احذروا.. أبا عامر الفاسق!!
كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من المشركين _ من أهل المدينة _ يسمى (أبو عامر الفاسق) لم يفرح بظهور الإسلام كما فرح به أهل الإيمان.. بل شَرِقَ بريقه لقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة..
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من المشركين _ من أهل المدينة _ يسمى (أبو عامر الفاسق) لم يفرح بظهور الإسلام كما فرح به أهل الإيمان.. بل شَرِقَ بريقه لقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة..
فضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فلـم يرغب أن يسمع الأذان مرتفع في سماء المدينة بعد الشرك وعبادة الأصنام، وساءه أن يرى نساء المسلمين محتشمات بلباسهن بعد التكشف والعري، وحَزن حزنًا شديدًا أن يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله وسنته، وأن ينتصر للمظلوم، ويقيم الحدود الربانية، ويرفع شأن المرأة بعد الظلم والاستبداد.
فلم يكن منه إلا أن اختار النصارى أصحابًا له يلجأ إليهم في بلادهم، يقربونه ويشبعون رغباته الشهوانية، بل لم يكتف بذلك حتى بدأ يخطط وهو في بلاد النصارى، ويعمل لهدم الإسلام، ويتصل عن طريق الخطابات بحثالة من أصحابه المنافقين في المدينة.
حتى قرروا أن يبنوا "مسجد الضِرار"!!
تُرى ما هو هذا المسجد؟
مسجدٌ ظاهره الإسلام، لكنَّ بناؤه كان مكرًا وخديعة، ربما انطوى أمرُه على بعض أهل الإسلام والإيمان، كان الهدف منه تفريق المسلمين، وأن يكون مقرًّا لهؤلاء المنافقين، يستقبلون من خلاله رسائل صاحبهم أبي عامر الفاسق.
وحتى يزيدوا في إخفاء أمرِ هذا المسجد على أهل الإيمان طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، إلا أنه أرجأ ذلك حتى يعود من غزوةٍ كان يتجهز للخروج إليها.
فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الغزوة حتى نزل عليه الوحيُ من الله جل وعلا يوضح جليّة أمر هذا المسجد، ويأمر بهدمه وينهي النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، ويفَضْح - تبارك وتعالى - المنافقين في تخطيطهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا..} الآية [التوبة: 107، 108].
أيها القارئ المبارك.. ما أشبه الليلة بالبارحة!! وما أشبه أبا عامر الفاسق اليوم بأبي عامر الفاسق الماضي!!
إن العلاقة الحميمة بين أعداء الدين - اليهود والنصارى - والمنافقين ليست وليدة العصر، بل كانت هذه المودة ضاربة بجذورها منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كثيرًا ما يذكر الله تبارك وتعالى في كتابه هذه العلاقة والمودة التي بينهم، وكيف يحن بعضهم إلى بعض، قال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة: 52]، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.. } [الحشر: 11]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ... } [المجادلة: 14].
ولذلك ما إن يقوم الغرب الكافر بالتخطيط ضد الإسلام والمسلمين إلا ويجدوا من أخدانهم من يشجع تلك الخطط، ويسعى في تمريرهـا من خلال هتـافاتهم ومطالباتهم، ومقالاتهم الصحفية الخطيرة!! التي ربما انطوى فحواها على عوام الناس، حتى أصبحت بعض الشخصيات التأثيرية كأبي عامر الفاسق! وحتى أصبحت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية كـ "مسجد الضرار"! فهـي صحف ومواقع في ظاهرها إسلامية، وتسعى في قالب النصح للرقي بهذه البـلاد إلى مصاف الدول الغربيـة والانفتاح على العـالم، وإصبـاغ مطالباتهم بالصبغة الشرعية والإطار الإسلامي، وعلى وفق الشريعة ومثل هذه العبارات، {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107].
وإن أعظم شيء يغيظ كفر الخارج ونفاق الداخل، أمران:
الأول: "تحكيم الشريعة"؛ لأن بتحكيم الشريعة الإسلامية إقامة للحدود وانتشار للإسلام والفضيلة وإخراج الناس من عبادة الهوى والشيطان إلى عبادة الواحد الديان، ولذلك تأمل أيها المبارك إلى الصحف البريطانية كيف تشن الحملات الصحفية على هذه البلاد لأنها أقامت حدًّا من حدود الله، وكيف تثور ثائرة (حقوق الإنسان) عندما تقطع يد سارق، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
والأمر الثاني: مما يغيظهم (شأن المرأة)؛ لأن المرأة دُرةٌ مصونة متى ما ظهرت للناظرين وامتدت إليها أيادي العابثين وزاحمت الرجال في الميادين التي هي من اختصاص الرجال كلما ضاعت هويتها، وهو ما يريده المنافقون عشاق النصارى، ولذلك كثيرًا ما يطالبون بتحريرها من ظلم الشريعة الإسلامية كما يزعمون، قال تعالى: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية: 19].
قال سماحة الوالد العلامة ابن باز - رحمه الله - عن هؤلاء الدعاة الذين تعلموا في بلاد الغرب وجاءوا لينشروا الثقافات الغربية في البلاد الإسلامية، قال: « وهؤلاء بعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم وتسلمهم المناصب الكبيرة في الدولة أخطر من يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله، ويضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة... إلخ » [ج 1 /386 الفتاوى].
وفي بحث قدمه عبد الرحمن بن علي إسماعيل _ وفقه الله _ (المرأة في ظل الجاهلية) نقطف من بستانه ما يكون سببًا لثبات أهل الإيمان، وإلا فالحق أبلج، قال: « يفتخر العبيد من أبناء المسلمين بما يسمى بتحرير المرأة سواء في الشرق أم في الغرب، وتعجبهم صورة المرأة هناك، حيث تزاحم الرجال كتفًا بكتف، وتمارس المهن التي كانت إلى وقت غير بعيد وقفًا على الرجال، وتعجبهم صورتها وهي تقود السيارة أو الطائرة، وتقوم بما من شأنه أن يُلفت إليها الأنظار، ويُوجه إليها عبارات التشجيع، ولكن ينسون أو يتناسون أن الأنظار سرعان ما تصدف عنها، أو التشجيع سرعان ما يحجب عنها ليُصرف إلى أخرى أصغر منها سنًا، وأكثر منها جاذبية....».
ثم قال مستشهدًا بكلام النصارى أنفسهم:
« وهذه عالمة أحياء أمريكية، تقول: إن النساء الأمريكيات أصبحن يُصبن بالشيخوخة في سن مبكرة نتيجة صراعهن لتحقيق المساواة مع الرجال. وتقول: إن هذا الاتجاه نحو الشيخوخة في أوساط النساء يبدو جليًّا في كافة أجزاء الولايات المتحدة، إلا أنه يلاحظ بصفة خاصة في المدن، حيث تدخل النساء العاملات في منافسة مباشرة مع الرجال في عالم الأعمال ».
« أما رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية فتقول: إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه ».. إلى آخر بحثه النفيس. والحق ما شهدت به الأعداء.
أيها الحبيب.. في ظل تطور الأوضاع، وقيام الأعداء على قدم وساق _ من أجل تغريب بلاد التوحيد _ احرص أن تكون سدًا منيعًا أمام هذا التيار الواهي من خلال كلمة توجيهية، أو نشر مقطع يكشف مخططاتهم، أو خطبة منبرية، أو تربية أسرية، أو نشر فتوى أو تواصل مع العلماء... إلخ، كل ذلك محاولةً في التشبه بالصادقين الغيورين الدافعين عن حياض هذا الدين، وليكن حالك وأنت تبذل الغالي والنفيس من أجل هذا الدين كما قال شعيب عليه السلام: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
____________________________________________________
الكاتب: صالح بن محمد الطامي