معركة الملوك الثلاثة
معركة وادي المخازن، معركة القصر الكبير، معركة الملوك الثلاثة، ثلاث مسميات لمعركة واحدة، حدثت بين المسلمين والصليبيين، ودارت رحاها في شمال المغرب الأقصى، بين مدينتي طنجة وأغادير، وتحديدا عند بقايا مدينة (القصر الكبير)..
- التصنيفات: التاريخ والقصص - التاريخ الإسلامي -
معركة وادي المخازن، معركة القصر الكبير، معركة الملوك الثلاثة، ثلاث مسميات لمعركة واحدة، حدثت بين المسلمين والصليبيين، ودارت رحاها في شمال المغرب الأقصى، بين مدينتي طنجة وأغادير، وتحديدا عند بقايا مدينة (القصر الكبير) أو "قصر كتامة"، على الساحة الواسعة، المطلة على ساحل المحيط الأطلسي، وذلك في يوم الاثنين 30 جمادى الأولى 986هـ، الموافق 4 أغسطس 1578م، أي بعد سقوط غرناطة بحوالي 86 سنة.
والملوك الثلاثة الذين نسب المغاربة المعركة إليهم، هم: السلطان أبو مروان عبد الملك المعتصم بالله، ملك الدولة السعدية بالمغرب الأقصى (1576-1578)، المسنود داخليا من المغاربة، وخارجيا من قبل الدولة العثمانية. والسلطان السعدي المعزول أبو عبد الله المتوكل على الله (1574- 1576) الخائن لدينه ووطنه وأمته، والمنبوذ شعبيا، وحليفه الملك البرتغالي الدون سباستيان الأول بن يوحنا، الجالس على عرش لشبونة (1557- 1578)، هذا الأخير الذي نشأ نشأة صليبية متعصبة، وفي جو حاقد على الإسلام وأهله. وكان "يحمل مشروعا دينيا وثقافيا واقتصاديا؛ وهو القضاء على الإسلام بالمغرب، ورفضه انضواء المغرب تحت نفوذ الإمبراطورية العثمانية".
وجاءت هذه المعركة في وقت كانت فيه الصليبية الإيبيرية (البرتغالية الإسبانية) في ذروة تطرفها الديني وفي قمة نشاطها العسكري ضد الإسلام وأهله مشكلة أعظم تهديد لهما، وكانت أساطيلها تعربد في البحر المتوسط والمحيطين الأطلسي والهندي، فضلا عن البحر العربي والخليج، في الوقت الذي كانت حملاتها تتوالى على ثغور الإسلام في شمال أفريقيا. وقد انتهت المعركة باستشهاد الأول - نحسبه كذلك - وبمصرع الثاني والثالث، وبإبادة الجيش البرتغالي وحلفائه الصليبيين، إلا القليلين، الذين فروا من ساحة المعركة للنجاة بجلوهم. وكانت هزيمة الصليبيين فيها هزيمة ساحقة ماحقة، لدرجة لم تقم للبرتغال بعدها قائمة، ولدرجة اهتزت لها أوروبا كلها.
ولقد كان الأتراك العثمانيون حاضرين بقوة في هذه المعركة. فالمعركة في مضمونها وفي حقيقتها، كانت معركة إسلامية – صليبية، ولم تكن معركة مغربية – برتغالية - كما يحاول المؤرخون الوطنيون والقوميين تصويرها لنا، ولذلك فهم يغضون الطرف عن دور العثمانيين في هذه المعركة الفاصلة، التي تعتبر من أشهر المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي والعالمي، وفي تاريخ الصراع بين الصليبية والإسلام.
فالجيش البرتغالي، الذي كان تعداده بين 60 ألفا و120ألفا، لم يكن وحده في هذه الغزوة التي أرادوا من خلالها احتلال المغرب كله، بعد أن كانوا قد احتلوا العديد من ثغوره وآخرها، مدينة أصيلا التي سلمها لهم الملك المخلوع، لكي تكون منطلقا لغزو المغرب، إنما كان ذلك الجيش، يتضمن مقاتلين صليبيين متطوعين ينتمون إلى العديد من الدول الأوروبية، فكان فيه الإسباني، والألماني، والطلياني، والنمساوي، والإنجليزي، وكان عددهم ألوف مؤلفة (كانوا يشكلون تقريبا ثلث الجيش، وأما بقية الجيش، فكانت من البرتغاليين، وفي طليعتهم كثير من الهمج والرعاع)، وكانت راية الصليب حاضرة بقوة في المعركة، لأنها كانت عبارة عن حملة صليبية مدعومة من قبل البابا في روما غريغوريوس الثالث عشر (1572- 1585)، وحظيت بمباركته، فقد "أحل من الأوزار والخطايا أرواحَ مَن يَلْقَون حتفهم في هذه الحروب"، من المقاتلين الصليبيين. كما كان فيه أيضا مقاتلون مغاربة، خونة مارقون من أنصار الملك المخلوع، أبوعبد الله المتوكل، حليف ملك البرتغال سباستيان، وكان عددهم يعادل عدد المنافقين في الذين انشقوا عن جيش المسلمين قبيل معركة أحد سنة 3هـ، بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، أي حوالي 300 مقاتل.
وبالمقابل، فإن الجيش المغربي (السعدي)، والذي كان تعداده وقتها حوالي 40 ألف مقاتل، عندما خاض المعركة، كان مدعوما من قبل العثمانيين، بفرقة كاملة قومها خمسة آلاف مقاتل من الإنكشارية المحترفين الأشداء الذين كان اسمهم يبث الرعب في قلوب الأوروبيين، وكانت مشاركتهم بناء على أوامر من السلطان العثماني مراد الثالث (1574-1595)، وكان الجيش المغربي مزودا من قبل العثمانيين بعدد من المدافع المتطورة، والتي كان يشرف عليها قادة عثمانيون محترفون. وكان لهذه المدفعية دورا خطيرا في سحق الجيش البرتغالي. كما كان في هذا الجيش مقاتلون متطوعون من تونس والجزائر ومن عموم بلاد المغرب الكبير.
وكل هذا طبعا لا يقلل من دور المغاربة، وبسالتهم وشجاعتهم، فهم أرباب البسالة والشجاعة والفداء عبر التاريخ، كما لا يقلل من الدور البطولي والتضحيات النادرة، والخطة المحكمة، لسلطان المغرب القائد العام للجيش، أبو مروان المعتصم، ولأخيه أبي العباس أحمد القائد الميداني للمعركة، وملك المغرب بعد انتهاء المعركة.
"فكانت هذه المعركة - كما يقول المستشرق والمؤرخ الفرنسي المعاصر هنري تِرّاس (1895-1971) – المعركة الفاصلة في تاريخ الصراع بين المسيحية والإسلام، أنزلت ضربة بالطموح البرتغالي، وفككت أوصال مملكة البرتغال، لأن الدون سبستيان مات بدون وارث فخلفه خاله (فيليب الثاني) ملك اسبانيا التي اندمجت فيها البرتغال أزيد من (ستين سنة)".
وحول نتائج هذه المعركة يقول: " إنَّ انتصار المغرب على البرتغال في معركة واحدة خوَّله سُمعة دولة كبيرة، فربطت البلاطات الأوربيَّة العلاقات معه وطلبت - في بعض الأحيان - مساندته، وقد استفاد أبو العباس أحمد من هذا الخطأ في التقدير بأوروبا، وكان لمعركة الملوك الثلاثة أثرها في إضفاء مجد مبالغٍ فيه على الدولة السعدية، حتَّى في وقت تدهورها".
***