عندما يكون التفاؤل منهج حياة

إن التفاؤل إكسير الحياة السعيدة، وما فقد الإنسان هذا الإكسير إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأصبح وجه الحياة قاتمًا مظلمًا في عينيه، يفقد الأمل والراحة والهناء، يملّ الحياة وما فيها، ويراها قد أصبحت مجرَّدة عن أيِّ معنى.

  • التصنيفات: تزكية النفس -
عندما يكون التفاؤل منهج حياة

ورد في مسندِ الإمام أحمد - رحمه الله - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «الطَّيْرُ تَجْرِي بِقَدَرٍ». وَكَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ". وبهذا الحديث النبوي يصح معنى الحكمة المشهورة أيضا، التي تقول: (تَفَاءَلُوا بالخَيرِ تَجِدُوهُ)؛ إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجّع الناس على التفاؤل، وينهاهم عن التشاؤم والتطير.

 

يُحكى أنه: سُجن شاعران؛ متفائل ومتشائم، فأطلّا من نافذة السجن، فأمّا المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك، وأما المتشائم فنظر في طين الطريق فبكى.

 

إن التفاؤل إكسير الحياة السعيدة، وما فقد الإنسان هذا الإكسير إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأصبح وجه الحياة قاتمًا مظلمًا في عينيه، يفقد الأمل والراحة والهناء، يملّ الحياة وما فيها، ويراها قد أصبحت مجرَّدة عن أيِّ معنى.

 

لن يفقد نافذة النور من تعوِّد التفاؤل، وليوافينه الأمل ملوحًا له من بعيد، إذ المشاعر الإيجابية التي تحيطه لا تسمح له يغرق في السلبيات وينظر إلى الحياة نظرة تشاؤمية، وأما المتشائم فلا يجني الراحة والسرور ولو كان في رغد العيش ورحراح الحياة، لأنّ نظرته السلبية لا تدعه يهدأ وينعم، بل تنغّص عليه عيشه وفرحه، وتسلبه متعة الاستمتاع بالحياة وتزهّده فيما يملك.

 

المتشائم يسيء الظن بالله تعالى، ومن هنا ينشأ يأسه وتشاؤمه، وأما المحسن الظن بالله تعالى فهو لا يفقد النور وبصيص الأمل في الحياة مهما اشتدّت الظروف وتتابعت المحن، فكلما ذكر أنّ الله مدبّر أموره ازداد قوة وتفاؤلًا، علمًا منه أنّه مدبِّر لا يُتّهم في جميل تدبيره، وهو دائمًا يختار له الأجمل والأكمل والأفضل.

 

يظلّ المتشائم خبيث النفس، مبخوس الحظّ، معقود الجبين، كالح الوجه، ضيّق الصدر، متوتّر الأعصاب، مسلوب الراحة والسكون، ولو حيزت له الدنيا بحذافيرها، لا يجد في الوجود ما يحسِّن حاله حتى ولو كان يعيش فيما لا يمكن الآخرين رؤيته إلا في الأحلام. لأنه يرى أنّ الراحة تزول، والمال ينفد، والصبح ينتهي، والسلامة تنهار، ويحلّ محلّ هذا كله ليل يبقى، وفقر يستمر، وجوع يدوم، ومرض لن يقلع. إنه دوّن لنفسه قاموسًا مفرداتُه هي: (الموت، والسقم، والهلاك، والفشل، والإحباط، والسقوط). وهكذا يموت وهو حيّ، ويجوع وهو شبعان، ويفتقر وهو غني.

 

ما أحوجنا إلى إكسير التفاؤل في الحياة، نطرد به جيوش الهموم والغموم ونزيل الأحزان والأتراح، ونجلب لنا الرضى والسكينة والسرور. وبخاصة في عصرنا هذا، حيث كثرت فيه المحن ولكن لا كـ كلمة نرددها على ألسنتنا وإنما كـ منهج حياة، فإذا صار التفاؤل منهج الحياة، يساعد على تحمُّل المصائب والمصاعب، ويؤدي إلى الانشراح الدائم والتام، والإنسان عندما يصل عند هذا الحد يرى كل شيء جميلا، حتى وإن كان يظهر للناس على أنه قبيح.

 

ليس عند الناس ما هو أشد وأهول من الموت، لكن المتفائل والذي يحسن الظن بالله تعالى يجد في الموت وفيما بعده من المشاهد الكثيرَ ممّا يسرُّه ويُرضيه: كيف لا؟ وهو سوف يرى الملائكة، ويزور النبي صلى الله عليه وسلم، ويلقى الله الرحمن الرحيم الذي ما به من نعمة إلا منه، ويجتمع مع أهله وأقربائه وذريته في جنَّات ربه. وبهذا لا يخاف الموت، بل هو مستعد للموت رغبةً فيما بعده. قيل لأعرابي: "إنّك ميّت. فقال: ثمّ إلى أين؟ قيل له: إلى الله تعالى. فقال: ما وجدنا الخيرَ إلّا من الله تعالى.. أفنخشى لقاءه؟". ما أجمل هذه القصة الموجزة من حيث الألفاظ العامرة من حيث المعاني.

 

زار النبيّ صلى الله عليه وسلم أعرابيًا به حمّى فقال له مواسيًا: «لا بأس طَهورٌ إن شاء الله»، فلم يقبل الأعرابي هذا الفأل الحسن؛ بل قال: بل حُمّى تفورُ على شيخ كبير تُزِيرُهُ القبورَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنعم إذن» . والحديث أخرجه البخاري. فما دام أراد لنفسه هذا فهذا نصيبه، إنه لا يريد أن يكون متفائلا.

 

إننا في زمن كورونا وعلى الرغم من كل ذلك الإجهاد النفسي والمجتمعي الذي نعيش فيه، وكل الخسائر اللاحقة في الأنفس والأموال والتعليم وكل تلك الظروف القاسية التي تمر على البشرية جمعاء، يمكننا التفاؤل، إذا نظرنا إلى ما تعلمنا من هذا الفيروس، فقد تعلمنا منه الكثير، وجرّبنا ما لم نجرّب سابقًا، وكم كانت خسائر البشرية فيما إذا لم تكن لديها وسائل التواصل الاجتماعي وهذه الإمكانيات المتطورة والتكنولوجيا الحديثة. إنه جعلنا نعيد النظر في أعمالنا وصلتنا بالله تعالى، ومنحنا فرصة للتوبة. هذه هي النظرة التفاؤلية الإيجابية للحالة الكارثية التي نعيشها.

 

ونسأل الله تعالى العافية ورفع البلاء والوباء والغلاء عنا وعن الناس جميعا.

 

لا يعني التفاؤل عدم الحزن، بل يعني أن نعيش لحظة الحزن بعقلانية بدون الغرق فيها، وألَّا نسمح للحزن أن يستبدّ بنا، وأن نرى الجوانب الإيجابية رغم الحزن. ونكون واثقين بالله، مستعدّين دائما لرؤية الجانب الجيد والإيجابي في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة، والنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب أيضا بدل التركيز على النصف الفارغ منه فقط، كما يعني النشاط وتحمّل المسؤولية.

 

تسلّح بالتفاؤل وافتح نوافذ قلبك أمام شمس التفاؤل، تتغلغل بداخلك، وتجري في عروقك، فأنت تحتاج إلى نور التفاؤل، ولتعرف أنه لا شيء كامل في دنيانا، لذلك طِبْ نفسًا وتفاءل بالخير تجده.

_____________________________

الكاتب: سيد مسعود