تاريخ الأسلاف منار الحاضر والمستقبل

"تاريخ الأسلاف" في الأمم منار الحاضر والمستقبل، ما غفلت أمة عن ماضيها إلا أدبرت أيامها وقفل إقبالها.

  • التصنيفات: التاريخ والقصص -

كثيرًا ما تُردِّد ألسنةُ الأدباء وأقلام الكتاب كلمتي: « الحضارة »، و« التقدم »، وقلَّ من يحضره معناهما ويتنبه لمحتواهما، يحسب بعض قليلي المدارك أن الحضارة: هي الجري وراء كل حاضر، والتقدم: هو السير مع التطور ولو على التخبط بغير هدًى. والواقع أن حضارة الأمم هي سير الناس مع تاريخ أمجادها وآثار أمتها الطيبة.

 

نتلمس الماضي البعيد وحوله: ماء الحياة أعذب مورد، « التقدم »: هو اقتفاء التطور بخطى مترنة وثابتة بانتقاء الطيب النافع للأمة من علوم الناس - تاريخ الماضي رسول السلف إلى الخلف، ومدرسة الغافل، وميدان التجارب، ومحل العبر - وبالأخص تاريخ أمة الإسلام موسوعة الحسنات وصفحات المجد، قال الخليفة الرابع - كرم الله وجهه - ينصح ابنه: « أي بني، إني وإن لم أكن عُمِّرتُ عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وتبصرت في آثارهم حتى غدوت كأحدهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره ».

 

"تاريخ الأسلاف" في الأمم منار الحاضر والمستقبل، ما غفلت أمة عن ماضيها إلا أدبرت أيامها وقفل إقبالها.

 

"السيرة الحسنة في الأفراد" مشعل يستضىء بها المجتمع، وسوءُ التَّصرُّفِ واعوجاج الخلق معول الهدم في كيان الأمة.

 

وليس بِعامرٍ بنيانُ قومٍ *** إذا أخلاقُهم صارتْ خرابَ

 

الأمة التي تعيش في فراغ خُلقي هي كالسائمة بلا راعٍ والمواشي المفلوتة بلا راعٍ، إمَّا أن تفتك بها السباع أو تضيع هائمةً على وجهها في الفلوات والقِفار، أمَّا الأفراد المنحرفون عن مبادئ الأمة وقيمها المعنوية فهم كالجراثيم في جسمٍ صحيح. إذا كانت مقاومة الجسم قوية تضمحل هذه الجراثيم ويتلاشى أثرها، وإن كان الجسم ضعيف المقاومة تنهكها هذه الجراثيم وتزيدها وهَنًا على وهَنٍ وقد تقضي على مقاومته نهائيًّا.

 

الأفراد كاللبنة في بناء المجتمع، إذا وجدت لبنات فاسدة قبيحة المنظر في عمارة شامخة حسنة المنظر وهن البناء وأضعف من بهائها وجمالها قال الشاعر:

 

وإنَّنِي لأرَى مَنْ لا خُلقَ له *** ولا أمانةَ وسطَ القومِ عُريانَا

 

من أرفع صفات المسلم الحياء والمروءة، فالشخص الوقح في مجتمع الإسلام كالدُّمَّل على الوجه الجميل، وكالبَرَصِ على الجسم الصحيح، وكالعاري في وسط أهل الحشمة والملابس الأنيقة، ومن صفات أهل الإيمان الصدق والأمانة ووفاء العهد، فالرجل الأمين يتأسَّى بصفة سيد المرسلين الذي وصفه الله بأنه: "رسول أمين"، قال عليه والصلاة والسلام: «من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدَّثهم ولم يكذبهم، ووعدهم ولم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته»، وقال بعض البلغاء: "شرائط المروءة أن يتعفف عن الحرام، وينصف في الحكم، ولا يعين قويًّا على ضعيف، ولا يؤثر الدنيا على شريف، ولا يفعل ما يقبح الذكر والاسم".

 

إنَّ المروءةَ ليس يدركُها امرؤ  **   ورِثَ المكارمَ عن أبٍ فأضَاعَها 

أمـرَتْه نفـسٌ بالدنـاءةِ والخَنـا  **   ونهـتْه عن سُبلِ العُـلا فأطاعَها 

______________________________________________________

المصدر: «مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية»

الكاتب: زكريا المديني