شخصنة الخلاف

هاني مراد

لقد شيطنت وسائل الإعلام شخصيات بعينها! كذبت ثم كذبت ثم لم تكف عن الكذب! فتحولت تلك الشخصيات إلى أصنام تجسد المحض من الشر دون غيره، كما كانت الأصنام تجسد آلهة الكفار من أهل الجاهلية الأولى!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

ما أكبر الجرم الذي نرتكبه عندما نشخصن خلافنا، أو نسمح لمن حولنا أن يسلمنا إلى مرض الشخصنة.

لقد حولت وسائل الإعلام السامة خلافاتنا إلى ثأر شخصي؛ لم يعد فيه من المهم أن نصل إلى الحقيقة! لم يعد فيه التجرد للحق هو الذي يدفعنا! فأصبح الأمر لا يتعلق بالحقيقة المجردة البعيدة عن الآراء والشخصيات، بقدر ما يتعلق "بالأنا"! فرأيي صواب لا يحتمل الخطأ! ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب!

وفي سبيل هذه "الأنا"، يبرر الإنسان قتل الأطفال وسفك دماء الأبرياء! فأصبح هذا الإنسان يتكلم بصوت شيطان لا يريد مواجهة نفسه بحقيقة أنه ارتضى قتل الأبرياء في سبيل "أناه"!

لقد شيطنت وسائل الإعلام شخصيات بعينها! كذبت ثم كذبت ثم لم تكف عن الكذب! فتحولت تلك الشخصيات إلى أصنام تجسد المحض من الشر دون غيره، كما كانت الأصنام تجسد آلهة الكفار من أهل الجاهلية الأولى
ثم إن هذه الوسائل السامة رفعت بعض البشر إلى مصاف الآلهة والأنبياء! فكان بعض مرتشي الفكر ولصوص الكتابة يكرر فيهم قول ابن هانئ الأندلسي في الملك العبيدي الشيعي الذي احتل مصر؛ المعز لدين الله
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ فاحكُمْ فأنت الواحد القهّار
وكأنما أنت النبيّ محمد وكأنما أنصاركَ الانصارُ

ورفعهم بعض علماء السوء إلى مصاف موسى وهارون عليهما السلام! كما أصدر علماء السوء لهم صكوك الغفران فأدخلوهم الجنة دون حساب من رب العباد!
والمقام يطول لسرد قصص وأخبار تفوق أخيل الخيال!

ونحن نسلم أنفسنا لهذه الشيطنة ونرشف هذا السم في قلوبنا وأفكارنا وفي تصوراتنا! فيخيل إلينا الشيطان وكأنه جبريل عليه السلام! ويخيل إلينا عالم السوء وكأنه الصدّيق أبو بكر!

كما نسلم أنفسنا لتجارب حياتنا مع أناس كثير أو قليل! فإذا كان لأحدنا ما يسوء من محنة أو تجربة مع من ينتمي لفكرة، توهمنا أن ذلك التيار هو ذلك الشخص الذي قابلناه أو تلك التجربة التي قست علينا! ولو ساء أدب أحدهم، توهمنا أن سوء أدبه ينسحب على ما يدعو إليه أو يؤمن به! ولو قال بعضهم الصدق والكذب، كذبناه فيما قال من صدق، أو صدقناه فيما كذب!

ليست هذه سبيل من يبحث عن الحقيقة! علينا أن نغمض أعيننا عن رؤية الناس أو الشخوص أو تجارب ذواتنا التي تبقى تجارب أفراد لا ترتبط بالضرورة بفكرة أو مبدأ! علينا أن نعالج أنفسنا بالمصل المضاد لذلك السم الذي نسمعه وننشقه ونلمسه ونذوقه ونراه في كل مكان!

فالذي يدافع عن فكرة يؤمن بها ابتداء، لا يسير معصوب العينين وراء شخوص أو ناس أو مواقف أو دول! وهذه الفكرة هي الحق الذي نراه فنعرفه وننافح عنه! ونعرف الرجال به، ولا نعرفه بالرجال!