خطوات الشيطان

لا زال الشيطان لعنه الله يستزل الناس؛ ويستحثهم للنـزول إلى محطاته، وهي محطات تأخذ بالعبد إلى غضب الله، وليس بعد محطة الكبائر إلا الصغائر،

  • التصنيفات: تزكية النفس - خطب الجمعة -

الخطبة الأولى

الحديث هذا اليوم عن أعظم عدوٍ لنا، ولا أحدَ أَشدَّ صراحةً منه في الإبانة عن عداوته، أخبر الله عنه أنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] ، ولعظم عداوته لنا فقد حذرنا منه ربنا تبارك وتعالى فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَخِذُوهُعَدُوّاً} [فاطر: 6]، بل إن الأنبياءَ والرسلَ كانت مهمتهم بعد إقرار التوحيدالتحذيرَ من الشيطان ومكره.

 

ورغم وضوح عداوة الشيطان، وقُبحِ صورته في النفوس، إلا أن بريقه ومكره وسُبُلَه المعوجة لا زالت تستقطب الناس؛ وتأخذ بنفوسهم إليه، ومنهم في ذلك المستقلُّ ومنهم المستكثر، وهذا بسبب أساليب الشيطان في الإغواء والإضلال، حيث يراعي اختلاف النفوس في ذلك؛ فيعطي كُلَّ نفس ما يتناسب معها، وبذلك فهو يوسوس للجميع.

 

إننا أيها الجمع الكريم لو تأملنا في مسلك الشيطان مع الإنسان لرأيناه يأخذ بمبدأ المرحلية والتدرج، حتى ربما يصل بالكثير إلى النكرانُ والكفران. فيكونون معه في نار جهنم.

 

ولا تحسبنَّ أيها الموفق أنك إن فُتَّ الشيطان في هذه المحطة سَيُسَلِّمُك لنفسك وما أردت، كلا والله؛ فمادام النَفَس يتردد منك في هذا الجسد فأنت هدفٌ للشيطان ومَحِلُ معركةٍ ضروسٍ معه،فهو يحاول أن يجعل العبد كافرًا بالله، فإن لم يستطع عليه انتقل إلى ما هو دون الكفر؛ ولن يكون بعد الكفر مباشرة إلا البدعة؛ حيث يجعلُ العمل منك على غير هَدْي الإسلام؛ مما ليس له مستند من كتاب ولا سنة، وما كان كذلك فلا قبول له عند الله، ولو راعى صاحبُه فيه الإخلاصَ لله، قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»؛ إذ من شروط العمل المعتبرةِ شرعاً: الإخلاص والمتابعة، وما أكثر من انضووا تحت راية البدعة في زمنا هذا! فأضحوا يبارزون بها السنة، ويرون فيها هدياً مستقيماً؛ {زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهمْ فَصَدَّهُمْعَنِ السَّبِيْلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} [النمل: 24]، والبدعة أيها الإخوة بريد للكفر، وقلأن يتوب صاحب بدعة؛ لأن نور الله في التمييز بين الخبيث والطيب قد غاب عن نفسه؛ فتركهم الله في ظلمات لا يبصرون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

 

ربما فات الشيطانَ بعضُ الناس من المؤمنين في هذه المحطة وهذه المنـزلة - أعني منـزلة البدعة - فيذهب يسابقهم إلى المرحلة التي بعدها، فتراه يترصدُهم هناك؛ للإيقاع بهم، وهي ولا ريب دون التي قبلها، لكنها ليست بالهيِّنَة، وهذه المنـزلةأيها الجمع الكريم، هي منـزلة الكبائر من الذنوب والمعاصي، وهذه الخطوة من خطوات الشيطان تستقطب الكثير من البشر؛ لشِدَّة أخذها بالنفوس؛ ولأنها تحقق قدراً كبيراً من المتعة لمتعاطيها، والكبيرة يعرفها أهل العلم بأنها: كلُّ ذنب متوعدٌ عليه بالعقاب في الدنيا والعذاب بالآخرة، كالزنا والسرقة وغيرهما، وأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور؛ ويقول أهل العلم: حتى الصغيرة لمن داوم عليها؛ ولم يقطعها بالتوبة فإنها تصبح كبيرة، وقد قيل: لا صغيرةَ مع الإصرار، ولاكبيرةَ مع التوبة، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: الكبائر هي إلى السبعين أقرب، وقد ألف الإمامالذهبي رحمه الله كتاباً سماه الكبائر، حيث ذكر الكبائر، وفصل في ذكرها.

 

ولا زال الشيطان لعنه الله يستزل الناس؛ ويستحثهم للنـزول إلى محطاته، وهي محطات تأخذ بالعبد إلى غضب الله، وليس بعد محطة الكبائر إلا الصغائر، وهذه المحطة قَلَّ أن ينجو منها أحد، بل إن النجاة منها ليس بمقدور البشر، خاصةً ونحن نسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء؛ وخير الخطائين التوابون»، حتى من عبادِ اللهِ الصالحين يصطادهم الشيطان في هذه المحطة،لكنهم يتفلَّتون منها بالتوبة النصوح والاستغفارِ ومداومةِ العمل الصالح، وكُلُّهذه مكفراتٌ ومَاحِياتٌ للصغائر، كما أن ما يصيب الإنسانَ من همٍّ أو نصبٍ أو وصب؛ حتى الشوكةُ يشاكُها يكفر الله بها الخطايا، فلله الفضلُ والمنَّةُ والحمدُ على ذلك، وهذه الصغائرهي اللمم المستثنى في قول الله: {وَالَّذِيْنَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ} [الشورى: 37]، نعم أيها الجمع الكريم، إن ربنا واسع المغفرة وباسط اليدين بالرحمة؛ لمن فرّ إليه وأناب واستغفره وتاب.

 

فنسأله سبحانه أن يعفر لنا الذنوب، وأن يكفر عنا السيئات، وأنيتوفانا مع الأبرار. أقول قولي هذا وأستغفر الله.

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، لا زلنا نحثُ الخطى نتتبع خطوات الشيطان وسبل غوايته لبني آدم، لنحْذرَ ونُحذّرَ منها، فالشيطانُ مسعاه طويلُ النفس، لا يملُّ ولا يكل، ويأتي حتى لأهل الطاعات والاستقامة؛ ليلهِيهَم عن الجدِّ في الطاعات؛ فيحاول الشيطانُ جهده في إيقاع العبد وإشغاله بالمكروهات والإغراقُ في المباحات، ليشغلَه عن الاجتهاد في الطاعات، فإذا وجد الشيطانُ العبدَ مُحبًا للطاعة مجتهدا في قضاء أوقاته فيها أتاه من طريق آخر فيشغله بالأعمال المفضولة دون الفاضلة، ليقل حظه من الأجر والثواب.

 

تبصروا يا عباد الله في هذا العد الذي لاَ هَمَّ لِلشَّيْطَانِ في كلأمر يفعله إلاَّ الحَطُّ مِن قيمة الإنسان عند ربه، بحكم العداء المتأصل فِي نفسالشيطان لآدمَ وَذرِّيتهِ؛ فحقد الشيطان أَصِيلٌ منذ خلق أبينا آدم. حينما قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ} [الأعراف: 12]، فتنبهوا عباد الله من هذا العدو المتربص بنا، وكونوا على حذر منه ومن خُطواته المُضِلّة.

 

أسأل الله أن يعصمنا من فتنة هذا الشيطان الرجيم. اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم أن يضلنا أو يصدنا عن صراطك المستقيم.

 

اللهم أعذنا من وساوسه ونزغاته وهمزاته. اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن.....

___________________________________

الكاتب: أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي