آيات تفتح القلوب والعقول

هاني مراد

فيقتحم البث المرئي والبث المحسوس كلاهما قلب الإنسان ويذكره بلحظة موته واضطراره حين يلبي بعد الكفر والجحود نداء الهدى والإيمان، مع كبريائه التي تغلف قلبه القاسي، فعسى يوما أن يلين.

  • التصنيفات: أعمال القلوب -

 

{قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)}

تربط الآيات الإنسان بالكون كله في بعديه المكاني والزماني. تربطه بخالقه وبمكنون نفسه الذي لا يعلمه إلا الله.

تبدأ بالحمد لله خالق الكون، وفي ذلك من الإشارات ما نعجز عن إحصائه، بله إدراكه. ثم تربط الإنسان بالرسل، وفي ذلك تعريف للبعد الزماني لهذا الكون والعقيدة التي يحملها ذلك الإنسان. فمن شأن المؤمن أن يشعر برباط يشده إلى الرسل وإن بعثوا قبل آلاف السنين.

فكيف بناظري الإنسان وقد فتحت لهما نافذة تمتد آلاف السنين؟ فتأخذ بيده إلى عدد غير محصور من هؤلاء الرسل عباد الله الذين اصطفى.

ثم تأخذ الآيات بمدارك الإنسان إلى البعد المكاني، إلى الأرض والسماء وما فيهما من معجزات نراها صباح مساء. وفي المقابلة بين السماء والأرض تماثل بين رسالة السماء ورسالة الله إلى رسله، وتماثل بين الأرض والإنسان وصراعه عليها.

ثم تقتحم الآيات أعماق النفس البشرية وتذكّر المضطر بإجابة الدعاء. فإذا نحن بالتذكرة وكأنها مشهد بث مباشر ينقل إلى قلب الإنسان معجزات السماء والأرض والحدائق ذات البهجة ونبت الشجر وسيل النهر لا يخالطه ماء البحر، وفوق ذلك منظر شهوق الجبال، كما ينقل أبعاد الكون الزمانية الماضية والحالية، فيقتحم البث المرئي والبث المحسوس كلاهما قلب الإنسان ويذكره بلحظة موته واضطراره حين يلبي بعد الكفر والجحود نداء الهدى والإيمان، مع كبريائه التي تغلف قلبه القاسي، فعسى يوما أن يلين.