المؤامرة

فالعالم ملِيء بالأحداث التي أدَّت إلى سقوط وصعود دول، أو تَراجُع حضارات وازْدِهار أخرى، وعند تحليل هذه الأحداث وأسبابها وعواملِها ونتائجها، نجد أنَّ المؤامرة لها دَور كبيرٌ في معظم هذه الأحدَاث

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -
المؤامرة

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فالعالم ملِيء بالأحداث التي أدَّت إلى سقوط وصعود دول، أو تَراجُع حضارات وازْدِهار أخرى، وعند تحليل هذه الأحداث وأسبابها وعواملِها ونتائجها، نجد أنَّ المؤامرة لها دَور كبيرٌ في معظم هذه الأحدَاث.

 

فالتاريخ شاهِد على هذا، ومعظَم الشُّعوب على اختلاف أجناسِها وثقافتها وموقِعها الجغرافِي تَجزِمُ بوجود المؤامرة كحقيقةٍ ثابتة وليس كنظريَّة؛ فهي تَحدث في كل زمانٍ ومكان، لكن يختلف انتشارُها من مجتمعٍ إلى آخر، فمثلاً نجدها تنتشر بشكلٍ أكبر في المجتمعات التي تعوَّدَت على سماع الكذِب من قادتِها، أو التي تعيش تأخُّرًا حضاريًّا، أو التي تسيطِر عليها دولٌ عظمى.

 

ويختلِف مفهوم المؤامَرة عند من يفسِّرون الأحداث ويحلِّلون الوقائعَ، فنجد طائفةً تبالِغ في شأنها وتأثيرها، ومعظم هؤلاء إمَّا أهل عاطِفة جيَّاشة تؤثِّر على تفكيرهم، أو هم ممَّن يريدون إلقاءَ المسؤوليَّة على غيرهم وتبرِئة أنفسهم ممَّا ارتكبوه من أخطاء أدَّت إلى الفسادِ وضياعِ الحقوق في مجتمعاتهم، أو من أولئك الذين لهم مصلحةٌ في أن تبقى مجتمعاتُهم تَعيش حالةَ اليأس؛ لئلاَّ تنتعش وتنهض، أو ممَّن يريد تبرير الأخطاء التاريخية.

 

وطائفة ثانية تقلِّل من شَأْنها وتأثيرها، وربَّما تنفِيها بالكليَّة، ومعظم هؤلاء إمَّا ممَّن يبالغون في محاسبة أنفسهم وتعزير مجتمعاتِهم، أو من أولئك الذين لا يفقهون الطبيعةَ البشريَّة التي تتنَازَعها قوى الخَير والشرِّ، أو ممَّن يخشون على أنفسهم؛ لأنَّهم شاركوا في المؤامرة.

 

وسبب هذا الاختلاف: هو عدم الاتِّفاق على تعريف المؤامرة وحدِّها؛ فهناك من يجعلها تشمل جوانِبَ عديدة؛ كالجانب الاقتصادِي والفكري والاجتماعي والعِلمي والعسكري وغيرِها من جوانب الحياة المختلفة، ومنهم من يحصرها في جوانبَ محدَّدة؛ كالسياسة والدِّين، لكنَّه من المتَّفَق عليه أنَّ المؤامرة تكون من أَجل تحقيق مصلحة المُتآمِر، سواء علم بها المتَآمَر عليه أو لم يعلم بها.

 

والمؤامرات قد تكون داخليَّة، قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 48، 49]، أو خارجيَّة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}  [الأنعام: 112]، فأعداء الأنبياء من شياطين الإنس والجنِّ كانوا وما زالوا وسيظلُّون يتآمرون على الإسلام وأهلِه، ولا عجب أن يستغلَّ أعداءُ الأمَّة من المنافقين والكافرين مظاهرَ الضعف فينا واستثمارها لتحقيق مصالحهم.

 

ولا يحدث شيء إلاَّ بمشيئة الله تعالى، وقد جعل الله جلَّ جلاله سُننًا لارتقاء الأمَم وتأخُّرِها، فليس كلُّ بلِيَّة ونَكْبة هي مِن صنع أعدائنا، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].

 

فلا بدَّ أن يكون في المسلمين من يشتغلُ ويتخصَّص في دراسة شؤون أعدائنا؛ ليفضح مؤامراتِهم، ويُحذِّرَ من أساليب مكرِهم وكَيْدهم، وهو من النُّصح للأمَّة، وتبيانٌ للأجيال القادمة، قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}  ﴾ [القصص: 20].

 

وصلَّى الله وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

____________________________
الكاتب:  أحمد بن سواد