الإخلاص في زمن الفتن
فكلما اختلطت الأمور عليك وضعفت الهمة وتاه الإخلاص بداخلك تذكّر أن هناك قلوبًا امتلكت الإخلاص ففتحت لها أبواب الجنة
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
في زمن ظهرت فيه الفتن، وكثرت فيه المعاصي والذنوب، وطغت أمراض القلوب أكثر، فأصبحنا لا نعرف للإخلاص عنوانًا، وتاهت النية، واختلطت الأمور، فأصبحنا لانعرف الصَّالح من الطّالح؛ فما كان إلا أن أصبح الإخلاص عملة نادرة
ومعنى الإخلاص: أن تكون النية في أداء العمل خالصة لله وحده لايدخل فيها رياء ولا سمعة، ولا تقربًا، ولا تريد منه مدحًا، ولا تخشى منه قدحًا.
ولقد تذكرت آية:
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ﴾ [الأنعام: 162، 163].
إن جميع أعمال العبد الصالحة في الحياة، إذا أراد بها التقرب إلى الله انقلبت من عادة إلى عبادة
بل إن الإخلاص لله شرط لقبول العمل، والإخلاص ليست كلمة تقال وإنما محلها القلب، وتجديد النية لله وما أجمل أن تعيش حياتك كلها لله سرها وعلانيتها، ظاهرها وباطنها، تتجرد من كل شائبة قد تطغي على أعمالك
هيا لننظر معًا ماذا لو أن في يدك كوبًا من الماء نقيًا، لا يشوبه أي شيء؛ ثم بدون قصد سقطت بداخله قطرة من فنجان قهوة كان بجوارك؟!
بالطبع سيتغير نقاء الماء وعند تذوقه أيضا سيتغير طعمه.
ذاك حال القلب عندما يدخل على عمله سوء النية، ويطغي عليه التفاخر والرياء، وحب المدح، فاحذر تعكير نيتك ولا تسلك دروب أمراض القلوب
يقول ابن الجوزي: "ما أقل من يعمل لله تعالى خالصاً لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم "
ويقول الله -عزوجل-: { {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} } [البينة:5 ]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} } [الزمر :14]
قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا : ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون موافقاً للسنة، ثم قرأ : { {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} } [الكهف :110]
ثم استوقفني حديث النيات الذي افتتح به الإمام البخاري كتابة وكأنه أراد أن يرشدنا إلى تجديد النية قبل البدء في كل عمل
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» . [رواه البخاري] .
فأرعبتني "وإنما لكل امرئ ما نوى"
كم من عمل ابتعدت عنه النية أو تعددت فيه النوايا لغير الله
كم من نفس عملت، ثم كان في باطنها ماكان لغير الله؛ فضيعت نفسها وجهدها وطاقتها ووقتها وأصبح العمل يوم العرض على الله هباءً منثورًا، وكأنه لم يعمل طيلة حياته فما كان منه إلا أن لقى الله بلا أعمال صالحة
يقول سفيان الثوري: " ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي لأنها تتقلب عليّ " والعمل من غير نية خالصة لوجه الله طاقة مهدرة، وجهد مبعثر، وعمل مردود على صاحبه والله تعالى غنيٌّ حميد لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له سبحانه.
والنية هى: تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات عم بعضها البعض ابتغاء وجه الله عزوجل
والإخلاص تاج، والنية لآلئ العبادات
فالإخلاص يجعل القلب نقيًا وتقيًا وجواهر النية تجعله خالصا لله وحده
والنجاة من الفتن تأتي بالإخلاص في ترك ما حرم الله واتباع السنن
فالمخلص لا يحب أن يتتبع الناس أعماله ولا يفرح بكثرة تابعيه
لنجدد النية ونجعل العمل كله خالصا لابتغاء مرضات الله
فإذا جلست في مجلس علم جدد نيتك لله ولا تجعل نفسك تعجب بكثرة جالسيك
وإذا فضلك الله بقيام ليله لا يراك فيها أحد فاحمد الله وجدد نيتك ولا تتفاخر بها
وإذا أعانك الله على قضاء حوائج الخلق فاقضِ حاجتهم والزم الصمت واحمد الله أنه سخرك لهذا الخير
اجعل لنفسك خبايا لايعلمها إلا الله وحده بل اجعل حياتك كلها خبيئة لله سبحانه وتعالى تبتغي الأجر منه وحده ولا تكن كالمسافر الذي يحمل جرابًا مخرومًا يضع فيه عمله فيسقط منه دون أن يشعر فيقابل الله بلا زاد ولا حسنات فيُصعق يوم العرض من هول ما عمل
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم:
الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه.
وفي رواية: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء
فأي ذلك في سبيل الله؟
فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"
أي ليس هناك أعظم من أن يخلص المرء في عمله ليكون في سبيل الله
إجعل حياتك بستان من الأعمال الصالحة واروهِ بالإخلاص لله عزوجل واجعل له سور عالي بتجديد النية وصلاح حال قلبك مع الله
ثم....... ابكتني آية
قال الله تعالى: ﴿ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } ﴾ [المؤمنون: 60]
ابكتني خوفًا فالمؤمن يعمل ويخشى أن لايقبل عمله
يكثر من الفرائض والسنن يزيد في الطاعات والعبادات كلها يتقي الله في كل شيء ولكنه بعد كل هذا يبكي خوفًا من أن يكون عمله غير مقبول عند الله.
وهذا هو ما وضحه الرسول في الحديث التي روته عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله { {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} } هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: لا يا بنت الصديق! ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل.
ولو أننا نظرنا إلى حال الصحابة والسلف الصالح كانوا لايتركون بابًا من أبواب الخير إلا ولجوه، كانت حياتهم كلها عبادة وخبيئة، ولكنهم مع ذلك كانت قلوبهم وجله وخائفة، كانوا يحملون هم قبول العمل أكثر من العمل نفسه
فمن علامات قبول العمل والعبادة أن تزيد المؤمن خشية وأن لا يغره كثرة عمله
تراه يعمل العمل فيبكي من ألا يقبل
فكلما اختلطت الأمور عليك وضعفت الهمة وتاه الإخلاص بداخلك تذكّر أن هناك قلوبًا امتلكت الإخلاص ففتحت لها أبواب الجنة
أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل