نحو نقلة نوعية في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم مولده
علينا في هذا الأسبوع، الأسبوع العالمي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أن نستخدم جميع الوسائل الحديثة للتعريف به، وبجماله، وعظمته، وبسنته، وبأخلاقه، وبإنجازاته
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
ردًا على الإساءات الفرنسية
مشروع الأسبوع العالمي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد،
فمع إطلالة شهر ربيع الأول من كل عام هجري يسترجع عدد من الدعاة النقاش الدائر بينهم حول مشروعية الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يراه الذين يحتفلون به يوم 12 من ربيع الأول،، بدعة حسنة يؤجرون عليها إذ يعبرون بها عن حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، ويرى الآخرون أنه بدعة محدثة، لم يدع لها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ولم تفعلها خير القرون المفضلة، بل لم يفعلها الأئمة الأربعة المتبوعون ،، ويحتدم هذا النقاش محدثًا استقطابًا ثنائيًا في الأمة، يساهم في المزيد من تمزيقها، على الرغم من شدة حاجتها في هذه الأيام للوحدة، وإدارة خلافاتها بما يحقق مصالحها العليا.
ومع امتداد هذا النقاش عبر ما يقارب الألف عام المنصرمة، واجتهاد كل فريق في دحض حجج الآخر، لم يستطع أي من الفريقين حسم هذه القضية لصالحه، فهل من العقل أن نبقى متصارعين، من أجل حماية جناب قضية قد تكون فرعية في العقيدة إذا ما قورنت بالتحديات الضخمة التي يواجهها الإسلام والمسلمون، والتي قد تهدد أصول عقيدتهم الكبرى والمتفق عليها بين الجميع ؟!
لكن الإطلالة في هذا العام مختلفة قليلة، فقد أطل علينا شهر ربيع الأول والنقاش يدور حول هذه الرسوم المسيئة لمقام نبينا صلى الله عليه وسلم، والتي تبنتها الدولة الفرنسية متمثلة في رئيسها سيء الذكر، والأيام تكشف لنا مزيدًا من أزمة فرنسا الأخلاقية، والحضارية، بضيقها ذرعًا بالآخر لا سيما إن كان مسلمًا، وتاريخها الدموي أصبح مكشوفًا للجميع،،
وعلى الرغم من عدم تبني الدول الإسلامية على المستوى الرسمي أي رد فعل على الإساءة الفرنسية البالغة، خلا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وخلا إشارات عابرة من بعض الدول الإسلامية على استحياء شديد، فإن ردود الأفعال الشعبية حملت زخمًا كبيرًا والحمد لله، الأمر الذي يحمل دلالات عديدة من أهمها ازدياد عمق الهوة بين الشعوب والحكام، وازدياد قناعة الشعوب بضآلة أو ربما انعدام صوت حكامهم على المستوى العالمي الدولي، ومن ثمّ ترسخ إيمان الشعوب أنّ عليها أن تكون هي التي تنتصر لقضاياها الحقيقية ولو كان ذلك بمنأى عن حكامها، إلا من رحم الله.
بكل حال، واستثمارًا لهبة شرائح عديدة من الأمة لنصرة نبيها، وتزامن هذه الإساءات مع احتفال شرائح عديدة أيضا من المسلمين بميلاد سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بطرق ربما يحمل بعضها اساءات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كبعض مظاهر الشرك، والغلو المذموم وغير المبرر ، لا شرعًا ولا عقلا، أو أنها في أقل الأحوال لا تخدم الرسالة التي جاء بها، لا سيما في وقت عصيب تمر به الأمة، فهي بذلك لا تمثل احتفالا حقيقيًا بقدومه محرراً للبشرية من عبودية غير الله جل وعلا، سواء من البشر، أو الأهواء، أو الأنظمة، ومخلصا لها من القيم الجاهلية، مستبدلا إياها بقيم الأخلاق الفاضلة من عدل، ورحمة، وإحسان بكل تفاصيلها، ومحاربا لجميع أنواع الفحش، والأخلاق الرذيلة، وعلى رأسها الظلم، والبغي، كما قال الله جل وعلا ﴿إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾.
أقول حتى نستثمر حبنا الحقيقي لخير الخلق نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، استثمارا حقيقيا، بعمل مؤثر، يشرفنا يوم نلقاه على الحوض، يوم نأتي لنشرب من حوضه بعد عطش رهيب، مستقبلين أشد أيامنا مشقة وامتحانا؛ يوم القيامة، استثمارا يشفع لنا به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عند ربنا، لنلحق به في الفردوس الأعلى، أدعو المسلمين في أنحاء العالم لتحويل مناسبة المولد إلى أسبوع عالمي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في ظني أفضل صور الاحتفال الحقيقي بمقدمه نورًا ورحمة للبشرية.
نحو تحويل الاحتفالات بالمولد إلى تظاهرة عالمية فكرية فعالة للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم
وبدل من أن يحتفل البعض بإقامة موالد يستمتع البعض فيها بالطعام والشراب، والأهازيج، ويقتصر آخرون على بعض المدائح وقراءة شيئا من شمائله صلى الله عليه وسلم، رغبة في إظهار حبهم له صلى الله عليه وسلم، فليكن الاحتفال الحقيقي، العمل بما أخبرنا أنه سيفرحه صلى الله عليه وسلم ويباهي به الأنبياء، يوم يرى أنّ أمته، وأتباعه هم الأكثر عددًا يوم القيامة، حيث حمل أتباعه ومحبيه رسالته، وأوصلوها إلى البشرية كلها.
علينا في هذا الأسبوع، الأسبوع العالمي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أن نستخدم جميع الوسائل الحديثة للتعريف به، وبجماله، وعظمته، وبسنته، وبأخلاقه، وبإنجازاته، ،، علينا أن نعرف بسنته في بناء الأمم، والمجتمعات، سنته في العمل السياسي المنضبط بالمثل والأخلاق والقيم، سنته في بناء الاقتصاد، سنته في النظم التعليمية، سنته في المحافظة على البيئة، سنته في الحرب، والقتال، سنته في السلم، والقانون الدولي ...
﴿ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ﴾ سورة الأعراف: 175.
أيها المحبون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا إخال مسلمًا إلا وله محب له أكثر من ماله، وولده، والناس أجمعين، علينا أن ننتقل بالأمة من الاقتصار على التعبير عن حبها لنبيها صلى الله عليه وسلم بالعواطف الجياشة على أهميتها، إلى ما هو أهم منها من العمل الدؤوب على نشر سنته صلى الله عليه وسلم لإنقاذ هذا العالم الذي ملء الدمار والقتل أرجاءه.
والله الهادي إلى سواء السبيل
د. هيثم بن جواد الحداد