سورة العلق ومسيرة الإنسان مع العلم هدايةً وضلالا!

أحمد كمال قاسم

توجيهه بألا يفصل العلم عن الدين وأن يظل متعلقًا بالله متناغما مع فطرة الله التي فطر الناس عليها

  • التصنيفات: التفسير -

قال تعالى  {اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسانَ مِن عَلَقٍ * اقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمُ * الَّذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسانَ ما لَم يَعلَم * كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى * أَن رَآهُ استَغنى* إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجعى * أَرَأَيتَ الَّذي يَنهى * عَبدًا إِذا صَلّى * أَرَأَيتَ إِن كانَ عَلَى الهُدى * أَو أَمَرَ بِالتَّقوى * أَرَأَيتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلّى * أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * كَلّا لَئِن لَم يَنتَهِ لَنَسفَعًا بِالنّاصِيَةِ * ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ * فَليَدعُ نادِيَهُ * سَنَدعُ الزَّبانِيَةَ * كَلّا لا تُطِعهُ وَاسجُد وَاقتَرِب} [العلق: ١-١٩] .

أولا: العلم القويم الذي نعرف الله من خلاله، ونبذل ثمرته في سبيله

وكأن الله تعالى يرشدنا إلى الطريق القويم الذي يؤدي إلى خشية الله وتحقيق حقيقة {إنما يخشى الله من عباده العلماء} . فافتتاح السورة تحث على القراءة المستهدية بنور الله " {اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ} "، القراءة في سبيل الله الذي خلقنا وأحسن إلينا كرمنا، بل يكرمنا بأن يفتح علينا آفاق الفهم لما نقرأه، في كتاب الكون، وفي كتاب الله، وفي العلم المتراكم بين جيل وجيل الذي لم يكن الإنسان ليتعلمه إلا بفضل الله " {الَّذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسانَ ما لَم يَعلَم} " .

ثانيا: حيود الحضارة الإنسانية عن مسارها وطغيانها بعلمها

وكأن الله تعالى يتناول هنا ما قد يحدث لمسيرة العلم من اعواجاج عن طريق معرفة الله، وذلك عندما توهم الإنسان أنه تعلم! فطغى، وتوهم أنه يستطيع الاستغناء عن الله! " {كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى * أَن رَآهُ استَغنى} "، فظهرت بدايات الإلحاد بقرينة العلم وذلك عندما زعم المضلون أن الاحتياج لله كان لسد ثغرات معرفة علة الظواهر الكونية "God of gaps" التي لا يعرفون علتها، فينسبوا فعل هذه الظواهر لله تعالى، أما وقد خال الإنسان نفسه عرف العلة وتوهم أن العلم يجيب على سؤال" لماذا" - بينما هو يجيب على سؤال" كيف" ويضع نماذج عقلية تفسيرية تسمى نظريات - فقد زعم أن الحاجة لله تتضاءل لأن العلم يجيب على الأسئلة الغامضة رويدا رويدا فاستغنى عن الله " {أَن رَآهُ استَغنى} "، ونسيه فأنساه نفسه. لكن الله يتعجب من ذلك الإنسان الذي نسى الله وعبد العلم فيذكره أن لله راجع في نهاية المسير " {إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجعى} ". . ثالثا: امتداد الطغيان للصد عن سبيل الله ومحاربة الدين والمستمسكين بالدين

" {أَرَأَيتَ الَّذي يَنهى * عَبدًا إِذا صَلّى * أَرَأَيتَ إِن كانَ عَلَى الهُدى * أَو أَمَرَ بِالتَّقوى} " فهنا امتد الطغيان والظلم لمحاربة الهداية والمهتدين، ويحاجهم الله بأن فكروا في الأمر بمنطقية أيها الضالون، ألا يوجد احتمال لديكم بأن المهتدي بدينه هو الذي على صواب " {أَرَأَيتَ إِن كانَ عَلَى الهُدى * أَو أَمَرَ بِالتَّقوى} "

رابعا: تهديد ووعيد لمن لا يعود لصوابه من المضلين

" {أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * كَلّا لَئِن لَم يَنتَهِ لَنَسفَعًا بِالنّاصِيَةِ * ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ * فَليَدعُ نادِيَهُ * سَنَدعُ الزَّبانِيَةَ} " فيتوعد الله لهؤلاء المضلين عسى أن يعود لصوابه "أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * {كَلّا لَئِن لَم يَنتَهِ لَنَسفَعًا بِالنّاصِيَةِ} "، يتوعد لهم بأن يسحبهم من مقدمات رؤسهم - هذه التي استخدموها واستخدمتهم بكذب دلالات ما تعلمته " {ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ} "، أنها تقود إلى الاستغناء عن الله بدلا من التعلق به " {خَلَقَ الإِنسانَ مِن عَلَقٍ} " .

خامسًا: النتيجة النهائية إن لم يستجيبوا للهداية ويعودا لله الذي علمهم

فيبين الله النهاية المُشقيّة للضالين باسم "العلم"، بأنهم لن يجدوا العلم الذي عبده هنالك في الآخرة لينقذه من النار بل سيجد زبانية النار بدلا منهم في مفاجأة بغيضة " {فَليَدعُ نادِيَهُ * سَنَدعُ الزَّبانِيَةَ} " .

سادسا: توجيه للعالِم المسلم

توجيهه بألا يفصل العلم عن الدين وأن يظل متعلقًا بالله متناغما مع فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي كونه خُلِقَ من "علق"، فينهي الله العالم المؤمن أن يستجيب لمن ضلوا وأضلوا بالعلم، وأن يستخدم العلم في معرفة الله وعبادته وذلك بدوره ثمرته هو الاقتراب منه " {كَلّا لا تُطِعهُ وَاسجُد وَاقتَرِب} " .

والله أعلم