صور عطرة من حياة الصحابة رضي الله عنهم
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
فالصحابة رضي الله عنهم جيل فريد متميِّز في كلِّ شيءٍ؛ في عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وتعامُلهم، ينبغي للمسلمين أن يترسموا خطى ذلك الجيل الفريد، إن راموا أن يعود لهم عِزُّهم، ومكانتهم بين الأُمَم، فالفرق كبير والبون واسع بين واقع المسلمين وحال الصحابة رضي الله عنهم.
- التصنيفات: سير الصحابة -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أمَّا بعدُ: فمن عقيدة أهل السنة والجماعة : سلامة ألسنتهم من سبِّ صحابة رسول الله صلى عليه وسلم, فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي علية الصلاة والسلام قال : « ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه ) » [متفق عليه] ومن عقيدتهم : محبة الصحابة لمحبة الله جل جلاله ورسوله علية الصلاة والسلام لهم, والتي ثبتت في نصوص كثيرة, فعن سهل بن سعد رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : «(لأُعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتحُ الله على يديه, يُحبُّ الله ورسوله, ويُحبّهُ الله ورسوله ) فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها, فلما أصبح الناس غدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها, فقال:( أين علي بن أبي طالب؟ ) فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه, قال : ( فأرسلوا إليه ) فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه, ودعا له, فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع وأعطاه الراية)» [متفق عليه]
وعن عائشة رضي الله عنها, «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في في سفر, فأخذتني وحشة من الليل, فقال رسول الله علية الصلاة والسلام : (مالك ؟) فقلتُ إني في هذه المكان في ليلة ظلماء فأخاف عليك..فقال : ( كلا, إن الله عز وجل يبعث لنا رجلاً يُحبُّ الله ورسوله ويُحبهُ الله ورسوله, يكلونا بقية ليلتنا, قالت : فبينا أنا كذلك إذ رأيت سواد أقبل نحونا فقال رسول الله عليه وسلم : ( من هذا؟) فقال : أنا سعد بن مالك جئت أكلوك بقية ليلتك هذه..فوضع رسول الله صلى عليه وسلم رأسه فنام» .[أخرجه الطبراني في الأوسط]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ( أين لكع؟) ثلاثاً, ( أدع الحسن بن علي ) فقام الحسن بن علي..فالتزمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ( اللهم إني أحبه فأحبه, وأحبّ من يُحبه ) » [متفق عليه]
وعن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها رضي عنهما, «أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في المسجد ثلاثاً يقول : (اللهم ادخل من هذا الباب عبداً تحبه ويحبك) فدخل منه سعد» .[أخرجه الحاكم]
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه, «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل, قال : فأتيته, فقلتُ : أيُّ الناس أحبُّ إليك ؟ قال : (عائشة ) قلتُ من الرجال : قال : ( أبوها ) قلتُ : ثم من ؟ قال : (عمر) فعدّ رجالاً» .[أخرجه مسلم]
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( « يا معاذ والله إني لأحّبك» ) [أخرجه أبو داود]
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه, أنه قال لرجل : سأحدثك برجلين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يحبهما : عبدالله بن مسعود, وعمار بن يأسر, [أخرجه أحمد]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما, قال أمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة على قوم, فطعنوا في إمارته, فقال : « ( إن تطعنوا في إمارته, فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله, وايم الله إن كان خليقاً للإمارة, وإن كان من أحبّ الناس إليَّ, وإن هذا من أحبّ الناس إليَّ بعد)» [متفق عليه]
فالصحابة رضي الله عنهم, الذين بايعوا رسول الله علية الصلاة والسلام, تحت الشجرة, هم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعن جابر رضي الله عنه قال : « فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية : ( أنتم خير أهل الأرض ) كُنّا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة» [أخرجه البخاري]
ولقد رضي الله جل جلاله عنهم, قال سبحانه وتعالى : {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً . ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً}[ [الفتح:18-19] فاكتسبوا بهذا الرضا سعادة الدنيا والآخرة.
وقد غفر الله عز وجل لأهل بدر منهم, فعن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «( وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر, فقال : اعملوا ما شئت فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم )» [متفق عليه] وعن جابر رضي الله عنه, قال : جاء عبد لحاطب بن أبي بلتعه يشتكي سيده, فقال : والله يا رسول الله ليدخلن حاطب النار, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « ( كذبت, لا يدخلها أبداً, قد شهد بدراً والحديبية) » [أخرجه أحمد] وعن حفصة رضي الله عنها ؟أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «( إني لأرجو ألا يدخل النار أحد إن شاء الله تعالى ممن شهد بدراً والحديبية ) » «» [أخرجه ابن ماجه]
لقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحابته, فعن عمر رضي الله عنه, أن النبي علية الصلاة والسلام قال : «( استوصوا بأصحابي خيراً )» [أخرجه الحاكم] فعلينا حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم, ولندافع عنهم بكل ما استطعنا, فقد بذلوا الغالي والنفيس لنصرة هذا الدين والجهاد في سبيل الله, فعن أبي موسى رضي الله عنه, قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر, بينا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري وكُنّا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع, لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا.[أخرجه البخاري] لقد كان الإسلام أحبَّ إليهم من الدنيا وما فيها, فعن أنس رضي الله عنه قال : كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيُسلم لشيءٍ يُعطاهُ من الدنيا فما يُمسى حتى يكون الإسلام أحبّ إليه وأعزَّ عليه من الدنيا[أخرجه أحمد]
فالصحابة رضي الله عنهم جيل فريد متميِّز في كلِّ شيءٍ؛ في عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وتعامُلهم، ينبغي للمسلمين أن يترسموا خطى ذلك الجيل الفريد، إن راموا أن يعود لهم عِزُّهم، ومكانتهم بين الأُمَم، فالفرق كبير والبون واسع بين واقع المسلمين وحال الصحابة رضي الله عنهم.
فحياتهم رجالًا ونساءً حبٌّ للخير، ومبادرة إلى طاعة الله، وسرعة لامتثال أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطُهْر وعفاف، وتضحية وإيثار، وصدق وصراحة، وحياء، وخوف من الله، وزهد، وورع، ومحبة، وتناصُح، ورحمة، وتواضُع، وجهاد للنفس وللأعداء.
وهذه صور لحياتهم سأوردها تباعاً في مقالات متتابعة، أسأل الله الكريم أن يُبارك فيها، وأن ينفع بها، كما أسأله أن يوفِّقنا للاقتداء بأولئك الأخيار، وأن يتجاوز عنا ويرحمنا.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ