الآثار المترتبة على تخلي المرأة عن موقعها

الله سبحانه خَلَقَ المرأة، وهو أعلم بما ركب في طباعها وجِبِلَّتها؛ لذلك شرع لها ما يناسب طبيعتها وتكوينها، ومنَ المعلوم عند كلِّ ذي لُب أنَّ المرأة من طبيعتها الرقة، والضعف، والعاطفة، التي تغلب العقل أحيانًا كثيرة...

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

الحمدُ لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهو الحكيم الخبير، والحمدُ لله الذي يعلم مَن خَلَق وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على مَن أَرْسَلَهُ الله تعالى رحمةً للعالمين، فأخرج به الناس مِنَ الظُّلمات إلى النور، وبيَّن لهم السبيل القويم إلى الله تعالى.

أما بعدُ:
فمِن آيات الله تعالى وحكمته البالغة أن خَلَقَ الإنسان من جنسين: ذكر، وأنثى، ولم يفرد الخلق من جنس واحد، ومنَ المقرر لدى أهل الإيمان أنَّ الله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، والله تعالى ما خلق شيئًا عبثًا سبحانه؛ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: 27]، وعلى ذلك فالله - جل وعلا - قد خَلَقَ كل شيء بحكمةٍ ولحكمة، وأمدَّ ما خلقه بما تظهر فيه آثار الحكمة الإلهية، فهو - تبارك وتعالى -: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]. 

قال ابن كثير: "أعطى كل ذي خَلْق ما يصلحه من خَلْقه، وأعطى كل شيء ما ينبغي له، وهيَّأ كلَّ شيء على ذلك"[1].

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي: "لا شكَّ أنَّ اللهَ أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولا شكَّ أنه أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشكل المناسب له من جنسه في المُناكَحة، والأُلفة، والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به، فسبحانه جل وعلا! ما أعظمَ شأنَه، وأكمل قدرته!"[2].

رعاية الإسلام لطبيعة المرأة:

الله سبحانه خَلَقَ المرأة، وهو أعلم بما ركب في طباعها وجِبِلَّتها؛ لذلك شرع لها ما يناسب طبيعتها وتكوينها، ومنَ المعلوم عند كلِّ ذي لُب أنَّ المرأة من طبيعتها - آصلة إلا ما شذ - الرقة، والضعف، والعاطفة، التي تغلب العقل أحيانًا كثيرة، مع كونها جوهرةً مكنونة، ودرَّة مصونة، تتنقل من رعاية إلى رعاية، فمن بيت أبيها إلى بيت زوجها، ويقوم على شؤونها أولياؤها، وهذا مُقَرَّر عند بني البشر، ومشاهدته لا تحتاج إلى إقامة البراهين عليه.

فلما كان هذا هو حال المرأة، والله تعالى لا تخفى عليه خافية، فهو أكثر إحاطة وأعلم بمخلوقاته وما يناسبها منَ الأمور؛ ولأن الله تعالى يريد بخلقه اليُسر، ولا يريد بهم العُسر، ويَتَحَبَّب إليهم بالنِّعَم في مرحلة خلافتهم للأرض، فلما كان الأمرُ كذلك، جَعَلَ الله تعالى لكل جنس من عباده ما يناسبه من الأحكام التي تتوافَق مع طبيعته وجبلته، بحيث يسهل عليه تحصيل مصالحه بلا مَشَقَّة.

فجاءت التشريعات الإسلامية المتعلِّقة بالمرأة مناسبة لطبيعتها، وعاملة على مصلحتها، وضمان صيانتها، والحفاظ عليها، والتكفل لها بالحقوق على الآخرين، ورُتِّبَ الثواب والعقاب على هذا أيضًا، وما هذا إلا لشدة اهتمام الإسلام بالمرأة.

وكما أعطاها الإسلامُ الحقوقَ، وكفل لها الصيانة والحفظ، طالَبَهَا بالواجبات التي تتناسَب معها، ولا يصلح أحد أن يحل محلها فيها؛ لأنَّ الله سبحانه جَعَلَ مثل هذه المصالح التي تقوم عليها الدنيا لا تصلح إلا بقيام المرأة بدورها فيها.
 

مكانة المرأة في الإسلام:

لقد كَرَّمَ الله تعالى المرأة، وشَرَّفها بالكثير منَ الخصال الحميدة، والمناقب الشريفة، والأدوار الرئيسة في المجتمع التي لا يصلح للقيام بها إلا المرأة، فمن تشريف الله تعالى للمرأة:-
أولاً: العبودية:
فكفى بالمرء أن يكونَ عبدًا لله تعالى، مستسلمًا لشَرْعِه، مطيعًا له ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا منقبة، يَتَساوَى فيها المكلفون أمام الله تعالى، من حيث أصلُ التشريع، فلا فرق بين ذكرٍ ولا أنثى، بل الكل عباد لله تعالى طَوْعًا أو كَرْهًا؛ قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]، وكذلك الأصل في كلِّ نداء وخطاب في القرآن أنه مُوَجَّه للمرأة وللرجل، إلاَّ ما خص الله تعالى به الرجل أو المرأة بحكمته البالغة.

ثانيًا: الزوجيَّة:
منَّ الله تعالى على المرأة بالمرتبة المساوية للرجل في إقامة الأسرة؛ لأنَّ المرأة هي الركنُ الثاني في الزَّواج، فبهما قوام الأسرة التي هي نواة المجتمع، والذي به تَتَكَوَّن البشريَّة وتعمر الأرض؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وقال - جلَّ وعلا - مُبَينًا نعمته على خلقه في هذا المقام: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، وبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهمية المرأة في الحياة فقال: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» [3].

وأعطى الإسلامُ المرأة حقوقها المسلوبة، وجعل لها كرامة كانت ممتهنة عند السابقين من الجاهليين أو غيرهم، فجاء الإسلام وسطع ضوءُه على كل ظلام، فأخرج المرأة من جور الأديان إلى عدل الإسلام ورحمته، واعتبر إرادتها ورغبتها وحقوقها المالية، وجعل الرجل قَيِّمًا عليها، يرعى لها شؤونها ومصالحها لتقوم هي بالدور الذي أنيط بها كزوجة.

وحَثَّ الشرعُ الزوج على القيام بدوره تجاهها بالعدل والقسط والإحسان؛ كما في قوله:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم  «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» [4]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن» [5].

بل حتى عند استحالة العيش بين الرجل والمرأة واللجوء إلى الطلاق، حَذَّر الشرعُ من بخس المرأة حقها، أو استرداد صداقها، ما لم يَكُنْ خُلعًا أو تنازلًا على ما في كُتُب الفقه من تفاصيل، ولكن المهم هنا حماية الشرع لحق المرأة عند الطلاق؛ قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [بالنساء: 20].

فانْظُر - رحمني الله وإياك - إلى مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام كزوجة، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب البصر حاملاً المزيدَ مِن تكريم الإسلام للزوجة، فيكفي أنها غير ممتهنة بل مصونة محفوفة بالرعاية والكلاءة من زوجها على الوجه الذي يرضي الله - جل وعلا.

ثالثًا: الأمومة:
لقد خَصَّ الشرعُ الحنيف الأمَّ بالمكانة العظيمة، والمنزلة الرفيعة، وجَعَلَ طاعتها - ولو كانتِ الأم على غير الإسلام، ما لم تأمرْ بمعصية - مناطَ الثواب والعقاب، وسبيلاً للجنَّة أو النار.

فحثَّ الإسلامُ على برِّ الوالدين، وأشار القرآن إلى معاناة الأم خصوصًا، والتي لم يشاهدها الإنسان حين الحمل، ولم يُدرك مشقتها حين تربيته في صغره، فلمَّا بلغ أشده واستوى، أخبره الله تعالى في غير ما آية ليعلم فضل الأم عليه، فيعمل جاهدًا على طاعتها وبرِّها، وما هذا إلا لفضل المرأة في الإسلام، ورفيع مكانتها، ففي ذلك قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 14، 15].

أخرج البخاري عن أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللّه، مَن أحقّ النَّاس بحُسن صحابتي؟ قال:  «أمُّك»، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: «ثمَّ أمّك»، قال: ثمَّ مَن؟ قال: «ثمَّ أمّك»، قال: ثمَّ مَن؟ قال: «ثُمّ أبوك» [6]، وحَذَّرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث من عقوق الأمهات؛ كما في حديث البخاري، عن المغيرة بن شعبة، عن النَّبي - صلَّى اللَّه عليه وسلم - قال: «إنَّ اللَّه حرَّم عليكم عقوقَ الأمَّهَاتِ، وَمَنعًا وَهَاتِ، وَوَأدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكم قِيلَ وَقَالَ، وَكَثرَةَ السّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ» [7].

رابعًا: البنوة:
لقد اهتمَّ الشرعُ بالمرأة من حين ولادتها إلى أن تُسلمَ إلى زوجها، وجعلها في كفالة أبويها، يقومان بشأنها، ويصلحان أمرها، فضلاً عن إبطال الشرع الحنيف مأساة وأد البنات في المجتمع الجاهلي؛ بل جَعَلَ ذلك منَ الذنوب العظام التي تستجلب سخط الله تعالى لما فيه من قتل النفس بغير حق.

وتكريمًا للمرأة خَصَّ الشارعُ تربية البنات بالفضل والثواب؛ كما في الحديث الذي أخرجه مسلم، باب "فضل الإحسان إلى البنات": أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: جاءتني امرأةٌ ومعها ابنتان لها، فسألتني، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرةٍ واحدةٍ، فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فحدثته حديثها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن ابتُلي منَ البنات بشيءٍ فأحسن إليهنَّ، كُن له سترًا من النار» [8].

فبعد هذه الإطلالة السريعة على مكانة المرأة في الإسلام، لا يشك عاقل مُنصف في مرتبة المرأة في الإسلام، وعلوّ شأنها، وعليه؛ فمَن كان هذا قدره، عُلم أنه كما له حقوق عليه واجبات.

دور المرأة في الحياة:

وهذه الواجبات هي الواجبات الفطرية التي أَوْجَبَهَا اللهُ تعالى على المرأة، وَفَطَرَها عليها، وَجَعَل خَلْقها وخُلُقها معينًا على ذلك، فلا تخرج المرأة عن أحد قسمين رئيسين لدورها في الحياة:-
الأول الدور الرئيس:
وهذا يَتَمَثَّل في كون المرأة لا تخرج عن كونها أمًّا أو زوجةً أو ابنة.

أولا: دور الأمومة: 
فالأمُّ لها دور عظيمٌ في تربية الأبناء وصلاحهم، وعدم قيامِها بذلك ينعكس على الأبناء، فالأمُّ هي القائمة على حاجة الأبناء البَدَنيَّة والنَّفسيَّة، وهي المراقبة لهم ولسلوكياتهم في الأعمِّ الأغلب، لما عُلم وتقرر من أن الرجال يقضون أغلب ساعات اليوم خارج المنزل لكَسْب العيش، والمرأة تمكث في البيت للقيام بدورها العظيم الذي لا يصلح الرجل للقيام به.

فالأمُّ هذا المخلوق الرقيق الذي يبث الحنان والعاطفة في الأولاد، الأم التي تناقِش أبناءها، وتستمع لمشاكلهم، الأم التي تقوم على إصلاح شأنهم، وتدبير أُمُورهم، الأمُّ التي تصنع لهم الطعام والشراب وغير ذلك، الأم التي توفِّر لهم الجوَّ المناسب الذي يَنْشَؤُون فيه نشأة إسلامية على كتاب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم.

فتراقب أقوالهم وأعمالهم والتزامهم بأوامر الشرع، وتُراقب أخلاقهم، وتعطيهم من رعايتها ما تروي به عطش النفس الإنسانية للرعاية والاهتمام، والأحاسيس الجميلة الخالصة، التي لا تُكَدِّرها الشوائبُ.

فبالفعل لا تجد أحدًا أحرص على مصلحة أحد، كحرص الوالدين على مصلحة أبنائهم، وهي في هذا ممتثلة أمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وممتثلة لأمر رسول الله - صلى اله عليه وسلم -: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» [9].

ثانيًا: دور الزوجية:
هذا منَ الأدوار العظيمة للمرأة التي خَصَّها الله تعالى بها؛ كما في قوله تعالى: {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إليها} [الروم: 21]، فهذا رعاية الجانب النفسي في حياة الرجل، والذي يشكل الجانب الداخلي لآثار سُلُوكه الخارجي.

فإذا سكن الرجل إلى زوجته وحصلت الأُلْفَة، تَرَتَّبَ على ذلك العديد من المصالح التي لا يعلمها إلا الله؛ مما يكون دافعًا للرجل وللمرأة على السَّيْر في الحياة، بعد إشباع الجانب النفسي لكلِّ منهما.

وكذلك ما رَسَمَهُ القرآن في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، في الكناية عن السكون والجماع، ولقاء الرجل بزوجتِه بجسديهما مما فيه إشباع لرغبته ورغبتها، التي جبلهما الله تعالى عليها، وفَطَرَ كلاًّ منهما على الشوق للارتشاف من الآخر، وهذا يحصل به من المصالح ما لا يحصره إلا الله تعالى، من غضٍّ للبصر، وقضاء الوطر، والعفَّة، وطلب الولد، وهدوء النفس، وإعطائها حقَّها، مما جبلت عليه من الحاجة للجنس الآخر، بالإضافة لصفاء الذهن، وهدوء النفس؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا الرَّجل دعا زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التَّنُّور» [10].

ويبيِّن دور المرأة في حياة الزوجية قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرأة الصالحة: «التي تسره إذا نَظَر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» [11].

بالإضافة إلى تدبير شؤون المنزل، والقيام على حاجته بما هو معروف في كلِّ عصر ومصر، فيه يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة"[12].

ثالثًا: دور البنوة:
للمرأة دور عظيم لا يغفل عنه، وهو دَوْرُها في منزل والديها بمساعدتهما، والقيام على راحتهما، وتخفيف عبْء الأعمال المنزليَّة عن أمِّها خاصَّة، والقيام عليهما عند كبرهما وطعنهما في السن، وهذا ما نراه ونلحظه في الواقع المشاهَد؛ ولذلك حَثَّ الشرعُ على رعاية الآباء والإحسان إليهما؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 23 - 25].

الثاني: دور المرأة الكفائي:
القصد من هذا القسم هو الإشارة إلى ما قد يحتاجه المجتمعُ المسلمُ مِن وجود للمرأة في الأعمال المعينة التي تَتَنَاسَب مع الشرع من ناحية، وتَتَنَاسَب مع طبيعة المرأة من ناحية، وكذلك بأن يصدق احتياج المجتمع لهذا الأمر.

ومثاله: قطاع الصِّحَّة والتعليم، فالمجتمعُ المسلمُ في حاجة شديدة لوُجُود الطبيبة المسلمة، التي تقوم برعاية نساء المسلمين، وكذلك في حاجة شديدة للمعلمة المسلمة التي تقوم بتعليم البنات والنساء.

وهذا الدور دور كفائي؛ لأنه يجب أن يقوم به بعض النساء اللواتي بهن يسقط الإثم عن مجتمع المسلمات، وتُشبع حاجة المجتمع، وتُسد خلَّته.

الآثار المترتِّبة على تخلِّي المرأة عن دورها:
فإذا كان هذا دور المرأة في الحياة، وكذلك هو دور المرأة شرعًا، فهل يُمكن للمرأة المسلمة - أصْلَحَهَا الله تعالى - أن تَتَصَوَّرَ ما الذي يُمكن أن يَتَرَتَّبَ على تخلِّي المرأة عن دورها في المجتمع؟ هل يُمكن للمرأة أن تَتَصَوَّر مغبة تركها للدور المنوط بها، وخروجها خارج المنزل، وتركها الثغر الذي تقف عليه للبحث عن دور زائف يجر بخيام الحسرة والخسارة في الدنيا والآخرة؟!

وهذه الآثار نتعرض لها من خلال النقاط الآتية:
أولاً: الأمومة:
إنَّ الأبناء في حاجة للرعاية والمُراقبة والمتابَعة، والتقويم والعاطفة، والاحتواء والركن الذي يسكنون إليه بمشاكلهم، فإذا تركت المرأة دور الأم بأيَّة صورة، ولأيِّ سبب، وقعتْ في التفريط والتضييع للأمانة التي وكِلت إليها من ناحية، وعرَّضت نفسها لغَضَب الله تعالى وسخطه.

ومن ناحية أخرى، فإن الأبناء يتجهون لإشباع حاجتهم عند مَن قد يلبي لهم رغباتهم، ولذلك قد يجنحون إلى المورد الذي يستقون منه الإشباع، ما بين منحرف ملحد، وعلماني ومشرك.

وينشأ جيلٌ ضائع يخرِّب بدلاً مِن أن يعمِّرَ، وَيَتَخَلَّى عن دوره في قيادة العالَم، إلاَّ أن ينخرطَ في العالَم، وتذوب هُويته في ظُلُمات السُّبُل الكالحة، التي يعج بها وجه العالَم في حال غياب ضوء الإسلام وهَدْيه.

بل إنَّ فجوة كبيرة تحدُث بين الولد والأم، لا تظهر آثارها إلاَّ عندما ينضج الولد، وتشعر الأم منه بالجفاء والقسوة والغلظة، ولا يلزم من هذا أن يبدوَ منه الفحش في القول والعمل، ولكن يكفي عدم الشعور بالاهتمام والانتماء لها.

وما هذا إلا ردُّ فعلٍ متأخِّر لما زرعتْه الأمُّ في الولد بغيابها عنه في أشد الأوقات حاجة إليها، فسبحان القائل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، ولا عاصم للابن منَ الانسياق خلف آثار صنيع أمه إلا الله تعالى والالتزام بشرعه، فنحن نرى ونسمع ما الذي يَتَرَتَّب على تخلِّي الأم عن دورها في ظلِّ غياب الإسلام عن الأُسَر والمجتمعات.

ثانيًا: الزوجيَّة:
فإذا قَصَّرَتِ المرأةُ في حقِّ زوجها لحقها أحد شقي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فإنَّما هو جنتك ونارك» [13]، وبالتأكيد المفرطة ليست بمطيعة لتدخل الجنة عن طريق الزوج.

ولحقها مفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -:  «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة» [14]، فما بالها لو مات وهو عليها ساخط؟!

ويؤيده قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجدَ لأحد، لأمرتُ النِّساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل الله لهم عليهن من الحق» [15].

بل إن المرأة بتقصيرها في إشباع رغبة زوجها تدفعه لعدم الشعور بالاكتفاء والعفة، مما يدفعه للسَّعي في تحصيل حاجته، فإن كان صالحًا فبالزواج الثاني، وقد يَتَسَبَّب تقصيرها في حقِّه في تطليقها أيضًا، وإن كان ضعيف الإيمان حاول إشباع حاجته بالطرق المحرمة، والمرأة شريكته في الإثم في ذلك؛ لذا ترتبت على هجرها الفراش عقوبة عظيمة؛ كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة» [16].

فالمرأةُ المقصِّرة في حقِّ زوجها بتفضيل الأدوار الأخرى على دورها كزوجة، تُعَرِّض نفسها للخسران في الدنيا والآخرة، وتخلع لباس الفطرة وجلباب الواجب الشرعي، فلا تلومنَّ إلا نفسها.

ثالثًا: البنوَّة:
إذا قَصَّرَت البنت في حقِّ والديها، فإنه عقوق وكبيرة من الكبائر العظام التي لا تُرضي الله تعالى؛ بل هو في العُرف البشري نكران للجميل، وجحود للمعروف.

وكثيرًا ما سَمِعْنا عنِ الأبناء الذين يُرسلون آباءهم إلى دُور المسنين في نوعٍ منَ التَّخَلِّي عنهم من أبنائهم، بصورة لا يرضى الله تعالى عنها، وكيف يرضيه وقد تواتَرَ وُجُوب حق الوالدين على الأبناء؟!

وما أريدُه هنا هو الشِّقُّ الذي بين الأم وابنتها، فبوصول البنت لمرحلة النضوج أو الزواج لم ينقطع حق الوالدين عليها؛ بل يلزمها أن تسدِّد وتقارب، وتراعي زوجها وأسرتها، ولا تنسى حق الوالدين عليها، فما بالك لو شُغلت بما دون ذلك، كالعمل الذي لا حاجة فيه، وغيره من الأمور التي ليس فيها لا صلاح الدُّنيا ولا الدِّين؟!

رابعًا: المستوى الكفائي:
إنَّ تفريط المرأة في هذا الأمر سببٌ في إثْم القادرات على سدِّ حاجة المسلمين من ناحية مجالات مهمَّة؛ مثل: الطب، والتحاليل، والصيدلة، والتعليم، ونحوها من المجالات المشروعة التي يحتاج إليها النساء والرجال، وبالطبع ليس أفضل من قيام المرأة بالتعامل مع امرأة مثلها في ظلِّ الضوابط الشرعية لعمل المرأة، بل إنَّ الأمرَ في بعض الأحيان يَتَعَيَّن على المسلمات للقيام به، خصوصًا في مسائل الولادة وأمراض النِّساء.

فلا أخبرك عن عدد المسلمات التي يطَّلع الرجال على عوراتهن عند الكشف والولادة في دول إسلامية كثيرة، فلمدة تسعة أشهر والطبيب ينظر ويتحَسَّس من المرأة ما لا يحل إلا للزوج، فما بالك لو كان هذا الطبيب نصرانيًّا؟!

فالمسلمة مطالبة وجوبًا مع القدرة على سدِّ هذه الفجوة؛ درءًا لشر انكشاف العورات، ودرءًا لمنح أعدائنا فرصة علاجنا بما قد يكون مفسدًا لنا في ديننا أو أبداننا.

وكذلك أمر التعليم؛ فإن وجود المرأة في هذا القطاع مهم، خصوصًا في مراحل التعليم الثانوي والجامعي، لما في هذا السن منَ التغييرات التي يتعرض لها الفتيات، فيحسن قيام المرأة على تعليمهن ورعايتهن ومناقشتهن؛ بل إنه من الأهمية بمكان، خُصُوصًا في الدول التي يعمل غير المسلمين فيها في قطاع التعليم، وما هذا إلا فرصة تسمح لهم بمدِّ جُسُور المحبَّة على حطام الولاء والبراء، وإفساد عقيدة المسلمين.

وعمومًا فإنَّ الآثار المترتِّبة على تخلي المرأة عن دورها، وعدم القيام بما عليها من حقوق - لَنَذير شؤم؛ جزاءً وفاقًا على التفريط.

فهل بعد ذلك يبقى مجال لنعرات تحرير المرأة، وإخراجها من مركزها، وقلعها من ثغرها؟!

وهل بعد ذلك يبقى مجال للقول بتهميش الإسلام للمرأة وقهرها وقمعها؟!

ولا أجد إلا أن أختم بقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55]، أتدرون لما لزم بيانها وتوضيحها: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].

والحمد لله في الأولى والآخرة، وصلي اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم

 ----------------------
[1]   "تفسير ابن كثير" 5 - 298.
 

[2]   "أضواء البيان" 4 - 94. 
 

[3]   أخرجه مسلم (1467) عن عبدالله بن عمرو. 
 

[4]   البخاري (4890). 
 

[5]   أبو داود (2144). 
 

[6]   البخاري (5971). 
 

[7]   البخاري (5975). 
 

[8]   مسلم(2629). 
 

[9]   البخاري (7138). 
 

[10]   الترمذي (1160). 
 

[11]   النسائي (3231). 
 

[12]   "الفتاوى الكبرى" 5/480. 
 

[13]   أخرجه أحمد (19025)، والحاكم(2769). 
 

[14]   المستدرك (7328)، وصححه الذهبي. 
 

[15]   أبو داود (2140). 
 

[16]   مسلم (1436). 

________________________________

الكاتب: مصطفى مهدي