وقفات في نصرة خير البريات صلى الله عليه وسلم
أيمن الشعبان
من الوسائل العملية: مقاطعة كل المؤسسات والشركات والمنتجات للجهات التي تستهزأ وتسخر من نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن المقاطعة سلاح فعال وقوي.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله وحبيبه وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من عباده، نبينا وإمامنا وسيدنا وقائدنا وقدوتنا، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صاحب اللواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود، وهو الإمام الأعظم والنبي المقدم والرسول الخاتم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام الغر المحجلين، وسيد الأولين والآخرين، السراج المنير والبشير النذير.
فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة، واصطفى من أولي العزم إبراهيم ومحمداً، واصطفى محمداً على جميع خلقه.
اجتمع في النبي عليه الصلاة والسلام أصول الكمال البشري، وحاز أعلى مراتب الدين والخُلُق، فقد كرّمه الله سبحانه وتعالى تكريماً عظيماً، وأعلى شأنه واختصه بما لم يختص به غيره من البشر إطلاقاً، سواءً بتولي الدفاع عنه – صلى الله عليه وسلم- أو تزكيته وتكريمه.
وكما قال شاعر الرسول حسانُ بنُ ثابت رضي الله عنه:
وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِيِ * وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ * كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ
ومن أعظم الشرف والرفعة والتفاخر والمجد والسؤدد أننا من أتباع خير الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم، كما قال القاضي عياض رحمه الله:
وَمِمَّا زَادنِي شَرَفًا وَتِيهًا * وَكِدتُّ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ {يَا عِبَادِي} * وَأَنْ صَيَّرْتَ لِي أَحْمَدَ نَبِيَّا
النبي عليه الصلاة والسلام هو النموذج الأمثل للتأسي والاتباع والاقتداء، قال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21].
يقول ابن كثير في تفسيره: هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ.
بعثة النبي عليه الصلاة والسلام نعمة عظيمة، ومِنَّة كبيرة، وعَطيَّة جسيمة امْتنَّ الله - تبارك وتعالى - بها على العباد؛ {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164].
وربنا جل وعلا زكى نبينا –صلى الله عليه وسلم- في كل شيء، {ومن أصدق من الله حديثا} و {من أصدق من الله قيلا}، فالذي يتحدث عن رسول الله ويدافع عنه ويذكر سيرته وخصائصه، فإنما يرفع من قدر نفسه وقدر السامعين لحديثه، وإننا نخاف على أنفسنا إن قصرنا في نيل شرف الاتباع، ومن مظاهر تزكية الله سبحانه لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم:
1- زكاه في عقله فقال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم:2].
2- وزكَّاه في صدقه ولسانه فقال جل وعلا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3].
3- وزكاه في شرعه وسمعه فقال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:4].
4- وزكاه في دينه فقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة:33].
5- وزكاه في علمه ومُعَلِّمِه فقال سبحانه: { {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} }[النجم:5].
6- وزكاه في قلبه فقال سبحانه: { {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} }[النجم:11].
7- وزكاه في بصره فقال سبحانه: { {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} }[النجم:17].
8- وزكاه في صدره فقال سبحانه: { {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} }[الشرح:1].
9- وزكاه في ذكره فقال سبحانه: { {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} }[الشرح:4].
10- وزكاه في طهره فقال سبحانه: { {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} }[الشرح:2].
11- وزكَّاه في حلمه وطبعه فقال جل وعلا: {َ {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} }[التوبة:128].
12- وزكاه في منهجه فقال سبحانه: { {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} }[الشورى:52].
13- وزكى كتابه فقال سبحانه: { {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} }[الإسراء:9].
14- وزكى أمته فقال سبحانه: { {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} }[آل عمران:110].
15- وزكى أصحابه فقال سبحانه عنهم: { {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} }[الفتح:29].
16- وزكاه في استسلامه وانقياده واستجابته لربه فقلا سبحانه: { {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} }[الزمر:12].
17- وزكاه كله فقال جل وعلا: { {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} }[القلم:4].
فقد قرن الله سبحانه ذكره بذكر نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يصح إسلام أحد حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأكثر اسم يُذكر يومياً هو اسم محمد صلى الله عليه وسلم، على أقل تقدير فقط في الصلوات من الأذان والإقامة والصلاة أكثر من مائة مرة.
ولولا محمد – صلى الله عليه وسلم - ما عرفنا طريق الهداية ولا طريق الرشاد والصراط المستقيم، فإن أعظم نعمة عليك أن هداك الله للإسلام دين الفطرة والتوحيد، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: { {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} }[الطلاق:11].
وقد ذكر شيخ الإسلام في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" أن السلف كانوا يستبشرون بقرب النصر عندما يعتدي الأعداء على مقام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العظيم سبحانه يتولى الانتقام لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولن يستطيع الأعداء أن ينالوا شيئاً بما يفعلونه، وهم مثل من يثير العجاج والغبار على السماء فيرتد التراب على رؤوسهم وتظل السماء صافية.
وقد تكفل الله سبحانه وتعالى القوي الجبار المنتقم المعز المذل؛ بنصرة نبيه – صلى الله عليه وسلم - والدفاع عنه والذب عن عرضه، من عدة جوانب وأوجه أثبتها الله سبحانه في كتابه العزيز، من ذلك:
1- قوله تعالى: { {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} }[الحجر:95].
2- وقوله تعالى: { {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} }[التوبة:40].
3- وقوله تعالى: { {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} }[الكوثر:3].
4- وقوله تعالى: { {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} }[المائدة:67].
5- وقوله تعالى: {إِ {نَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} }[المجادلة:20].
6- وقوله تعالى: { {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} }[المجادلة:21].
7- وقوله تعالى: { {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} }[التوبة:24].
يقول السعدي في تفسيره: وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله.
8- وقوله تعالى: { {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} } (الأحزاب:57).
9- وقوله تعالى: { {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} }[التوبة:61].
ويقول ربنا جل وعلا كما في الحديث القدسي في صحيح البخاري: " «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» ".
فإذا كان هذا الإعلان من العزيز الديان، بالحرب لمن عادى ولياً مؤمناً تقياً صالحاً، فكيف بمن أساء وجهر وأعلن عداءه وحربه، لقدوة الأولياء وإمام الأصفياء وأعظم الأتقياء؟!
إن هذا التبجح وتلك الإساءات المتكررة وذلكم الطعن والاستهزاء بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم – من قبل أولئك المارقين المأزومين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فإن ذلك لا يضر نبينا – عليه الصلاة والسلام – شيئاً، لأن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بنصره وعزه ورفعته والذب عنه.
إن تلك المواقف والأحداث والإساءات لا تُنقص من قدر النبي عليه الصلاة والسلام ولا مكانته، هي في حقيقتها ابتلاءٌ للمسلمين واختبار لهم، { {لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} }، من خلال إظهار محبتنا الحقيقية لنبينا عليه الصلاة والسلام، وصدق إيماننا واتباعنا له، وغيرتنا على عرضه ودفاعنا عنه بما أوجب الله سبحانه علينا ذلك.
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت * أتاح لها لسان حسود
يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: " لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ".
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن هشام قال: «كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شيءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ» .
ومن وسائل نصرته صلى الله عليه وسلم:
1- معرفة سيرته وشمائله ونشرها بين الناس.
2- تقديم محبته على كل شيء والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
3- اتباع سنته واقتفاء أثره والاقتداء بهديه، والتأسي به في كل الأحوال.
4- تعظيمه وتعظيم سنته والدفاع عنها.
5- استثمار وسائل التواصل ونشر كل ما يتعلق به.
6- من الوسائل العملية: مقاطعة كل المؤسسات والشركات والمنتجات للجهات التي تستهزأ وتسخر من نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن المقاطعة سلاح فعال وقوي.
سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.