الشيطان ذئب الإنسان

ثم بكيت وأنا اقرأ قوله تعالى:- { كل نفس بما كسبت رهينة}

  • التصنيفات: التوبة -

لطالما استوقفتني وابكتني الآية. الكريمة:- {{ أموات غير أحياء }} (سورة النحل:21)

قرأتها وتأملت حال المسلمين اليوم، فحزنت حزنًا شديدًا، واعتصر قلبي الألم، وبكت العين من هول ما أرت.

قلوب تائهة، نفوس مذنبة، عقول شاردة، الذنب يأتي بالذنب، والمعصية تتبعها المعصية. 

نشعر وكأن النفوس باتت فريسة سهلة لكل سقطة وزلة. 

أموات غير أحياء، نفوس بلا هدف ضائعة، لا منهج ولا دستور لها في الحياة، غفلت عن عقاب المعصية؛ فكان القلب مثل قطعة أرض قاحلة تحتاج إلى ارتواء

إنها معركة الشيطان منذ الأزل يرمي ببذور المعصية بداخل كل منا، حتى يتلذذ بها الإنسان، وتصبح له عادة ثم يتوه وينغمس في بحور الذنوب

هناك شيئًا انكسر بداخلنا، وتاهت معه أرواحنا، وباتت أنفسنا أسيرة لدى الحزن والهم، ثم نتساءل عن السبب!

 إنها الغفلة، وضياع النفس، ووحشة القلب، وتراكم الذنب على الذنب، وعدم حياء العبد من الرب. 

فيا للعجب عندما نرى عقوبات المعاصي تجتمع علينا، ثم نتساءل عن سبب حرمان القلوب بما اقترفناه من شؤم المعصية.

 نرى اليوم من هول المعاصي مايفجع قلوبنا

 ألم تعلم أيها القلب أن للذنوب آثارًا عظيمة على نفسك وغيرك!

كم من فعل كنت به ظالمًا لنفسك وغيرك 

ألا يكفينا ظلمنا لأنفسنا كي نتحمل ظلمنا لغيرنا ألا تكفينا ذنوبنا لنحمل ذنوب من حولنا. 

إذا شعرت أن هناك ظلمة في القلوب، ووحشة في الصدور، وكأن نور الطاعة تلاشى من الوجه، فيكون الداخل والخارج لدينا، كالليل البهيم من شدة سواد ما فيه من ذنوب؛ فابحث عن ذنبك! 

وإذا حرمت العلم، وانطفأ بداخلك نوره؛ فابحث عن ذنوبك! 

يقول الشافعى:

 شكوت إلى وكيع سوء حفظي

 فالهمني إلى ترك المعاصي

 وقال اعلم أن العلم فضل 

وفضل الله لايؤتاه عاص

فالله لا يعطي نور وخير العلم لمن عصى ومضى في طريق الظلمة.

ومن عقوبة فعل المعصية، أن يحرم العبد من فعل الطاعات. 

وحرمان الطاعة هو أشد ما أصابنا في زماننا هذا. 

 فإذا حرم العبد من طاعة يفعلها فليبحث عن الأسباب.

قد يكون ذنب خفي، أو يكون ذنب يفعله علنا؛ فتبدأ المعصية تحرمه طاعة وراء طاعة، حتى تنقطع عنه طاعات كانت سببًا لطمأنينة قلبه، وقربه من ربه، ورغد في عيشه.

يا الله يالها من عقوبة يعاقب بها الإنسان 

أن يحرم من الأنس بالله، تتكالب علينا المصائب تباعًا. 

مرض، فقر، جوع، قتل، كره، حسد، ابتلاءات كثيرة تنزل كالصاعقة علينا، ونحن مازلنا في غفلة، لا نفهم الرسالة الربانية.

فكم تنازلنا، وتهاونا، وفرطنا في حق الله!

كم زلت الأقدام، وتقاعست الأنفس!

كم قلبًا أصبحت حياته خاوية، ونفسه قاحلة!

هجرت القلوب العبادات، وبدلت الأحوال، ومازلنا نتساءل ونتعجب لما حل بنا وبما آلت إليه الشعوب!

ابتلاءات كثيرة، وقلوب تملؤها غشاوة.  

نرى اليوم قلوبًا كانت بالأمس شديدة الحرص على الطاعات، قريبة من رب العباد، تنبض حبًا لله، لا يكاد يومها يخلو من ذكر وعبادة، ودمعة تسقط من خشية الله.

فإذا بها تسقط، وتتعثر كثيرًا، تمشي متخبطة بين ظلمات القلب، لا تعرف ماذا حل بها!

نراها اليوم فلا نعرفها من شدة ما اتبعت من الذنوب. 

بالأمس كانت قوية لا تقدر عليها نفسها، اليوم أصبحت المعصية تجلب المعصية، فما كان إلا من وقوعها فريسة لشيطانها. 

تأملت ووقع في قلبي الخوف عندما قرأت: " الشيطان ذئب الإنسان "

وتبادر إلى ذهني أن كثيرًا ما يستدرجنا الشيطان إلى استبدال فعل الطاعات بالذنوب، ينشر شباكه علينا، ويهيأ فعل صغار الذنوب، حتى نصل للكبائر منها

يهيأ لنا المعاصي ويجملها في أعين كل نفس ضعيفة، فإذا وقعنا في فخه مرة، توالت وكثرت المرات. 

كالشاه الذي إذا ابتعدت عن القطيع، كانت فريسة سهلة لبعض الذئاب.

عند فعل ذنب، وترك طاعة، فإن القلب يكون مثل الشاة التي ابتعدت عن القطيع، نعم هو ذئب يتربص بنا ينتظر تقاعسنا عن طاعة، حتى يصطاد القلوب ويرغمها على البعد أكثر وأكثر.   

فإذا ابتعدنا عن فعل الطاعات وكثرت علينا الهفوات؛ فالنعلم أننا سنكون صيدا سهلا لذئب المعصية.  

 لنتذكر شأن الدنيا بمعاصيها فهل حقا نبيع الآخرة بكل ما فيها من خير ونعيم

ثم بكيت وأنا اقرأ قوله تعالى:- { كل نفس بما كسبت رهينة} 

كم شعرت أنها تخاطب كل منا حين نقصر في الفرائض، ونهجر القرآن، ونضيع الحقوق. 

تخاطب كل من باع سنة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، واتبع شهوات وتشبهات الغرب. 

تخاطب كل فتاة تخلت عن حيائها، واقنعت نفسها أن حجابها هذا حجاب 

تخاطب كل شاب أعلن إفلاس قلبه من العبادات، وأخر توبته.

أخشى أن الموت لن ينتظر توبتنا واستقامتنا، كم من أنفس اطمأنت، ثم غادرت على حين غفلة. 

لحظة تأمل وصدق مع النفس لكل الأعمال والذنوب، لكل الابتلاءات والمحن، التي نمر بها في هذا الزمان، ثم رددها على مسمع منك كل نفس بما كسبت رهينة.

فهل تستطيع النفس تحمل كل هذا يوم العرض على الله!!

ظللت أبكي وأبكي على ما حل بنا خوفًا أن يكون بداخلي ذنب ولا أعلمه، يكون سببًا في هلاكي وهلاك أمتي.

فكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة " هيا لتوبة ترفع عنا البلاء

الآن الآن توبة صادقة، وكفانا ذنوبًا، كفانا مجاهرة بالمعاصي، كفانا غفلة، كفانا قلة حياء من الله؛ فكل نفس بما كسبت رهينة. 

 

 ✍️فاطمة الأمير