الاستعانة بالمشركين على قتال العدو
- التصنيفات: فقه المعاملات - فقه الجهاد -
روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جئت لأتبعك وأصيب معك. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تؤمن بالله ورسوله»؟ قال: لا. قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك». قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أول مرة، قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك» قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: «تؤمن بالله ورسوله»؟ قال: نعم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم :«فانطلق» [1].
قال ابن قدامة: وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين، منهم ابن المنذر والجوزجاني وغيرهم، واستدلوا أيضا بما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالرحمن بن خبيب قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد غزوة أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم. قال: «فأسلمتما؟» قلنا: لا. قال: «فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين». قال: فأسلمنا وشهدنا معه[2].
وقال ابن قدامة المقدسي: وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة بهم، وكلام الخرقي يدل على جواز الاستعانة بهم عند الحاجة، وهو الذي ذكره شيخنا في هذا الكتاب، وبه قال الشافعي لما روى الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعان بناس من اليهود في حربه، فأسهم لهم، رواه سعيد[3].
وروي أن صفوان بن أمية خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وهو على شركه، فأسهم له، وأعطاه من سهم المؤلفة، وذكر الحديث[4].
إذا ثبت هذا فيشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة بهم؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين، كالمخذل والمرجف، فالكافر أولى[5].اهـ
وقد اشترط العلماء لجواز الاستعانة بالكفار في القتال شروطاً غير ما تقدم ذكره، فلتراجع في مواضعها.
[1] (3/1450) برقم (1817) كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر، قوله: بحرة الوبرة هكذا ضبطناه بفتح الباء، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: وضبطه بعضهم بإسكانها، وهو موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة، شرح النووي لصحيح مسلم (4/198).
[2] (25/42) برقم (15763) وقال محققوه: إسناده ضعيف دون قوله: «فلا نستعين بالمشركين على المشركين» فهو صحيح لغيره، عبد الرحمن بن خبيب والد خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن إساف الأنصاري، ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (5/278)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/230)، ولم يذكر في الرواة عنه غير ابنه خبيب، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وبقية رجاله ثقات. اهـ.
[3] سنن سعيد بن منصور (2/284) وهو مرسل، الزهري لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
[4] صحيح مسلم ص947 حديث رقم (2313)، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه.
[5] الشرح الكبير (10/121-123).
______________
د. أمين بن عبدالله الشقاوي