حفظ اللسان
محمد صالح المنجد
إن ربنا سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان، هذا العضو السريع الحركة، أسرع الأعضاء حركة وأنشطها، لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
- التصنيفات: تزكية النفس -
إن ربنا سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان، هذا العضو السريع الحركة، أسرع الأعضاء حركة وأنشطها، لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق 18]. فكل ما خرج منه يُكتب ويُرصد، ويُحفظ ويُجمع؛ لينشر يوم الدين، وقال النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».
وجاء سفيان بن عبد الله الثقفي إلى النبي ﷺ يقول له سائلاً: "يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا» أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
وقال ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» وقال للصحابي: فكف لسانك إلا من خير وقال لمن سأله ما النجاة؟ قال: املك عليك لسانك رواه الترمذي وحسنه، وفي حديث معاذ المشهور قال له النبي ﷺ بعد أن أوصاه: « ألا أخبرك بملاك ذلك كله، كف هذا وأشار إلى لسانه»، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم» (رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح).
ألا أخبرك بملاك ذلك؛ أي ما يحكم الأمور ويعين على تقويتها، أخذ ﷺ بلسانه وأشار إلى هذا العضو وقال قولاً بعد الفعل كف، أي: امنع هذا، هذه الإشارة والقول تدل على اهتمام الشارع بحفظ هذا العضو، وقدم عليك على قوله هذا إشارة للاهتمام بهذا الأمر، فلم يقل أمسك هذا عليك، وإنما قال أمسك عليك هذا، وهذه الإشارة في اللغة تكون لمزيد من التعيين، أو التحقير؛ لأن الناس كثير ما يتساهلون به، ولم يكتفِ ﷺ بالقول وإنما أخذ بلسانه بالفعل؛ ليدل بقوله وفعله على هذا الأمر، بياناً لصعوبة ضبط اللسان، ومعنى الحديث لا تتكلم بما لا يعنيك كما ورد في الحديث الآخر من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، وكثرة الكلام لها مفاسد لا تُحصى.
وقال الصحابي: وإنا لمؤاخذون، أي: معاقبون ومحاسبون بما نتكلم به، أي: على جميع الكلام الخارج، لأن معاذاً لا يخفى عليه أن بعض الكلام يحسب للإنسان، فقال له: وهل يكب ويلقي الناس ويسقطهم ويصرعهم على وجوههم أو على مناخرهم -وهي أول ما يصل إلى الأرض إذا سقط الإنسان على وجهه- إلا حصائد ألسنتهم، وفي هذا بلاغة نبوية عظيمة، فإنه شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود، شبهه بالمنجل، فكما أن المنجل الذي يُحصد به الزرع يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس، والجيد والرديء، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسناً وقبيحاً مثل المنجل، يحصد كل ما يأتي عليه، لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم، من الكفر، والقذف، والشتم، والغيبة، والنميمة، والبهتان.
فعليك يا عبد الله بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان، ومن صمت نجا، والإسلام في السلامة من اللسان، كما قال النبي ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه» خص اللسان بالذكر؛ لأنه يعبر عما في النفس، وهو أمضى من اليد، ولذلك قدمه على اليد، في قوله من لسانه ويده؛ لأن اللسان يؤثر ويقول في الماضين، والموجودين، والحادثين بعد، وأما اليد فيمن هو أمامها، ولذلك كان التأكيد عليه، وتقديمه في هذا الحديث.