صُنْ
محمد عزت السعيد
إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليمــــــــًا مِن الأذى وَ دينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُــــــكَ صَيِنُّ
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَــورَةَ امـــــــــــــــــــــرئٍ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّــــــــــــــاسِ ألسُنُ
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
من أبجدية السعادة الزوجية : صُنْ
الإسلام دين نظيف لا يعرف القاذورات بشتى أنواعها: خُلقِيَّة أو غيرها، طاهرٌ لا يعْرف الرِّجس ولا النَّجس الحِسِّي كان أو المعنوي، يحمي أعراضَ النَّاس كافَّة، والمؤمنين على وجه الخصوص، فلا يُبيح للمسلم أن ينالَ من عِرض أخيه بلفظٍ أو قولٍ أو إشارة، قال تعالى: ﴿ {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} ﴾ الهمزة:1 يقول الطبري في تفسيره: " ويعني باللمزة: الذي يعيب الناس، ويطعن فيهم". فحرم الكذب والغيبة وشدد في النهي من الزور والبهتان والإفك، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب والآثام.
وهو في ذات الوقت يَعتبر صيانة العْرض إحْدى الكُليَّات الخَمس التي جعلها الإسلام ضروريَّة لحياة الإنسان وهي: الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعِرْض، واتخذ من الإجراءات والضمانات لحفظ وصيانة هذه الكُليَّات.
وللمحافظة على الأعْراض وصيانتها فقد حرَّم الإسلام النَّظر إلى الأجنبية والخُلوة بها، وحرَّم الزِّنى ودواعيه وجعل له حدًا، وحرَّم قذفَ المحصَنات وجعلَ له عقوبة وحدًّا، كل ذلك من التشديد هو بهَدف صِيانة الأعراض وحِفظها، ونظافة المجتمع من كل ما يلوثه من ملوثات خلقيةّ تودي في النهاية إلى انهيار المجتمع وتماسكه.
بل إن القارئ لآيات القرآن الكريم يجِد توجيهه للنبي – صلى الله عليه وسلم - وآل بيته، وهم الصَّفوة من خَلقِه، وكيف كانت أوامره لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجوب صِيانة أمهَات المؤمنين وحمايتهم من خِلال فرضِ الحجاب عليهن، وعدم انكشافهن للعامة، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] ، وقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }[الأحزاب:32]
وفي العديد من أحاديث السنة النبوية المطَهَّرة يؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على التزام الأدب والبعد عن الوقوع في أعراض الغير بأي شكل من الأشكال، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " «من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال» ". ورَدْغَة الخَبال: عصارة أهل النار."
وفي ظل الانفتاح الأخلاقي في هذا العَصر، وتَداخِل الأدوار في التربية وترسيخ القِيم، فإنَّ على الأسرة أن تقوم بكامل دَورهَا في صيانة أفرادها وحمايتهم من الانحراف الأخلاقي والسلوكي، والرَّجُل كونُه راعي الأسرة والمسؤول عنها في المقام الأول فهو المنُوط به أن يؤسس للقيم والأخلاق النَّبيلةِ، يبدأُ بنفسه في الالتزام بالنهج الرباني الكريم في عَدم الوقوع في أعْراض الآخرين قولاً وفعلاً، وثمَّة شيء آخر يجب عليه القيام به، وهو تأصيل هذه القيم في نفوس أسرته: زوجته وأبنائه وبناته، فالحشمةُ والحيَاء وغَضُّ البَصرِ وحفظ اللسان أسسٌ هَامة في صيانة الأسرة من الرذائل والدنايا الخُلقيَّة، ولله درُّ القائل إذ يقول:
إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليمــــــــًا مِن الأذى وَ دينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُــــــكَ صَيِنُّ
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَــورَةَ امـــــــــــــــــــــرئٍ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّــــــــــــــاسِ ألسُنُ
وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليـــــكَ مَعــــــــــــــــــــايِبًا فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ
وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى ودَافع ولكــــــــن بالتي هِيَ أحسَنُ
فصن لسانك من الوقوع في أعراض الناس، وصن عِرضَك بعدم الوقوع في أعراضهم، ودرِّب أبناءك وربِّهم على ذلك، وإن من العجيب أن تجد الانفصَام واضحًا فيما يفعله بعضهم في غَيرتِه الشَّديدَة على أهل بيته، ثم لا يَسْلم لِسَانه من الوُقوع في أعْراضِ الآخرين، بل وإنَّه من المُبكي أن تجدَ الرَّجل يتحدث عن مَكارم الأخْلاق: العِفَّة والحِشمة والحَياء، ونفرٌ من أهل بيته بعيدون كل البعد عن ذلك، والأصْلُ أن يقوم الزَّوج والزوجة بتربية أبنائهما على هذه الأخلاق النبيلة، والشِّيم الأصيلة، والتي هي من مكارم الأخلاق التي عرفها العَربي حتى قبل قُدوم الإسْلام، يقول المقَنع الكِندي وهو من شعراء العصر الأموي:
وإنّ الــــــــــــذي بـيـنـي وبـيــن بنــــــي أبـي وبـيــن بـنـــي عَـمـــي لمختــلــفٌ جـــــــــــــــــــدّا
إذا أكـلـوا لحْمـي وَفـرْتُ لـحـــــــــومَهُــم وإنْ هــدَمـوا مَجــــــــــــــدي بـنيْـتُ لهـم مَجْدا
وإنْ ضـيّـعوا غيبـي حفظـتُ غيوبَهـم وإنْ هـم هَــوَوا غيِّـي هويتُ لهـم رُشــدا
وإن من الأمور الجالبة للسَّعادة الزوْجية والاستقرار الأسري، هو المحافظةُ على الآخَر وصيانة حقه وحمايته، وحفظ العرض من هذه الحقوق، فذلك أدعى إلى استقرار المجتمع وهدوئه، وانتشار القيم النبيلة فيه.