الموتة الصغرى

ألا تتفكر يا رعاك الله في نفسك عند يقظتك من نومك كيف كنت وفي أي حال بت وأصبحت؟

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -



أنت يا عبد الله تريد أن يفتح الله عليك من فضله وتسعى لتحصيل رزقك سعيا، تبحث عن الأمن والأمان والسعادة والفوز بالجنان فكيف تجمع بين كل هذا؟
والمطلوب عظيم والطريق طويل  والأمل ينقطع ولا ينتهي إلا إذا غدوت. 

فما السبيل لتحقيق كل هذا وأنت تعلم أن الراحة هناك؟ 
ألا تتفكر يا رعاك الله في نفسك عند يقظتك من نومك كيف كنت وفي أي حال بت وأصبحت؟ 

وفي نومك عبرة وتذكيرا ومدعاة وصورة واقعية لما ستكون عليه أمدا لا يعلمه إلا الله. 

ما هي الأحداث التي عافستها والسعي الذي سعيته والجهد الذي بذلته والرزق الذي سعيت إليه والتخطيط الاستراتيجي الذي خططت له؟ 

بل ما هي الاحتياطات التي أخذتها أثناء نومك من إغلاق باب بيتك وتفقد أحوالك؟

و ما الفرق بين نومتك الصغرى  وبين النومة الكبرى في قبرك؟ آنَذاك حيث لا أحد يفكر في فتح قبرك.

والوسادة اللينة التي توسدتها لست بحاجة لمثلها هناك. 
وتنام على جنبك الأيمن بإرادة نفسك، وهناك يجتهدون ليسوونك على يمينك في لحدك نسأل الله أن نكون من أصحاب اليمين. 

وتضع الماء بجانبك إن إحتجت للشرب، وهل رأيت أحدا يدخل لحده يضعون معه قارورة ماء؟ 

وماذا بعد يا رعاك الله، غطائك تختاره أنت قالبا ولونا ناعما أو لينا، وهناك لا اختيار، الغطاء واحد ملاصق لك وللجميع ليوم القيامة ودرجة ملاصقته لك وفسحته عنك أنت تحددها لتتأهل لرحمة الودود الرحيم، وقدكنت خططت لها آنفا، وتركت القرار والفرار لله وحده لا ملجأ منه إلا إليه. 

وفي ثوبك جيوبا كثيرة تحمل ما تحمل من بطاقات بنكية ومصروف، هل رأيت كفنا له جيبا يا رعاك الله.

لقد وارينا الثرى على كثير من الأهل والأصحاب، لم نر أحدا منهم وضعوا معه مصروفا حيث لا جيب في كفنه ولا حتى قارورة ماء، لأنه بحاجة لأكبر من هذا - رحمة الله - ولا أحد يملكها إلا هو جل وعلا. 

ولربما يفوتك الفوت وتنام عن الفجر وتسارع إلى العمل دون تأخير تتنفس الصعداء بعد أن تخرج إصبعك من بصمة الحضور، وهو (إصبعك) هناك متيبس حيث لا بصمة  بل يشهد عليك يا رعاك الله أنك أضعت  الفجر وسارعت للعمل، فاعلم يا رعاك الله أين تضع بصمتك. 

تفكر في كل هذا يا رعاك الله ففي هذا عبرة وعظة وتحذير من فاطر السموات والأرض خالق الموت والحياة هو الذي يتوفانا حين نومنا وجعل الليل سكنا، وجعل النهار معاشا.
قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} [الأنعام]

هل هذه الوفاة خلقت وقدرت من أجل الراحة من عناء ما عافسناه من كل وتعب وجهد مما مضى من يومنا، هل هي كذلك،

أم أنها أعظم من كل هذا رغم ذلك وضرورة حصول هذا لحاجتناولفقرنا وضعفنا وقلة حولنا

كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: «باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ» .

الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الرقم: 6324 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وحري بك يا عبد الله أن  تقتضي بنبينا صلوات ربي عليه وأن تنهي يومك وعملك بذكر الله وتبدأه بذكره مفتاحا لأعمالك اليومية وتفائلا وطلبا للتوفيق والسداد، وقد أحياك الله من النوم الذي هو من الموت وأذن لك بذكره، وإستدراك ما فاتك،وقد علم ربك ما جرحت في نهارك، وتشهد عليك جوارحك من السمع والبصر واللسان مقرة بما جرحت، فأحسن دعائك حين إستيقاظك وما بينه وبين دعائك حين نومك ليتحقق الفوز وحاسب نفسك على ما جرحت بينهما وصحح المسار. 

وأعد صياغة خطتك الاستراتيجية يا رعاك الله مع ما يتناسب مع موتتك الكبرى فلديك صورة واضحة مما سيكون لاحقا تعيشها يوميا بموتتك الصغرى حين تستيقظ قائلا : الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ.

حينها ستكون الصورة جلية لما ستقدم عليه فأحسن الاختيار واسأل الله السداد وسبل الرشاد.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

حمزه عبد الغني المحتسب.