فضائل الصحابة رضي الله عنهم في القرآن الكريم

فَكُلُّهُـمْ فِـي مُحْكَـــمِ الْقُرْآنِ   ***   أَثْنَى عَلَيْهِمْ خَالِقُ الْأَكْوَانِ 

فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْقِتَالِ   ***   وَغَيْــرِهَا بِـأَكْمَـلِ الْخِـصَالِ

  • التصنيفات: التفسير - قصص الصحابة -

أثنى القرآن الكريم في العديد من الآيات على الصحابة الكرام رضي الله عنهم ثناءً عامًّا، شملهم جميعًا، وشهِد لهم بالفضل والإحسان، وثناءً خاصًّا، يفضل بعضهم على بعض بسبقهم في الإيمان والإنفاق والجهاد؛ قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

 

وقد أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أنه كافيه وكافي المؤمنين معه من شر أعدائهم ومكرهم، وهذه تزكية للصحابة رضي الله عنهم؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64].

 

أي: إن الله عز وجل "كافيك وكافي مَن اتَّبعك من المؤمنين، والصحابة رضي الله عنهم أفضل مَن اتبعه من المؤمنين وأوَّلُهم" [1].

 

حسبك مَن اتَّبعك من المؤمنين "ببذل أنفسهم دونك... إذ أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة الناس بعضهم بعضًا، فجمع صلى الله عليه وسلم، ذلك كله" [2].

 

وقد أثنى القرآن الكريم ثناءً عامًّا على جميع الصحابة رضي الله عنهم؛ قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

 

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه، وقوِيت أسبابه، وظهرت آلاء الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل الله بهم الشرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياءَ، وكانوا لعباد الله نُصَحَاءَ، رحلوا إلى الأخرى قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بَعْدُ فيها"[3].

 

قال الإمام الشافعي - رحمه الله-: "أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنَّأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصدِّيقين والشهداء والصالحين، هم أدَّوْا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عامًّا وخاصًّا، وعَزْمًا وإرشادًا، وعرَفوا من سنته ما عرَفنا وجهِلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمرٍ استُدرِك به علمٌ، واستُنبط به، وآراؤهم لنا أَحْمَدُ وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا" [4].

 

فقد أثنى الله تعالى على الصحابة رضي الله عنهم وعدلهم ووثَّقهم، وبيَّن شرفهم وسابقتهم، ووصفهم بالتراحم فيما بينهم، وبكثرة العمل، والمداومة على الصلاة، وهي أحب الأعمال إلى الله، ووصفهم بالإخلاص والاحتساب، وأثنى عليهم ثناءً عطرًا ليس في القرآن فقط، بل أثنى عليهم عز وجل في الإنجيل والتوراة أيضًا، وأخبر الله سبحانه وتعالى عن رضاه عنهم، ورضاهم عنه، ثم ذكر أحوالهم في الدنيا والآخرة بالمغفرة والأجر العظيم.

 

ومدح القرآن الكريم المهاجرين والأنصار، وشهد لهم بالفضل والإحسان والفلاح، قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8، 9]، فرتب الله تعالى في الآية الكريمة "الصحابة رضي الله عنهم على منازلهم وتفاضلهم"[5].

 

وقد ربى رسول صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم على التضحية، "فالمهاجرون ضحوا بستة أشياء من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضحوا بالأوقات، والأنفس، والأموال، والبلدان، والشهوات، والجاه، ولهذا سماهم الله بالصادقين؛ لأنهم أتْبعوا القولَ بالعمل، وصدقوا فيما عاهدوا الله عليه، ثم يليهم في الفضل الأنصار، فلم تعرف البشرية كلها حادثًا جماعيًّا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين، لقد استقبلوهم بالحب الكريم، والبذل السخي، والمشاركة الطيبة في الأموال، وشاركوهم في الشعور والمشاعر، والإيمان والأعمال" [6].

 

فأثنى الله تعالى على المهاجرين خاصة؛ بسبب تركهم ديارهم وأموالهم نُصرة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصدقهم فيما أقدموا عليه رجاءَ أن يثيبهم الله ويرضى عنهم، ثم مدح الله الأنصار ممن آوى المهاجرين حبًّا وكرامة، بأنهم أهل إيمان وإيثار، وجزاءهم الفلاح في الدنيا بالحياة السعيدة، وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة.

 

قال حافظ الحكمي:

فَكُلُّهُـمْ فِـي مُحْكَـــمِ الْقُرْآنِ   ***   أَثْنَى عَلَيْهِمْ خَالِقُ الْأَكْوَانِ 

فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْقِتَالِ   ***   وَغَيْــرِهَا بِـأَكْمَـلِ الْخِـصَالِ 

كَذَاكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِـيلِ   ***   صِفَاتُهُمْ مَعْلُومَةُ التَّـفْصِيلِ 

وَذِكْرُهُمْ فِي سُنَّةِ الْمُخْتَـــارِ   ***   قَدْ سَارَ سَيْرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ[7][8]. 

 


[1] دقائق التفسير؛ ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، ج2 ص207، المحقق: د. محمد السيد الجليند، مؤسسة علوم القرآن – دمشق، ط2، 1404هـ.

[2] عمدة القاري شرح صحيح البخاري؛ للعيني، ج1، ص144.

[3] مروج الذهب: أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي، ج1، ص 371.

[4] مناقب الشافعي: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ج1، ص442، المحقق: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1390 هـ - 1970م.

[5] معارج القبول بشرح سلم الوصول؛ حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، ج3 ص 1203.

[6] موسوعة فقه القلوب: محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري، ج2 ص1242.

[7] معارج القبول بشرح سلم الوصول؛ حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، ج1، ص 44.

[8] أثنى عليهم الله تعالى في مواضع من كتابه كالفتح"؛ أي: سورة الفتح من أولها إلى آخرها، وسورة الحديد، وسورة محمد، وسورة الحشر، وفي سورة التوبة، وسورة الأنفال، وغير ذلك من سور القرآن وآياته "كذلك في التوراة" الكتاب المنزل على موسى عليه السلام، وفي الإنجيل الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام "صفاتهم" التي جعلهم الله عليها معلومة التفصيل، وذكرهم بالمناقب الجمة والفضائل الكثيرة في سنة المختار محمد صلى الله عليه وسلم عمومًا وخصوصًا من الأحاديث الصحاح والحسان، "قد سار" انتشر وأعلن "سير الشمس في الأقطار" تمثيلًا لشهرة فضائلهم ووضوحها لا تحصيها الأسفار الكبار؛ انظر: معارج القبول بشرح سلم الوصول: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، ج3 ص 1204، وما بعدها.

__________________________________
الكاتب: سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر