أوروبا وأمريكا دَفَعَتَا الجزية إلى المسلمين

ولقد كانت بريطانيـا تدفع ضريبة سنوية ومملكة الدنمارك وهولندا ومملكة سردانيا وكذلك فرنسا والبرتغال، والسويد والنرويج ومدينتا هانوفر وبرلين بألمانيا كانوا يدفعون سنوياً. أما أمريكا فكانت تقدم سنويّاً إلى دولة الجزائر عشرة آلاف ريال مصحوبة بأنْفَس الهدايا.

  • التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
أوروبا وأمريكا دَفَعَتَا الجزية إلى المسلمين

سقطت الدولة الإسلامية في الأندلس في أواخر القرن الخامسَ عشرَ للميلاد؛ وتحديداً إثر سقوط مدينة غرناطة في سنة 1491م، وهي آخر المعاقل الإسلامية هناك. وكان من النتائج الكارثية والمباشرة لهذا الحدث الأليم بدايةُ حركة التوسع الأوروبي النصراني على دول شمال إفريقية وخاصة تونس والجزائر والمغرب؛ الأمر الذي دفع أهل الجزائر وتونس إلى طلب المساعدة من الدولة العثمانية التي استجابت بسرعة لندائهم، وعملت على تركيز قاعدة عسكرية كبيرة في الجزائر تتكون أساساً من قوة سلاح المدفعية ومن حوالي ألفين من الجنود عالية التدريب ووضعتهم تحت إمرة القـائد الكبير خير الدين بربروسا، الذي نجح في وقت وجيز في تركيز هياكل دولة قوية في الجزائر بفضل المساعدات العسكرية والمالية الضخمة التي تلقَّاها من السلطان العثماني سليم الأول، واستطاع بذلك ردَّ كل هجمات النصارى وتوجيه ضربات موجعة إلى السواحل الإسبانية.

ولَـمَّا توفي القـائد خير الدين بربروسا في سنة 1546م كان قد ترك الجزائر دولة قوية تقود عمليات عسكرية ضد القوى الصليبية الغازية، وقد وصل الأسطول الحربي الإسلامي إلى درجة عالية من التنظيم والقوة جعلته مرهـوب الجانب؛ وذلك بفضل عدد من القادة المجاهدين من أمثال خير الدين بربروسا والقائد صالح ريِّس وغيرهما من الذين تمكنوا من صد هجمات الدول الصليبية المعتدية وحرروا العديد من المدن الإسلامية من قبضتهم.

ولقـد كانت السفن الصليبيـة تعتـرض السفن التجارية الإسلامية في حوض البحر الأبيض المتوسط وتصادر حمولتها وتأسر ركابها؛ ولذلك تخرج السفن الإسلامية من موانئها في شمال إفريقية للدفاع عن مصالح المسلمين وحمايتهم من الخطر الصليبي حيث كانت السفن الإسبانية والبرتغالية تهاجم باستمرار السفن التجارية الإسلامية، كما تقوم بالإغارة على مدن الثغور الساحلية في شمال إفريقية وكانت تسعى إلى الاستيلاء على بلدان المغرب العربي وتحويل سكانها من الإسلام إلى النصرانية.

ولقد قادت البحريةُ الجزائرية حركةَ الجهاد البحري بكل نجـاح وهاجمت السواحل الإسبانية والبرتغالية بكل شجاعة، وكانت تعـود في كل مرة محمَّلة بالغنائم والأسرى. كما هاجمت سواحل صقلية وسردانيا ونابولي، وهددت الطرق البحرية الواصلة بين الدولة الإسبانية وممتلكاتها في إيطاليا وفي عدة دول أخرى. ولقد عجزت كل الدول الأوروبية عن التصدي للبحرية الجزائرية وفشلت سفنهم البحرية الضخمة في صد هجمات سفن المجاهدين في شمال إفريقية.

ومع مرور الزمن تطورت حركة الجهاد البحري؛ فبعد أن كانت تهـدف في البداية إلى التصـدي للغـزو الأوروبي الصليبي لدول شمال إفريقية وتحطيم شوكة أساطيلهم حتى تبقى عاجزة عن مهاجمة بلاد المسلمين؛ صارت فيما بعد مصدراً من مصادر الثروة نتيجة الغنائم الكبيرة التي كان يحصل عليها المجاهدون بالإضافة إلى الرسوم التي كانت تفرضها الدولة الجزائرية على معظم الدول الأوروبية نظير عدم تعرضها إلى هجمات البحارة المسلمين.

ولقد كانت بريطانيـا تدفع ضريبة سنوية تقدَّر قيمتها بستة آلاف جنيه للخزانة الجزائرية، كما أن مملكة الدنمارك كانت تقدم لدولة الجزائر سنوياً معدات عسكرية وآلات حربية تتجاوز قيمتها أربعة آلاف ريال مصحوبة بهدايا ثمينة، أما هولندا فقد كانت تدفع سنوياً ستمئة جنيه، ومملكة سردانيا ستة آلاف جنيه، وكذلك فرنسا والبرتغال كانتا ترسلان هدايا ثمينة عند تعيين قناصلهما في الجزائر، وتقدم كلٌّ من السويد والنرويج كلَّ سنة آلات وذخائر حربية هامة، كما أن مدينتا هانوفر وبرلين بألمانيا كانتا تدفعان سنوياً ستمئة جنيه. أما أمريكا فكانت تقدم سنويّاً إلى دولة الجزائر عشرة آلاف ريال مصحوبة بأنْفَس الهدايا.

ومع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وبعد أن استقلَّت أمريكا عن إنجلترا في سنة 1776م وأصبحت ترفع علم الاستقلال على سفنها؛ تعرَّض البحارة الجزائريون لبعض هذه السفن واستولوا في سنة 1785م على إحدى عشرة سفينة تجارية أمريكيـة واحتجزوها على السواحل الجزائرية، ولَـمَّا كانت أمريكا عاجزة في ذلك الوقت عن استرجاع سفنها بالقوة العسكرية اضطرت إلى طلب الصلح وتوقيع معاهدة مع الجزائر، تضمنت هذه المعاهدة اثنين وعشرين بنداً وكتبت باللغة التركية، وتعتبر المعاهدةَ الوحيدة في تاريخ أمريكا التي كتبت بغير اللغة الإنجليزية والتزمت فيها بدفع ضريبة سنوية إلى دولة أجنبية، وبمقتضى هذه المعاهدة تمكنت من استرجاع سفنها وضمنت عدم تعرض البحرية الجزائرية لها.

وبمرور الزمن تعرضت السفن البحرية الأمريكية إلى عدة غارات من البحرية التابعة لكل من دولتي ليبيا وتونس؛ الأمر الذي دفع أمريكا إلى مهاجمة ميناء طرابلس في سنة 1803م، ولقد ساند البحارة التونسيون بحْرِية طرابلس لصد هذا الهجوم، وفي أثناء المعركة جنحت سفينة الحرب الأمريكية الضخمة (فيلادلفيا) إلى المياه الضحلة في سواحل طرابلس وذلك لشدة المواجهة العسكرية، وكانت (فيلادلفيا) تعد أكبر سفينة حربية في العالم في ذلك الوقت، وقد تم أسر أفراد فريقها المكون من ثلاثمئة بحار، واضطرت أمريكا إلى عقد صلح مع والي طرابلس يوسف باشا ووالي تونس محمد حمودة باشا والتزمت بمقتضاه بدفع غرامة مالية تقدَّر بثلاثة ملايين دولار وضريبة سنوية قدْرها عشرون ألف دولار إلى ليبيا وكذلك دفع ضريبة سنوية إلى تونس بقيمة عشرة آلاف دولار سنوياً.

وبقيت الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بدفع هذه الضرائب حماية لسفنها ولتجارتها في البحر الأبيض المتوسط إلى غاية سنة 1812م؛ إذ سدد القنصـل الأمريكي في الجزائر اثنين وستين ألف دولار، وكانت هذه المرة الأخيرة التي دفعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية الضريبة السنوية إلى المسلمين.

_______________________________________________

بقلم/ حسن بن محمد