أو مسلسل أو أغنية لتدرك حجم المشكلة، وهذا لا يعني أننا نقف مكتوفي الأيدي بل لا بد أن هناك حلولاً كثيرة وميسرة وسهلة سواء على مستوى الحكومات أو المجتمعات الصغيرة أو حتى الأفراد فيما يلي بعضاً منها:
القراءة الإلزامية:
القراءة ليست هواية وليست تَرَف، القراءة جزء أساسي وركن شديد تأوي إليه كل المجتمعات والدول التي تريد القوة بأنواعها: العلمية، الاقتصادية، العسكرية...، فإذا كانت القراءة حجر الأساس فلماذا لا نلزم الطلاب بالقراءة، فكما أن الدولة تفرض على الناس القيام بأشياء أقل أهمية بكثير من القراءة، فما المانع من إلزام الطلاب بقراءة كتب معينة كل فصل دراسي ثم اختبارهم بعد ذلك، وهذا سهل ميسور جداً وفوائده لا تعد ولا تحصى وإن كان ذلك يتطلب أولا تعلَّم مهارات القراءة، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية.
إكساب الطلاب المهارات البسيطة:
وهذه المهارات بسيطة في اكتسابها وتكلفتها ولكنها عظيمة في فوائدها ومنافعها، والمتأمل في مخرجات مناهجنا يجد أنها لا تكسب الطالب الكثير من المهارات المهمة له في حياته حتى لو لم يكمل تعليمه ويصبح طبيباً أو مهندساً، فعلى سبيل المثال تعتبر اللغة الإنجليزية أداة مهمة للانفتاح على بحار من المعرفة لا تتأتَّى لمن لا يحسن الإنجليزية خاصة في العلوم التجريبية، كما أنه إذا أحسن السواد الأعظم من الخريجين هذه اللغة تتضاعف كمية ما يترجم منها إلى العربية وهذه أول خطوة عملها المسلمون حين ترجموا ما عند الآخرين من معارف مفيدة وفي نفس الوقت لم يتنكروا للغتهم ولا لدينهم، لذلك المهارات المطلوب اكسباها للطلاب كثيرة جدا ونذكر منها:
القراءة بمختلف مهاراتها كالقراءة السريعة مثلاً، الكتابة لا سيما المقالات العلمية، التخطيط، مهارات الحصول على المعلومة من أفضل المصادر، حل المشكلات، التعلم الذاتي، البحث العلمي وغيرها كثير .
التعلّم الذاتي:
ذكرنا في الفقرة السابقة أن من الأمور المهمة والميسورة في تطوير التعليم إكساب الطلاب مهارات معينة وهذا يعني أنه إذا تسلح أبناؤنا بمهارات معينة فإنه باستطاعتهم اكتساب الكثير من المعارف والتخصص في كثير من مجالات المعرفة دون الحاجة إلى وزارة تربية وتعليم أو مدارس أو معلمين، وإن كانت هذه الأمور مهمة لكن يمكن لأي أحد يطور نفسه بنفسه إذا عرف الأساسيات فيما يعرف بالتعلّم الذاتي، لقائل أن يقول: مصادر المعرفة متاحة وميسورة ولكن طلابنا وطالباتنا لا يهمهم سوى الرياضة والفن إلا ما رحم ربك وقليلٌ ما هم، والجواب عن هذا التساؤل هو إيجاد الحافز للمبدعين لكي يهتمّوا بتعليم أنفسهم. كيف؟ الجواب: بطرق كثيرة كالاختبارات والمسابقات، ورصد المكافآت المجزية للمتميزين والمجتهدين، وإقامة الجمعيات العلمية، فماذا يضيرنا أو يكلفنا إذا قلنا مثلاً من وصل إلى المستوى كذا من البرمجة فله جائزة بكذا؛ وبالتالي فإن كل أحد حاول المنافسة سيستفيد حتى لو لم يربح شيء من المراكز الأُوَل. وهناك ميزة للتعلّم الذاتي وهي أن الطالب يتعلم ما تميل إليه نفسه ويهواه قلبه، فمن عمل ما يحبه أبدع فيه، ولا يكون مثل مناهج المدارس التي يُجرَّع فيها الطالب المعلومات كما يَتجرَّع المريض الدواء المرّ ويتمنى الخلاص منه في أقرب وقت، وبالتالي بالتعلَّم الذاتي يظهر الإبداع، لأن الإنسان يبدع فيما يحب ويستمتع به كما يستمتع بهواياته.
المطلوب مناهج متخصصة وليس منهج عام:
من الواضح أن كثير من الدول تطبع المناهج توزعها على الطلاب، ويراعون في هذه المناهج أن لا تكون صعبة ولا سهلة، وذلك لكي يستطيع يستوعبها الذكي وقليل الذكاء، والمشكلة تكمن في أن شريحة من الطلاب والطالبات يكون نقل الحجارة والحفر بالمعاول أيسر عليه من اجتياز اختبارات ذلك المنهج، وبالمقابل طلاب وطالبات يكون المنهج بالنسبة لهم سهل جدا بحيث يستطيعون النجاح بدون أن يذاكروا للامتحانات أصلا بالإضافة إلى أن الموهوب منهم يستطيع أن يستوعب مقررات ثلاث سنوات في سنة مثلاً دون أن يجد أي مشقة تذكر، لذا فوجود منهج واحد لكل المستويات أمر يتعب قليلي الذكاء ويعطل مواهب شديدي الذكاء، وبعض الحكومات تجعل هنالك مدارس نموذجية لكن المناهج نفسها وهذا قليل الفائدة، أمر آخر هو أن الذكاء أنواع ليس الحفظ والفهم فقط، فهناك من الدارسين من يصعب عليه حل مسألة بسيطة في الرياضيات وتسهل عليه هندسة الأجهزة مثلا، فإذا ألْححْنا عليه بمسائل الرياضيات ومعادلات الكيمياء وقواعد اللغة الإنجليزية نفَّرناه من التعليم وخسرنا موهبته في مجالات لا تحتاج إلى شيء من هذا، فلا بد إن أردنا أن نبرز المواهب ونفجَّر الطاقات ونحقق أقصى استفادة من أهم ثروة ألا وهي الإنسان أو العقل البشري لابد أن نجعل المنهج الواحد مناهج متعددة على قاعدة:(كلٌّ مُيسَّرٌّ لما خُلِقَ له)، فلا يكون منهج بطيء التعلم مثل المتوسط ولا المتوسط مثل الموهوب، والمواهب متعددة متنوعة فإذا أعطينا كل نبته ما يناسبها ووفَّرنا لها التربة الصالحة لها وهيّئْنا لها المناخ الذي تحتاج إليه فإن الثمار سوف تؤتي أُكلها بإذن ربها.
الاستفادة من التقنية:
مما لا شك فيه أن معظم الطلاب والطالبات في عالمنا العربي يملكون جهاز جوال أو حاسوب أو كليهما معاً، بل ويقضون معظم أوقاتهم بصحبة هذه الأجهزة وأعينهم تحدق في شاشاتها، وأيضاً لا ننسى أن معظم البيوت في العالم العربي موجود فيها أجهزة استقبال القنوات الفضائية، إن هذه الأجهزة من فضائيات وجوال وحاسوب وفي أحيان كثيرة إنترنت تمثل ثروة ضخمة وأداة جبارة لإحداث تغيير في كل المجالات ومنها التعليم، وإن كان معظمها مسخر في التافه أو الضار، لكن مع هذا بإمكاننا ترويض هذه الوحوش العصرية العصية وجعلها أدوات نفع ورُقِي وتقدم وهذا يحتاج وحده إلى الكثير من المقالات وإنما أردنا هنا الإشارة فقط حتى يلتفت كل من له يد في العملية التعليمية إلى الإمكانات الهائلة الموجودة بأحشاء هذه الأجهزة، فمن خلالها يمكن إقامة الدورات ومنح الشهادات وتجميع كل جماعة تهتم بجانب معين لكي تحقق نضج أكثر وتتبادل الخبرات فيما بينها ولا بد أن يكون ذلك رسميا ومنظماً ومدعوماً ولسوف تكون النتائج باهرة وتدهشنا وهذا فيما لو تم استغلال جزء فقط من هذه النعم والخيرات المتاحة بيد معظمنا وإلا انقلبت علينا فأصبحت مشكلة تضاف إلى رصيدنا السابق من المشاكل.
اصطياد المواهب:
ذكرنا آنفاً أن المنهج الواحد لكل الطلاب من أسباب ضعف المخرجات التعليمية وهدر لطاقات الموهبين، من هذا المنطلق لكي نطور التعليم والأمة ككل علينا باصطياد الموهوبين منذ نعومة أضفارهم، من سن الروضة وما قبل، والحمد لله لا يخلوا بلد منهم، وهؤلاء الموهبين الواحد منهم بألف إذا أحسنَّا اختياره وحددنا ميوله وفرشنا له الطريق وذللنا له الصعاب وزودناه بالأدوات اللازمة لنجاحه بداية وعطائه فيما بعد، فالموهوبين نسبهم قليلة بالنسبة لمجموع السكان، لكن لو استغلوا لأحدثوا الفروقات العجيبة، فمثلاً تجد بعض الموهوبين الذين توفرت له البيئة المناسبة يخترع مئات الاختراعات، وهناك من يخترع اختراعاً واحدا أو يطور فكرة تقلب حال المجتمع رأساً على عقب، ولن تجد مجتمع تطور ونهض بدون احتواء الموهبين فيه والدعم السخي لتجاربهم ومشاريعهم.
وقبل الختام هنا تساؤل: هل تستطيع الدول الفقيرة دعم تعليم أبنائها؟
والجواب: أن المطلوب من كل دولة أن تولي الاهتمام والبذل حسب طاقتها، وباختصار لو أن بعض الأموال التي تنفق على الرياضة والفن تذهب للتعليم لأحدث ذلك فرقاً هائلاً، ولو أن الأموال التي ذهب في التبغ أو في الخمور أو المخدرات يذهب بعضها للتعليم لتطور التعليم بشكل كبير جداً.
إن المعرفة أصبحت متاحة وميسرة حتى ولو كانت حكومتك لا تدعم التعليم أو حتى تحاربه، فإن الأبواب مفتوحة والقنوات مُشْرعة ومن جدَّ وَجَد ومن زرع ليس كمن رقد، فعلى سبيل المثال هنالك الكثير من المكتبات والمكتب المتوفرة على الإنترنت كالمكتبة الشاملة والوقفية في المجال الشرعي واللغة العربية بفروعها المختلفة، فالله الله في الاجتهاد وتعليم أنفسنا وأبنائنا ثم ننتقل على مستوى الأسرة والمسجد ولا تنتظر أن تصب الحكومة المليارات على التعليم فإن فعلت فبها ونعمت وإن لم تفعل فلا شك أن الخيارات كثيرة والبكاء وحده لا يرد مفقود، واليأس لا يصنع شيئاً، فابدأ بنفسك وأهل بيتك وحيِّك فإن فعلت فإنه عمل عظيم وسترى نتائجه ماثلة بين يديك وعليك أن (تشعل شمعة بدل من لعن الظلام) والله الهادي إلى سواء السبيل .
سالم محمد أحمد