الصديق أتقى الصحابة

أبو الهيثم محمد درويش

والتقوى هي فعل المأمور والانتهاء عن المحذور , فكان الصديق أكمل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعل أوامر الله والمسارعة إليها كما كان أبعد الصحابة عما حرم الله, وأعلاهم إخلاصاً في العطاء دون انتظار جزاء من مخلوق.

  • التصنيفات: سير الصحابة -

الصديق أتقى الصحابة

ثبت بنص كتاب الله تعالى : {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} وقد اتفق معظم أهل العلم على أنها في حق الصديق رضي الله عنه.

والتقوى هي فعل المأمور والانتهاء عن المحذور , فكان الصديق أكمل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعل أوامر الله والمسارعة إليها كما كان أبعد الصحابة عما حرم الله, وأعلاهم إخلاصاً في العطاء دون انتظار جزاء من مخلوق. 

قال العلامة محمد بن عبد الرحمن بن قاسم:

أبو بكر أتقى الأمة
الصديق أتقى الأمة بالكتاب والسنة، قال تعالى:
 {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}  (1) وذكر غير واحد من أهل العلم أنها نزلت في قصة أبي بكر فذكر ابن جرير في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن الزبير وغيره: أنها نزلت في أبي بكر. وكذلك ذكر ابن أبي حاتم والثعلبي أنها نزلت في أبي بكر عن عبد الله وعن سعيد بن المسيب. وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني، حدثنا سفيان، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أعتق أبو بكر سبعة كلهم يعذب في الله: بلالاً، وعامر بن فهيرة، والنهدية، وابنتها، وزنيرة، وأم عبيس، وأمة بني المؤمل. قال سفيان: فأما زنيرة فكانت رومية وكانت بني عبد الدار، فلما أسلمت عميت، فقالوا أعمتها اللات والعزى، قالت: فهي كافرة باللات والعزى. فرد الله إليها بصرها، وأما بلال فاشتراه وهو مدفون في الحجارة، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه فقال أبو بكر: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. قال: وفيه نزلت {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} إلى آخر السورة (2) .
وإذا قدر أن هذه الآية دخل فيها من دخل من الصحابة فأبو بكر أحق الأمة بالدخول فيها، فيكون هو الأتقى من هذه الأمة، فيكون هو أفضلهم، وذلك أن الله وصف الأتقى بصفات أبو بكر أكمل فيها من جميع الأمة، وهو قوله: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} وقوله: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} . أما إيتاء المال فقد ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن إنفاق أبي بكر أفضل من إنفاق غيره، وأن معاونته له بنفسه وماله أكمل من معاونة غيره ففي الصحيح عن النبي أنه قال: «ما نفعني مال قط كمال أبي بكر» (3) . فقد نفى عن جميع مال الأمة أن ينفعه كنفع مال أبي بكر فكيف تكون تلك الأموال المفضولة دخلت في الآية والمال الذي هو أنفع الأموال له لم يدخل فيها؟! ولم يكن يأكل من أحد صدقة ولا صلة ولا نذرًا؛ بل كان يتجر ويأكل من كسبه، ولما ولي الناس واشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله ورسوله الذي جعله الله له؛ لم يأكل من مال مخلوق. ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيه شيئًا من الدنيا يخصه به؛ بل كان في المغازي كواحد من المسلمين؛ بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين. وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عرف له أنه أعطاه عمالة. ولم يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - مالاً قط ولا حاجة دنيوية، وإنما كان يطلب منه العلم. وفي صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود: امصص بظر اللات، أنحن نفر وندعه؟! قال لأبي بكر: لولا يد لك عندي لما أجزك بها لأجبتك. وفي المسند لأحمد: «أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناس شيئًا» (4) . فكان أبعد الناس عن النعمة التي تجزي، وأولاهم بالنعمة التي لا تجزى فهو أحق الناس بالدخول في هذه الآية.

 

وأما إخلاصه في ابتغاء وجه ربه الأعلى فهو أكمل الأمة في ذلك؛ لأنه لم يكن بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب يواليه لأجله ويخرج ماله إلا الإيمان. ولم ينصره كما نصره أبو طالب لأجل القرابة، وكان عمله كاملاً في إخلاصه لله تعالى.

 

__________
(1) سورة الليل: 17-20.
(2) قال ابن الجوزي: أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص38.
قلت: وتقدم أنه أسلم وله أربعون ألف درهم فأنفقها في سبيل الله.

(3) أخرجه أحمد، وتقدم أيضًا حديث: «إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر» .
(4) عن ابن أبي مليكة قال: «كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر قال: فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه. قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه. فقال: إن حبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني ألا أسأل الناس شيئًا» (المسند جـ5/159 جـ 1 ص11) .