تعودوا الخير فإن الخير عادة

لا يخلو أيُّ فردٍ منَّا من خَصائِصَ وصِفاتٍ، ومواهبَ وقُدراتٍ، لو فعَّلها واستثمرها بالشكلِ الصحيحِ لتغيّرَ طعمُ الحياةِ في حِسهِ، ولشَعرَ بعلوِ قيمتهِ وارتفاعِ قدرهِ....

  • التصنيفات: تزكية النفس - خطب الجمعة -
تعودوا الخير فإن الخير عادة

الحمدُ للهِ، {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96]، القائمِ بأرزاق خلْقهِ، فما لأحدٍ مِنهُم عنهُ غِنًى، الخلائقُ كُلُّهم فُقراءُ إليهِ، ولهُ سبحانهُ وحدَهُ مُطلَقُ الغِنى، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31]. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، بنى السَبعَ الشِدَادَ فأحْكمَ ما بنى، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]. وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، دعا إلى الله وجاهدَ في سبيله، فما ضَعُفَ وما اسْتَكانَ وما وَنَى، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابهِ الأخيارِ الأطهارِ الأُمَناء، والتابعينَ ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا. ما سجَى ليلٌ، وما أضاءَ سَناء.

 

أمّا بعدُ: فأوصِيكُم أيّها النَّاسُ ونفسِي بتقوى اللهِ عزّ وجلَّ، فاتَّقوا اللهَ رَحمكُم اللهُ. فمن أرادَ محبةَ اللهِ، فاللهُ يحبُ المتقينَ، ومن أحبَّ أن يكونَ اللهُ وليَّهُ، فاللهُ وليُّ المتقينَ، ومن أرادَ معيَّةَ اللهِ، فاللهُ مع المتقينَ، ومن أرادَ كرامةَ اللهِ، فأكرمُ النَّاسِ عندَ اللهِ أتقاهُم، ومن أرادَ فوزَ الآخرةِ، فالآخرةُ عندَ ربِّكَ للمتقين، ومن أرادَ قبولَ أعمالهِ، فإنَّما يتقبلُ اللهُ من المتقينَ، فاتَّقوا الله رحمكم اللهُ، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء: 131]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

 

 

معاشِرَ المؤمنينَ الكِرامَ: لا يخلو أيُّ فردٍ منَّا من خَصائِصَ وصِفاتٍ، ومواهبَ وقُدراتٍ، لو فعَّلها واستثمرها بالشكلِ الصحيحِ لتغيّرَ طعمُ الحياةِ في حِسهِ، ولشَعرَ بعلوِ قيمتهِ وارتفاعِ قدرهِ. ولتحقَّقَ لهُ من الإنجازاتِ والنجاحِ أكثرَ بكثيرٍ مما يَحلمُ ويَتوقَعُ. ومع بدايةِ كُلِّ عامٍ يَتذكرُ كثيرٌ من الناسٍ أهميةً تحديدٍ الأهداف القيِّمةِ، والتخطِيطَ الجيدِ لجدولتِها، وتصميمَ البرامجِ والخطواتِ الموصِلةِ إليها.

 

ولا شكَ أحبتي الكرام: أنَّ صِناعَةَ الأهدافِ القيِّمةِ وتحدِيدِها بدقةٍ، هو مِفتـاحُ النجـاحِ لحياةِ الإنسانِ والمؤسسات، وهي الفارقُ الحقيقيُ بين الـمُنجِزِ الناجحِ، وبين المشتَّتِ الضائِعِ. لأنَّها تُبينُ المهامَ والواجِباتِ اللازِمَةِ للإنجازِ والنَّجاحِ. وتُعطِي شُعورًا إيجابيًا مُريحًا بأنَّ المرءَ يسيرُ في الاتجاهِ الصَحِيحِ بفضلِ اللهِ، بل إنَّ خُبراء هذا الفنِّ يقولون: إنَّ هُناكَ قوةً مَعنويةً يَشعُرُ بها كُلُّ من تمكَّنَ من تَحديدِ أهدافِهِ بدقةٍ.

هذه القُوةُ تُعينهُ بإذن اللهِ على تركيزِ طاقاتِهِ، وتَوحِيدِ جُهودِهِ المبَعثَرِةِ في مجالٍ واحدٍ، فيسلَمَ من الفَوضَويَةِ والتَّشَتُّتَ، كما أنَّ في تحدِيدِ الأهدافِ القيِّمةِ، تَفعِيلٌ للخيالِ المبدِعِ، وتحرِيكٌ للطاقاتِ الكَامِنَةِ. ويقولُ الخبراءُ أيضًا إنًّهُ إن كان للنَّجاحِ أسبابٌ تُساعِدُ في تحقِيقِهِ، فلا شَك أنَّ تحدِيدَ أهدَافٍ ذات قِيمةٍ عاليةٍ، والتخطِيطُ للوصول إليها، هو السببُ الأهمُّ من بينها. وهذا ما أثبتَتْه دراساتٌ عدة في هذا المجال؛ فقد لوحظَ أنَّهُ بمجَردِ تبيُّنِ الهدَفِ واتِّضاحِهِ، فإنَّ إمكاناتِ المرءِ تَتضَاعفُ، ويزدَادُ نَشاطُهُ، ويتيقَّظُ عقلُه، وتَتحرَّكُ دَوافِعُهُ، وتتولَّدُ لدَيهِ الأفكارُ التي تخدُمُ غرَضهُ.

كما أنَّ الأهدافَ القيِّمةَ إذا اتَّضَحَت بدقةٍ سَهَّلَت على الفرد أنَّ يتجاوزَ ما يُقابِلَهُ من عَقباتٍ وعَراقِيل، وأنَّ يُنجِز في وقتٍ قصيرٍ أضعافَ ما يُنجزهُ غيرُهُ في وقتٍ أطولَ؛ ذلك أنَّ المرءَ بلا هَدفٍ إنسانٌ مُشتَّتٌ يُهدِرُ إمكانِياتِهِ وطَاقاتِهِ بلا إنجازٍ يُذكَر.

 

وبعد أنَّ عرَفنَا قِيمَةَ تحدِيدِ الأهدافِ القيِّمةِ، وكيف نُحدِّدُها. نأتي إلى الخطوةِ الـمُكمِّلَةِ لها، وهيَ كَيفِية تَحقِيقِ هذهِ الأهدافِ المحدَّدةِ. والنَّصيحةُ الثَّمِينةُ هُنا أنَّ على من يُريدُ تَحقِيقَ أهدافهِ القيِّمةِ وتحويِلها إلى إنجازاتٍ كَبيرةٍ أنَّ لا يُفكِّرَ بضخامَةِ الهدفِ المنشُودِ، ولا بالمسافةِ الزمنيةِ التي تَفصِلُهُ عنهُ، ولا بحجمِ المجهودِ اللازمِ لتحقيقِ ذلك. (فبما يفكر إذن). عليه فقط أنَّ يَسْعَى لتكوينِ عَادةٍ يَوميةٍ سَهلةٍ مُيسرةٍ يستمرُ عليها فترةً طويلةً دون توقف. ففي "صحيح البخاري" قال عليه الصلاة والسلام: « أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدومها وإن قلَّ ».

وقال عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «يَـا أَيُّهَا النَّاسُ، خُـذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ». وفي الحديث الصحيح عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

 

إذن فمن كان عِندهُ هدفٌ قيمٌ يريدُ تحقيقهُ، فعليه أنَّ لا يُفكرَ بضخامَتِهِ ولا بصعوبته، ولا بطولِ الزمنِ اللازمِ لإنجازهِ، ولا بحجمِ المجهودِ اللازم لتحقيقه، وإنما يركزُ تفكيرهُ على تكوينِ عادةٍ يوميةٍ سهلةٍ مُستمرة، تقربه من هدفه شيئًا فشيئًا. فمن ثبت نبت، وكُلُّ من سارَ على الدَّربِ وصَلَ، وقليلٌ مُستمرٌ خيرٌ من كثيرٍ مُنقطِع.

 

فمثلًا من يريدُ امتلاكَ جسدٍ صِحيٍ رَشِيقٍ مُتناسِقٍ، فلا يشغل بالهُ بضخامةِ الفارقِ بين واقعهِ الآن، وبين ما يريدُ الوصُولَ إليهِ. بل عليه أن يفكِرَ فقط بتخصِيصِ رُبعِ سَاعةٍ يَومِيًا لممارسَةِ رِياضةٍ مُناسبةٍ يقدِرُ على مُمارستُها بسهولةٍ.

 

مثالٌ آخر: من يحلُمُ بتأليفِ كتابٍ مُميزٍ في المجالِ الذي يرغبُهُ. فلا يُفكِرِ بضخامَةِ الكتِابِ ولا بحجمِ المجهودِ اللازم لإعدَاده، بل عليهِ فقط أنَّ يكوِّنَ عادةٍ يوميةٍ بسيطةٍ، عِبارةٌ عن كتابةِ خَواطِرَ يَوميةٍ قَصيرةٍ لا تتَجاوزُ النِّصفَ صَفحةٍ فقط.

 

مِثالٌ ثالثٌ: من يُريدُ أنَّ يكُونَ مُثقفًا ثقافةً واسِعةً في مجالٍ مُعينٍ من العِلم، فلا يُفكِرَ في ضَخامَةِ الفَارِقِ بينَ مُستواهُ الآنَ وبينَ ما ينشُده. بل عليهِ فَقَط أن يُفكِّرَ في تكوِينِ عَادةٍ مُستمرةٍ لقراءةِ نِصفِ سَاعةٍ يوميًا في هذا المجال المنشود.

 

مثالٌ رابعٌ: من يتمنى أنَّ يَحفَظَ القُرآنَ الكريم َكامِلًا أو جُزءً مُعينًا مِنهُ. فلا يشغل بالَهُ بضخامةِ الفكرةِ وحجمِ الجُهدِ المطلوبِ. بل يُفكِّرُ فقط بتكوين عادةٍ يوميةٍ سهلةٍ يسيرة، وهي حِفظُ ومراجَعةُ نِصفَ أو حتى رُبعَ صفحةٍ يوميًّا.

 

مثالٌ أخير: من يُفكّرُ بإنقَاصِ وزنِه عِشرين أو ثلاثين أو نحوها من الكيلوات. فلا يفكر بعمل ريجيمٍ قاسٍي ينقصُ فيه وزنه بسرعةٍ قياسيةٍ، بل يفكرُ فقط بتبني عادةٍ غذائيةٍ صحِّيةٍ مُيسَّرةٍ تستمرٌ معه طوالَ عمره.

 

أحبتي الكرام: حينَ يَستمرُ الانسانُ على القيامِ بهذه العاداتِ البسيطةِ سيُفَاجَأُ بإذن الله بعدَ عامين أو ثلاثة أنه لم يحقق أهدفهُ بكل كفاءة فقط، بل تجاوزها بكثير. إذن أحبتي الكرام فالإنجازاتُ الكبيرةُ والأهدافُ العظيمةُ لا تتطلبُ التفكيرَ بحَجمِها الكبيرِ ولا بما يلزمُها من مجهودٍ ضخمٍ، ولا بما تتطلبهُ من وقتٍ طويلٍ. بل مِثلُ هذا التفكِيرِ هو ما قد يُسببُ الإحباطَ والتراجُعَ والفَشلَ.

 

الإنجازُ الرائعِ ببساطةٍ، يتطلبُ تكوينَ عاداتٍ يوميةٍ بسيطةٍ ومستمرةٍ. تَنتهِي بتراكمِ النتائِجِ، ومع الثباتِ ومرورِ الوقت يتحقَّقُ إنجازٌ أكبرَ وأعظمَ مما كان يُتَوقع. أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيم: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

بارك الله.

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله.

 

أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين وكونوا من: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18].

 

معاشر المؤمنين الكرام: النفس بطبيعتها ملولة متقلبه، تحتاج إلى تمرينٍ ومسايسة حتى تألف الأعمال وتتعوَّد عليها، وهذه هي المجاهدة التي ذكرها الله تعالى في كتابه بقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. وتأمَّل في كلمة (سبلنا)، لتعلم أن طرقَ الخير كثيرةٌ ومتنوعة، وأنها كلها توصل بإذن الله إلى مرضاة الله، ليختار الانسان منها ما يناسبه ويميل إليه وتنشرح له نفسه. قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]. مما يَدُلُ على أهميةِ مَعرِفةِ الانسانِ بمواهِبِهِ وقُدُرَاتِه، وامكانِيَاتِهِ وطاقَاتِهِ، ليسهل عليه تفَعِّيلُهَا واستثمارها في المجالِ الذي يُناسِبُهُ، وليكون نفَعَهُ بِها نَفْسَهُ وأُمَّتَهُ كبيرًا ومميزًا.

 

ثم اعلموا أنَّ الطاعاتِ والعباداتِ كُلِّها يُمكنُ لأي مُسلِمٍ أن يَتعوَّدَ عليها ويَألفَها، ومن ثمَّ فلا يتَرُكَها أبدًا. صَلواتُ التَّطوعِ والنَّوافِلِ، كصَلاةِ الضُحى والوترِ والسُننِ الرواتِبِ كُلِّها، مما يمكنُ التَّعودَ عليهِ، التبكيرُ إلى المسجدِ وطولُ المكثِ فيهِ، الخشوعُ في الصلاةِ، المحافظةُ على الأذكارِ بأنواعِها، صيامُ الأثنينِ والخميسِ والأيامِ البيضِ. المحافظةُ على وردٍ معينٍ من القرآنِ الكريمِ. تَخصِيصُ مِقدارٍ مُعينٍ من الصدقةِ يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا. برُّ الوالدينٍ وصلةُ الأرحامِ وزيارةُ الأحبابِ ومواصلتُهم في اللِه، كُلُّها عاداتٌ يمكنُ لأيٍّ مِنَّا أنْ يألَفهَا ويُدَاوِمَ عليها. إدخالُ السُّرورِ على أخيكَ المسلِمِ، قضاءُ الحاجاتِ، وتَفريجُ الكُرباتِ جميعها أمورٌ سهلةٌ يمكنُ أنْ يتعوَّدَ عليها أيُ مُسلِمٍ.

الرِّضَا والقَناعةُ وكَثرةُ الحمدِ والشُّكرِ والتسبِيحُ كُلُّها عاداتٌ يمكنُ لكُلِّ من أرادَ أنْ يتَعوَّدَ عليها. ذُكَر عن الشيخُ ابن بازٍ رَحمهُ اللهُ أنهُ إذا دخلَ الخلاءَ عضَّ على شِماغِه ِلكيلا ينسى فيذكُرَ اسم الله وهو في داخِل الخلاء. ترويض النفس على كظمِ الغيظِ، وعلى السماحةِ والعفوِ والصفحِ الجميلِ عادةٌ، بل من أجمل العادات، فإنَّما الحُلُم بالتحلُّم وإنَّما الِعلمُ بالتعلُّم. رِقةُ الطبعِ وطَهارَةُ القلبِ وسَلامَةُ الصدرِ عَادة يمكن لأي إنسانٍ أن يُدرَّبَ نفسهُ عَليها، جاء في بعض الآثار: "عوِّدوا قُلُوبَكم الرِّقةَ". الابتسامَةُ المشرِقَةُ، والوجهُ الصبوحُ والكلمةُ الطيبةُ، والمنطِقَ الجميلُ كُلُّ ذلك عادةٌ يَستطِيعُ الجميعُ امتلاكُها. جاءَ في الأثرِ أنَّ كلبًا تعرضَ لعيسى عليه السلام وهو في طريقه فقال: اذهب عَافاك اللهُ، فقيلَ لهُ: أهكذا تخاطِبُ الكلب؟ فقال: لسانٌ عودتهُ الخيرَ فتعودَ. نظافةُ البدَنِ وحُسنُ المظهرِ وجَمالُ الرائِحةِ عَاداتٌ جميلةٌ يُحبُها اللهُ فاللهُ جميلٌ يحبُّ الجمالَ. إتقانُ العَملِ والانضبَاطُ والجدِّيةِ واحترامُ النظامِ، عاداتٌ حضاريةٌ يمكنُ للجميعَ أنَّ يتحلَّى بِها. وفي الحديث الحسنِ: «إنَّ اللهَ يحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عَملًا أن يُتقِنَهُ». تَرشِيدُ الانفَاقُ في المال والكهرباء والماءُ وبَقِيةُ أمورِ الحياةِ كُلِّهَا عاداتٌ طيبةٌ مَيسورةٌ للجميع، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].

 

والخلاصةُ يا عبادَ اللهِ: أنَّ النَّفسَ إذا اعتادت على شيءٍ وألفتهُ سَهُلَ عليها القيامَ بهِ، بل إنَّهُ يَصعُبُ عليها تَركَهُ والتَّخلِي عنهُ، واسألوا إن شِئتُم الثَابِتينَ على طَاعاتِهم سَنواتٍ طويلةٍ. ما الذي يَجدُونَهُ من الرَّاحةِ واللذَّةِ، وكيفَ أنَّ هذه الأعمالَ التَّعبدِيةِ الكبيرةِ والشَّاقَةِ في نَظرِ الكثيرينَ صارت عِندَهُم سَهلةً يَسيرةً، بل إنَّ الصعبَ عَليهم هو عَدمُ فعلِها والمحافَظةِ عليها، مِصدَاقُ ذلك في كتاب اللهِ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7].

 

فيا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
_______________________________________
الشيخ: عبدالله محمد الطوالة