أسئلة الصحابة رضي الله عنهم للرسول عليه الصلاة والسلام-3
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أن تُزاني حليلة جارِكَ))، هي زوجته سميت بذلك لكونها تحلُّ له، وقيل: لكونها تحلُّ معه، ومعنى تُزاني؛ أي: تزنى بها برضاها، وذلك يتضمَّن الزنا، وإفسادها على زوجها
- التصنيفات: طلب العلم -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
السؤال عن أكبر الذنوب وأعظمها عند الله؟
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظَمُ عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله نِدًّا وهو خلَقَكَ))، قلت: إن ذلك لعظيمٌ، ثمَّ أيُّ؟ قال: ((أن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك))، قلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قال: ((أن تُزاني حليلة جارِكَ))» ؛ [متفق عليه]، فابن مسعود رضي الله عنه، همَّتُه عالية، فهو حريص على سؤال ما ينفعه في دُنْياه وآخرته، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحبِّ الأعمال إلى الله، كما مرَّ في الحديث السابق، وهو في الحديث يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ وهو يسأل عن العمل الذي يحبُّه الله عز وجل ليعمله، ويسأل عن أعظم الذنب عند الله ليجتنبه.
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: ((أن تجعل لله نِدًّا وهو خَلَقَكَ))، هذا هو أعظم الذنب، إذ كيف تجعل للذي خلقَكَ وأوْجَدَكَ، ولم يشاركه أحدٌ في إيجادِكَ، كيف تجعلُ له نِدًّا تتقرَّب إليه كما تتقرَّب إلى الله، أو تستغيث به كما تستغيث بالله، أو ربما تعتقد أنه أبلغ في القُدْرة من الله عز وجل؟
وجعل النِّدِّ لله يشمل النِّدَّ في الدعاء، والنِّدَّ في الخَلْق، والنِّدَّ في الصفة، فأما النِّدُّ في العبادة، فأن تُنذر لغير الله، أو تسجد لغير الله، أو تركع لغير الله.
وأمَّا النِّدُّ في الدعاء، فأن تدعو غير الله عز وجل لكشف الضُّرِّ، وجلب النفع، ولا يستثنى من ذلك الرسولُ ولا الوليُّ.
وأما النِّدُّ في الصفات فأن يجعل أوصاف الله تعالى كأوصاف خلقِهِ، فيُمثِّل صفات الله بصفات خلقه، ويقول مثلًا: لله يد كأيدينا، أو وجه كوجوهنا، أو ما أشبه ذلك.
قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أن تُزاني حليلة جارِكَ))، هي زوجته سميت بذلك لكونها تحلُّ له، وقيل: لكونها تحلُّ معه، ومعنى تُزاني؛ أي: تزنى بها برضاها، وذلك يتضمَّن الزنا، وإفسادها على زوجها، واستمالة قلبها إلى الزاني، وذلك أفحَشُ، وهو مع امرأة الجار أشدُّ قُبْحًا، وأعظَمُ جُرْمًا؛ لأن الجار يتوقَّع من جاره الذبَّ عنه، وعن حريمه، ويأمن بوائقه، ويطمئنُّ إليه، وقد أُمِر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته وإفسادها عليه، مع تمكُّنه منها على وجه لا يتمكَّن غيرُه منه، كان في غاية من القُبْح.
السؤال عن شيءٍ ينتفعُ به:
عن أبي برزة رضي الله عنه قال: قلتُ: «يا رسول الله، علمني شيئًا أنتفع به قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين))» ؛ [أخرجه مسلم] دلَّ الحديث على فضل إزالة الأذى عن الطريق، وقد وردت أحاديث في فضل ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((لقد رأيتُ رجَلًا يتقلَّبُ في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تُؤذي الناس))» ؛ [أخرجه مسلم]. وفي رواية: «((إن شجرة كانت تُؤذي المسلمين، فجاء رجل فقطعها، فدخل الجنة))» ، وفي رواية عند البخاري ومسلم: «((بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق، فأخَّره، فشكر الله له، فغفر له))» .
قال الإمام النووي رحمه الله: هذه الأحاديث ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق سواء كان الأذى شجرة تُؤذي، أو غصن شوك، أو حجر يعثر به، أو أقذار، أو جيفة، وغير ذلك، وإماطة الأذى عن الطريق من شُعَب الإيمان، وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين، وأزال عنهم ضَرَرًا.
السؤال عن الأشياء التي تُشكل:
ذكر أهل العلم أن العلم خزائن، ومفاتيحها السؤال؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عما يُشكل عليهم، فالسؤال يُقصد به معرفة الشيء المسؤول عنه معرفة تامَّة.
فعن ابن أبي مليكة «أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حُوسِب عُذِّب)) قالت: أو ليس يقول الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]، فقال: ((ذلك العرض ولكن مَنْ نُوقِش الحساب عُذِّب))» ؛ [البخاري ومسلم]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تفهُّم معاني الحديث.
وعن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((إني لأرجو ألا يدخل النار أحدٌ إن شاء الله تعالى ممن شهد بدرًا والحديبية))، قالت: قُلتُ: يا رسول الله، أليس الله قد قال: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71] قال: ((ألم تسمعيه يقول: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]))» ؛ [ابن ماجه في السنن] فأُمُّ المؤمنين حفصة رضي الله عنها أشكل عليها ما سمِعَت من الرسول صلى الله عليه وسلم فسألت، فأوضَحَ لها ما أشكل عليها؛ قال الإمام السندي شارح سنن ابن ماجه رحمه الله: قوله: قال: ((ألم تسمعيه يقول...إلخ) فالورود غير الدخول، وأهل الجنة لا دخول لهم.
قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: اختلف في معنى الورود، فقيل: ورودها: حضورها للخلائق كلهم، حتى يحصل الانزعاج من كل أحد، ثم بعد ينجي الله المتقين، وقيل: ورودها: دخولها وحضورها، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا، وقيل: الورود: هو المرور على الصراط، الذي هو على متن جهنم، فيمرُّ الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمرُّ؛ كلمح البصر، وكالريح، وكأجاويد الخيل، وكأجاويد الركاب، ومنهم مَنْ يسعى، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف فيلقى في النار، كُلٌّ بحسب تقواه.
وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((انصر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا))، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالِمًا؟ قال: ((تأخذ فوق يديه))؛ [أخرجه البخاري].
أشكل على الصحابة رضي الله عنهم كيف ينصرون أخاهم إذا كان ظالِمًا، فسألوا، فأوضح لهم الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك.
وعن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب قُلتُ: ﴿ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ﴾ [النساء: 101]، وقد أمن الناس؟ قال: عجبتُ مما عجبت منه، فسألتُ رسول الله عن ذلك فقال: «((صَدَقة تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته))» ؛ [أخرجه مسلم].قال الإمام النووي رحمه الله: وفيه أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئًا يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم.
وعن ابن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوءٍ واحد، ومسَحَ على خُفَّيه، فقال له عمر: صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعُهُ قال: ((عمدًا صنعتُهُ يا عُمَرُ))» [أخرجه مسلم]، قال الإمام النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث جواز سؤال المفضول للفاضل عن بعض أعماله التي ظاهرها مخالفة العادة؛ لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها، وقد تكون تعمُّدًا لمعنى خفي على المفضول، فيستفيده والله أعلم
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((يا معشر النساء، تصدَّقْن، وأكثرْنَ من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثرَ أهل النار))، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: ((تكثرن، وتكفرْنَ العشير، وما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودينٍ أغلب لذي لُبٍّ منكنَّ))، قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: ((أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدلُ شهادة رجل، فهذا نُقصان العقل، وتمكث الليالي ما تُصلِّي وتفطرُ في رمضان فهذا نقصان الدين))» ؛ [متفق عليه].
قال العلامة العثيمين رحمه الله: جواز رفع الإشكال بالسؤال عن سبب الحكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يُنكر على هذه المرأة التي قالت: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟!
السؤال عن بر الوالدين بعد موتهما:
عن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه أن رجلًا قال: «يا رسول الله، هل بقي من بِرِّ أبويَّ شيءٌ أبرُّهما بعد موتهما؟ فقال: ((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما))» ؛ [أخرجه أبو داود].
السؤال عن أمر يُعتصمُ به:
عن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال: «قلتُ يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به قال: ((قُل: ربي الله ثم استقم))، قلتُ: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: ((هذا))» ؛ [أخرجه أحمد].
السؤال عن أدعية وتعوذات:
عن شتير بن شكل، عن أبيه رضي الله عنه، قال: «أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله، علِّمني تعوُّذًا أتعوَّذُ به، قال: فأخذ بكفِّي، فقال: ((قُل: اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ منيِّي))؛ يعني: فرجي» ؛ [أخرجه الترمذي].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن أبا بكر قال: يا رسول الله، مُرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بالله من شرِّ نفسي، ومن شرِّ الشيطان وشركه، قُلْها إذا أصبحت، وإذا أمسيتَ، وإذا أخذت مضجعك))» ؛ [أخرجه الترمذي].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيَّ ليلةٍ ليلة القدر، ما أقُولُ فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحبُّ العَفْوَ فاعْفُ عني))؛ [أخرجه الترمذي] وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، علِّمني شيئًا أسأله الله عز وجل؟ قال: ((سل الله العافية))، فمكثتُ أيَّامًا، ثم جئت، فقلتُ: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله الله؟ فقال لي: ((يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة))» ؛ [أخرجه الترمذي].
«عن أبي مالك الأشجعي قال: حدثني أبي أنه سمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذ أتاه الإنسان يقول: كيف يا رسول الله أقول حين أسأل ربي؟ قال: ((قُل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني - وقبض أصابعه الأربع إلا الإبهام - فإن هؤلاء يجمعن لك دُنياك وآخرتك))» ؛ [أخرجه أحمد].اللهم اجعلنا ممن يسأل ليعمل، ووفِّقنا لحُسْن السؤال، وحُسْن العمل، واجعل أعمالنا في رضاك.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ