الزلازل ووجوب التوبة إلى الله والاستقامة على دينه

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

والواجب على المسلمين عند حدوث الزلزال التوبة إلى الله سبحانه, قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: لا شك أن ما حصل من الزلازل...في جهات كثيرة من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

{بسم الله الرحمن الرحيم }

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد: فمن أحسن ما أُنفقت فيه الأنفاس – كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله – التفكر في آيات الله وعجائب صنعه.

والله عز وجل قد حثَّ عباده على التفكر في آياته, ومخلوقاته, الدالة على عظمته وقدرته, قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى: ﴿ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ }  ﴾ [آل عمران: 190] وفي ضمن ذلك حثَّ العباد على التفكُّر فيها، والتبصُّر بآياتها، وتدبُّر خلقها.

ومن آيات الله التي أكثر من ذكرها في كتابه، ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكُّر في خلقها: الأرض, قال  الله عز وجل: { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17-20]

ومن رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل الأرض واقفة ساكنة, ليتمكن الناس من السعي عليها في مآربهم, ولو كانت متحركة لم يستطع الناس من قضاء مصالحهم وحوائجهم, فالحمد والشكر له الذي ألقى فيها الجبال الرواسي حتى لا تميد بالناس, قال سبحانه وتعالى: { وأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ}[النحل:15]

وإذا شاء الله جلت قدرته جعل الأرض تضطرب وتزلزل, والزلازل تكثر مع قرب قيام الساعة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم, وتكثر الزلازل, ويتقارب الزمان, وتظهر الفتن, ويكثر الهرج, وهو القتل» [متفق عليه]

وزلزلة الأرض, عبرة وموعظة, وآية من الله لعباده منذرة، فقد زُلزلت المدينة النبوية، في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فخطبهم، ووعظهم، وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها.

وقال كعب الأخبار رضي الله عنه: إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها المعاصي, فترعد فرقاً من الرب جل جلاله أن يطلع عليها.

وقال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض: إن ربكم يستعتبكم.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومعنى استعتاب الله عبده أن يطلب منه أن يُعتبه, أي يزيل عتبه عليه بالتوبة والاستغفار والإنابة. فإذا أناب إليه رفع عنه عتبه.

وزلزلة الأرض تخويف من الله عز وجل لعباده, ولها أسباب, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده, كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات, والحوادث لها أسباب وحكم, فكونها آية يخوف الله بها عباده, هي من حكمة ذلك. وأما أسبابه: فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض, كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق, فإذا انضغط طلب مخرجاً, فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض.

وقال تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله: ولما كانت الرياح تجول فيها, وتدخل في تجاويفها, وتُحدثُ فيها الأبخرة فتختنق الرياح, ويتعذَّرُ عليها المنفذ أذن الله سبحانه لها في الأحيان بالتنفس فتُحدثُ فيها الزلال العِظام  فيحدثُ من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم.

فحدوث الزلازل وإن كان له أسباباً معلومة إلا أن الله عز وجل يُحدثهُ لحكمة, وهي تخويف العباد, فينبغي لهم التوبة إلى الله, والإنابة إليه, وأن يتأثروا, ويخافوا, قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الناس الآن يسمعون بالزلازل؛ ولكنهم لا يرونها أنها غضب من الله عز وجل؛ ولكن يرون أنها أمر طبيعي، ولهذا لا يتأثَّر الإنسان بها إطلاقًا، وكأنَّها لا شيء، بينما ونحن صغار كنَّا إذا سمِعنا أن الأرض زُلزلت في أُحدٍ نرتجف ونحن في بيوتنا آمنون؛ لأنه ما كان أحد يقول لنا: إنه هذا طبيعي، وهذا أمر لا يهم، وهذا أمر كائن لا محالة.

هذا حال الناس في هذه الأزمنة المتأخرة, أما في السابق فقد كان حالهم بخلاف ذلك, قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه: " العبر في خبر من عبر " في حوادث سنة ثلاث وثلاثين ومائتين هجرية: فيها كانت الزلزلة المهولة بدمشق...وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله, ومات عدد كبير تحت الردم...فيقال إنه هلك عشرون ألفاً.  

وذكر الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه: " كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة " عدداً من الزلازل التي حدثت في هذا الأرض, منذ خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وإلى سنة ( 905 هجرية) وكان مما ذكره عن حال الناس في بعض الزلازل أنهم يفزعون إلى الله تعالى بالدعاء, وأنهم يضجون بذكر الله.

والزلازل تُحدث الدمار والخراب في البلاد, وتزلزل قلوب العباد, يقول من شهد الزلزلة الذي  حدثت سنة ( 458 هجرية):  كتابي...عن نفس زاهقة, وأحشاء راجفة, وعقل ذاهب, وقلب ذاهل, وعين ممطرة, ودموع منسكبة, وغموم في الصدر مقيمة, وهموم على الفؤاد مخيمة, مما دهينا به...من زلزلة شديدة, وهدة عظيمة, تصدعت منها الجبال, وتشققت منها التلال, وانقلبت القرى بأهلها, واستؤصلت من أصلها, ولم يسلم من ساكنيها إلا القليل, وهذا لعمري الخطب الجليل, وخرب أكثر بنيان البلاد, وهلك خلق لا يأتي عليهم العدد, وقامت القيامة قبل أوانها, وبدت آثار الساعة قبل أبانها, وكثر الويل والعويل, ولم ينج من الناس إلا القليل, والناس حيارى على الزائل, سكارى من الهول الهائل, والأرض تمرغ وتميد, وليس عما قضاه الله محيد.       

والواجب على المسلمين عند حدوث الزلزال التوبة إلى الله سبحانه, قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: لا شك أن ما حصل من الزلازل...في جهات كثيرة من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده, وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد, ويسبب لهم أنواعاً من الأذى, كله بأسباب الشرك والمعاصي, كما قال الله عز وجل: {ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:3] فالواجب على جميع المكلفين من المسلمين وغيرهم, والتوبة إلى الله سبحانه, والاستقامة على دينه, والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي, حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء ويمنحهم كل خير...والواجب عند الزلزلة وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات البدار بالتوبة إلى سبحانه, والضراعة إليه, وسؤاله العافية, والإكثار من ذكره واستغفاره.

نسأل الله الكريم الرحيم أن ينجينا من عقابه وعذابه في الآجل والعاجل.  

                                  كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ  

ملحوظة: قال الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي محقق كتاب "كشف الصلصة عن وصف الزلزلة " : إن مؤلف هذا الكتاب أعني الحافظ العلامة السيوطي رحمه الله, قد أجاد في تصنيفه, وأفاد في الموضوع حيث اختاره, ولا يخفى ما فيه من عبرة وموعظة لمن اعتبر, واتقى ربه, إلا أنه حشر فيه كل ما وجد من موضوعات, وضعاف, وإسرائيليات, وخرافات, مما لا ينبغي لأحد أن يعتقده.