الوقت عمار أو دمار

فيأيها الشباب: أوقاتكم فاحفظوها؛ فإنما هي أوقات تنتهب وأعمار تستلب.

  • التصنيفات: قضايا الشباب -
الوقت عمار أو دمار

روى الإمام البخاري وغيره عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
يبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المبارك أن من أعظم نعم الله التي ينعم بها على عباده نعمة الصحة و نعمة الفراغ، ثم يبين أن أكثر الناس ومعظم البشر مغبونون في هاتين النعمتين: أي خاسرون أشد الخسارة؛ ذلك أن صاحب العافية والفراغ لم يستعمل ذلك في شكر النعمة بتصريفها في مرضاة مسديها بالمسارعة في الطاعات والمسابقة في الخيرات وإلزام نفسه أوامر الله في جميع الأوقات، وإنما جعل يبحث عن وسائل اللهو واللذة والمتعة ـ الحلال منها والحرام ـ ليملأ بها فراغه ويقتل بها وقته، كما هو حال كثير من المسلمين اليوم لا سيما الشباب منهم.

إن الحديث عن الوقت يملأ القلب كمدا ويملأ النفس حسرة وألما حين تعلم أن دول العالم الإسلامي كلها تصنف ضمن دول العالم الثالث والدول المسماة بالدول النامية، حين تعلم ذلك وتنظر إلى الإحصائيات فتجد أن أكثر الدول بطالة دول الإسلام، ومتوسط العمل اليومي في بعض البلاد لا يزيد عن 17 دقيقة، وحين تعلم أن أكثر الناس تضييعا لأوقاتهم أمام التلفاز وغيره من الشاشات المسلمون، وإن نظرة فاحصة لما تقدمه هذه الشاشات من أفلام ومسلسلات وبرامج هابطة أو غير نافعة تنبئ عن مدى الاستهتار بقيمة الوقت عند كثير من الناس.

الوقت هو رأس المال:
إن الوقت هو رأس مال العبد الذي يتاجر فيه مع الله، ويطلب به سعادة الدنيا والآخرة، وبقدر ما يفوت من هذا الوقت في غير طاعة وقربة بقدر ما يضيع على العبد من السعادة في الآخرة، وهذا الوقت ـ والله ـ أغلى من الذهب والفضة فإنه لا يشترى بمال ولا يسترجع بالآمال:
عن الحسن قال: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة".

القرآن والوقت:
لقد اهتم القرآن بالوقت اهتماما عظيما:
• اهتم بالوقت حين أقسم الله به في كتابه: أقسم الله بالفجر وليال عشر، وأقسم بالصبح إذا تنفس، وأقسم الله بالضحى والليل إذا سجى، وأقسم بالعصر، وأقسم بالليل.. والله لا يقسم إلا بعظيم؛ فهذا تنبيه منه على أهمية الوقت وعظم منزلته.

• اهتم القرآن بالوقت حين ربط به عبادات المسلمين: ما بين عبادة سنوية كالحج، أو عبادة شهرية كالصوم، أو أسبوعية كالجمعة، وما بين عبادة يومية كالصلاة {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء:103].. كما ربط بالوقت أحكاما أخرى كثيرة كالعدة والرضاع والكفارات وغيرها؛ كل ذلك لتربية المسلم على الإحساس بقيمة الوقت.

• واهتم القرآن بالوقت يوم دعاك إلى استغلاله والانتفاع به: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون} [الروم:17، 18].
وسبحان مصدر بمعنى فعل الأمر أي سبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون.

{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا . وسبحوه بكرة وأصيلا} [الأحزاب:41، 42]. أي من أول النهار وآخره.
{فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى} [طه:130].

• ومن أعظم دلالات القرآن على أهميته: أنه بين حال المضيعين المفرطين في أعمارهم: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون]. {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} [الأنعام]. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر].
فهذا حال المضيعين للأوقات، والمفرطين في الساعات، كيف آل بهم الحال إلى سوء المآل، وكيف سيكون ندمهم وألمهم على تضييع الأعمار في غير طاعة العزيز الغفار.

• الوقت في السنة:
وكما اهتم القرآن بالوقت كذلك اهتمت السنة به:
روى المنذري في الترغيب والترهيب بسند حسن صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه».
وقد رواه الترمذي أيضا بسند حسن صحيح، لكنه قال: وعن جسمه بدلا من شبابه.

وفي صحيح الترغيب والترهيب عن ابن عباس، وفي مشكاة المصابيح عن عمرو بن ميمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»."(صحيح الجامع رقم 1077) ".

وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو تنتظرون الدجال فشر غائب ينتظر، أو تنتظرون الساعة فالساعة أدهى وأمر». (رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب)

وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها».رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب .

الوقت عند السلف:
لقد كان السلف يهتمون بالوقت، فلا يضيعون منه لحظة في غير منفعة، ويسألون الله أن يبارك لهم فيه وينفعهم به:
قال أبو بكر: "اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غِرة، ولا تجعلنا من الغافلين".
قال عمر: "اللهم إنا نسألك صلاح الساعات، والبركة في الأوقات"

قال عمر بن عبد العزيز: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".
وقد تعب يوما من كثرة العمل فقيل له: لو أجَلت هذا إلى غد؟ فقال: إني ليعييني عمل يوم واحد فكيف بعمل يومين؟!

قال الحسن: لقد أدركت أقواما كانوا أحرص على أوقاتهم منكم على دراهمكم ودنانيركم.
قال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك. قال: لولا أني أبادر لكلمتك قال: وماذا تبادر؟ قال: أبادر طلوع روحي.
وصدق رحمه الله فإن الوقت لا يقف محايدا أبدًا فهو إما صديق ودود ينفعك ويسرك، وإما عدو لدود يحزنك ويضرك. 
{يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} [آل عمران].

قالت رابعة لسفيان: "يا سفيان إنما أنت أيام فإذا مضى يوم مضى بعضك".
إنا لنفرح بالأيام نقطعها .. .. وكل يوم مضى يدني من الأجل

قال ابن الجوزي: ينبغي للعبد أن يعرف شرف زمانه وقيمة وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة.

قال علي رضي الله عنه: "بقية عمر المرء لا تقدر بثمن.. يحيي بها ما مات، ويدرك بها ما فات.
مر عامر الشعبي على قوم من الحاكة يلعبون في يوم عيد فقال مالكم تلعبون؟ قالوا: تفرغنا (أنهينا العمل). قال: أوبهذا أمر الفارغ؟! أما سمعتم قول الله لنبيه
 «فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب»
 

فيأيها الشباب: أوقاتكم فاحفظوها؛ فإنما هي أوقات تنتهب وأعمار تستلب. ولا تكونوا ممن قال فيهم الشاعر:
والوقت أعظم ما عنيت بحفظه .. .. وأراه أيسر ما عليك يضيع.