مواعظ ورقائق من حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للاصبهاني

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

عن وهيب بن الورد, قال: بلغني أن موسى نبي الله عليه السلام, قال: يا رب, أخبرني عن آية رضاك عن عبدك, فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيئ له طاعتي, وأصرفه عن معصيتي فذاك آية رضائي عنه.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فهذه مواعظ ورقائق اخترتها من كتاب: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ الأصبهاني, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها.

الذنوب

  • التفكر في عظمة الله جل جلاله يمنع من ارتكاب الذنوب:

* قال بشر بن الحارث الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوا الله.

* قال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صغر الخطيئة, ولكن انظر إلى من عصيت.

* قال سفيان الثوري: لا تتهاون بالذنب الصغير, ولكن انظر من عصيت, عصيت رباً عظيماً.

  • بعدك عن الذنوب وعملك للطاعات دليل على رضاء الله عز وجل عنك:

عن وهيب بن الورد, قال: بلغني أن موسى نبي الله عليه السلام, قال: يا رب, أخبرني عن آية رضاك عن عبدك, فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيئ له طاعتي, وأصرفه عن معصيتي فذاك آية رضائي عنه.

  • احذر أن يراك الله حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك:

قال بشر بن الحارث الحافي: لقي حكيم حكيماً, فقال أحدهما لصاحبه: لا يراك الله عندما نهاك, ولا يفقدك عندما أمرك.

  • الذنوب وتسلط الأشرار على المذنب:

قال الفضيل بن عياض: قال الله عز وجل: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني.

  • الذنوب وتكدير الأمور على المذنب:

قال الفضيل بن عياض: إني لأعصي  الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي.

  • ترك الذنوب سبب أن يلقن العبد الحكمة:

قال بشر بن الحارث الحافي: من أراد أن يلقن الحكمة فلا يعصِ الله.

  • الحذر من ذنوب الخلوات:

* قال أبو الدرداء رضي الله عنه: حذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر...يخلو بمعاصي الله عز وجل فيلقي الله بغضة في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر

* قال بلال بن سعد: لا تكن ولياً لله في العلانية, وعدوه في السر.

* قال أحمد بن حنبل:

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل       خلوت ولــــكن قُل: عليَّ رقيـــــــــبُ

  • موت الذنوب:

قال أبو الربيع السائح: إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبه.

  • الكلام وكثرة الذنوب:

قال عمر بن عبدالعزيز: من لم يعلم أن كلامه من عمله كثرت ذنوبه.

  • تنوع العقوبات على الذنوب:

قال مالك بن دينار: إن لله عقوبات في القلوب والأبدان, ضنك في المعيشة, ووهن في العبادة.

  • عقوبة من اتهم غيره من غير بينة:

قال مكحول الشامي: رأيت رجلاً يصلي, وكلما ركع وسجد بكى, فاتهمته أنه يُرائي ببكائه, فحرمت البكاء سنة.  

  • إراقة الدماء:

قال كعب الأحبار: إذا رأيت...الدماء قد أهريقت, فاعلم أن أمر الله قد ضيع في الأرض, فانتقم الله من بعضهم لبعض.

  • نعمة العافية من الذنوب:

قال أبو سليمان الداراني: لا نعمة كالعافية من الذنوب.

  • المعصية من هوان العاصي:

قال أبو سليمان الداراني: إنما هانوا عليه فعصوه, ولو كرموا عليه لمنعهم منها.

* قال سفيان الثوري: حرمت قيام الليل بذنب أحدثته خمسة أشهر.

* قال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل, كبلتك خطيئتك.

* قال أبو سليمان الداراني: إن لم تقدر على قيام الليل فلا تعص الله بالنهار.

قال مكحول الشامي: أرق الناس قلوباً أقلَّهم ذنوباً.

قال كعب الأحبار: إذا رأيت الوباء قد فشا, فاعلم أن الزنا قد فشا.

  • ذلّ المعصية:

قال الحسن البصري: أما والله ولئن وطئت الرجال أعقابهم, إن ذل المعاصي لفي قلوبهم, ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله.

  • لا تيأس من نفسك ما دمت تندم على ذنبك:

قال الجنيد: لا تيأس من نفسك وأنت تشفق من ذنبك وتندم عليه بعد فعلك.

  • لا تعصِ الله في مكان يراك فيه:

قال حاتم الأصم لرجل: إن كنت تريد أن تعصي مولاك فاعصه في موضع لا يراك.

  • من عصى الله فقد حاربه:

قال الحسن البصري: ويحك يا ابن آدم, هل لك بمحاربة الله طاقة, إنه من عصى الله فقد حاربه.

  • الحزن والذنوب:

* قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: رب شهوة تورث حزناً طويلاً.

* قال الحسن البصري: إن العبد المؤمن ليعمل الذنب فلا يزال كئيباً.

  • ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه:

قال جبير بن نفيل: لما فتحت قبرص فُرّق بين أهلها, فبكى بعضهم إلى بعض, ورأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي, فقلت: يا أبا الدرداء. ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال: ويحك يا جبير, ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره, بينا هي أمة قاهرة ظالمة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

  • الذنوب وحرمان طعم العبادة:

قيل لوهب بن الورد: أيجد طعم العبادة من يعصي الله؟ قال: لا, ولا من همَّ بمعصية.

قال ابن سيرين: إني لأعرف الذنب الذي حمل عليَّ به الدَّين, قلتُ لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس قال أبو سليمان الداراني: قلّت ذنوبهم, فعرفوا من أين يؤتون, وكثرت ذنوبنا, فليس ندري من أين نؤتى.

ونختم هذه الفوائد بما قاله الإمام ابن الجوزي في كتابه " صفوة الصفوة ": قال أبو الدرداء رضي الله عنه: العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله, فإذا أحبه الله حببه إلى الخلق, وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله, فإذا أبغضه بغَّضه إلى خلقه.

التوبة

  • التوبة من الذنوب ورحمة الملوك برعيتهم:

 قال مالك بن دينار: قرأت في الحكم, إن الله تعالى يقول: أنا ملك الملوك, قلوب الملوك بيدي, فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة, ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة, فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك, ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم.

  • اترك ما تكره أن يكون معك في آخرتك:

قال سلمة بن دينار: أنظر الذي تحب أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم, وانظر الذي تكره أن يكون معك فاتركه اليوم.

  • فخر التائب:

قال يحيى بن معاذ: للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره. فرح الله بتوبته.

  •  
  • التوبة والاستغفار شفاء من الذنوب:

قال الربيع بن خثيم: الداء: الذنوب, والدواء: الاستغفار, والشفاء: أن تتوب, ثم لا تعود.

  • على التائب فعل أربعة أشياء:

قال حاتم الأصم: فعل التائب في أربعة أشياء:

الأول: أن تحفظ اللسان من الغيبة والكذب والحسد واللغو.

الثاني: أن تفارق أصحاب السوء.

الثالث: إذا ذكرت الذنب تستحيى من الله.

الرابع: أن تستعد للموت, وعلامة الاستعداد أن لا تكون في حال من الأحوال غير راض من الله.

  • النظر في مرآة التوبة:

قال إبراهيم بن أدهم: إذا أدمنت النظر في مرآة التوبة بان لك شين قبح المعصية.

  • ما يجب على للناس تجاه التائب:

قال حاتم الأصم: يجب على الخلق أربعه أشياء:

ينبغي لهم أن يحبوا هذا التائب كما يحبه الله تعالى.

يدعوا له بالحفظ ويستغفروا له كما تستغفر له الملائكة.

ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم.

والرابع: أن ينصحوا للتائب كما ينصحون لأنفسهم.

  • لا تعد إلى الذنب,  كما لا يعود اللبن إلى الضرع:

قال حاتم الأصم: التوبة أن تنتبه من الغفلة, وتذكر الذنب,...وترجع من الذنوب مثل اللبن إذا خرج من الضرع لا يعود إليه, فلا تعد إلى الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع.

قال بكر بن عبدالله المزني: إن رجلاً أولع بجارية لبعض جيرانه, فأرسلها مولاها إلى حاجة لهم في قرية أخرى, فتبعها, فراودها عن نفسها, فقالت: لا تفعل, لأنا أشدُّ حبّاً لك منك, ولكني أخاف الله, قال: فأنت تخافينه, وأنا لا أخافه, فرجع تائباً

الموت

  • من فوائد ذكر الموت:

* قال أبو الدرداء رضي الله عنه: من أكثر ذكر الموت قلَّ فرحه, وقلَّ حسده.

* قال ثابت البناني: ما أكثر أحد ذكر الموت إلا رؤي ذلك في عمله.

* قال عمر بن عبدالعزيز: إن استشعرت ذكر الموت في ليلك أو نهارك بُغِض إليك كل فان, وحُبب إليك كل باق,...أكثر ذكر الموت, فإن كنت في ضيق من العيش وسَّعه عليك, وإن كنت في سعة من العيش ضيقة عليك.

* قال سفيان الثوري: كفى بكثرة الموت زهداً في الدنيا ومرغباً في الآخرة.

* قال بشر بن الحارث الحافي: إذا اهتممت لغلاء السعر فاذكر الموت, فإنه يذهب عنك هم الغلاء.

* قال يحيى بن معاذ: من أكثر ذكر الموت لم يمت قبل أجله, ويدخل عليه ثلاث خصال من الخير,

أولها: المبادرة إلى التوبة.

الثاني: القناعة برزق يسير.

الثالث: النشاط في العبادة.

  • كفى بالموت وعظاً:

كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون, وروحوا فإنا غادون, موعظة بليغة, وغفلة سريعة, كفى بالموت واعظاً, يذهب الأول فالأول, ويبقى الآخر لا حلم له.

  • بغتة الموت:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: الموت يأتي بغتة, فمن يزرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة, ومن يزرع شراً يوشك أن يحصد ندامة, ولكل زارع مثل ما زرع

  • كاس الموت:

قال إبراهيم بن الأدهم: إن للموت كاساً لا يقوى على تجرعه إلا خائف وجل طائع كان يتوقعه.

  • صديق بعد الموت:

قال حاتم الأصم: أردت أن اتخذ صديقاً لي بعد الموت فصادقت الخير ليكون معي إلى الحساب, ويجوز معي إلى الصراط, ويثبتني بين يدي الله عز وجل.

  • الموت ومصائب الدنيا:

* قال كعب الأحبار: من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وغمومها.

* قال ابن عجلان: من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها

  • كراهية الموت:

قال سلمة بن دينار: كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه, ثم لا يضرك متى مت.

وقال له جماعة, يا أبا حازم: ما لنا نكره الموت ؟ فقال: عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة, فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب.

مواعظ

  • موعظة بليغة:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن شر العذيلة حين يحضر الموت, وشر الندامة ندامة يوم القيامة, وشر الضلالة: الضلالة بعد الهدى, وخير الغنى غنى النفس, وخير الزاد التقوى, وشر العمى عمى القلب, والخمر جماع كل إثم, والنساء حبالة الشيطان, والشباب شعبة من الجنون, وشر المكاسب كسب الربا, وشر المأكل مال اليتيم, والسعيد من وعظ بغيره, والشقي من شقي في بطن أمه.

  • نصيحة مشفق:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: يا أيها الناس. إني لكم ناصح, إني عليكم شفيق, صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور, صوموا في الدنيا لحر يوم النشور, تصدقوا مخافة يوم عسير, يا أيها الناس...إني لكم ناصح, إني عليكم مشفق.

  • محاسبة النفس:

قال إبراهيم بن أدهم: قد رضينا من أعمالنا بالمعاني, ومن التوبة بالتواني, ومن العيش الباقي بالعيش الفاني....إياكم والكبر, إياكم والإعجاب بالأعمال, انظروا إلى من دونكم, ولا تنظروا إلى من فوقكم, من ذلل نفسه رفعه مولاه, ومن خضع له أعزه, ومن اتقاه وقاه, ومن أطاعه أنجاه, ومن أقبل أرضاه, ومن توكل عليه كفاه, ومن سأله أعطاه, ومن أقرضه قضاه, ومن شكر جازاه, فينبغي للعبد أن يزن نفسه قبل أن يوزن, ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب, ويتزين ويتهيأ للعرض على الله العلي الأكبر.

اشغلوا قلوبكم بالخوف من الله, وأبدانكم بالدأب في طاعة الله, ووجوهكم بالحياء من الله, وألسنتكم بذكر الله, وغضوا أبصاركم عن محارم الله.

قال الفضيل بن عياض: ما حليت الجنة لأمة ما حليت لهذه الأمة, ثم لا ترى لها عاشقاً

  • من علم أنه مسئول فليُعد للسؤال جواباً:

قال الفضيل بن عياض: من علم أنه عبد الله, وأنه إليه راجع, فليعلم بأنه موقوف, ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول, ومن علم أنه مسئول فليُعد للسؤال جواباً.  

  • ارتحل إلى الآخرة قبل أن يرتحل بك:

كتب سفيان الثوري برسالة إلى أخ له قال فيها: أوصيك وإياي بتقوى الله, وأحذرك أن تجهل بعد إذ علمت, وتهلك إذ أبصرت, وتدع الطريق بعد إذ وضح لك, وتغتر بأهل الدنيا بطلبهم لها, وحرصهم عليها, وجمعهم لها, فإن الهول شديد والخطر عظيم والأمر قريب,...ثم الجد الجد, والهرب الهرب, وارتحل إلى الآخرة قبل أن يرتحل بك.

  • البكاء لقلة الزاد وبعد السفر:

مرض عامر بن قيس فبكي, فقيل له: ما يبكيك ؟ قال: ما لي لا أبكي, ومن أحق بالبكاء مني, والله ما أبكي حرصاً على الدنيا, ولا جزعاً من الموت, ولكن لبعد سفري, وقلة زادي, وإني أمسيت في صعود وهبوط جنة أو نار, فلا أدري إلى أيهما أصير.

  • البكاء من خشية الله:

قال يزيد بن ميسرة: البكاء من سبعة أشياء: من الفرح, والحزن, والفزع, والوجع, والرياء, والشكر, وبكاء من خشية الله, فذلك الذي تطفى الدمعة منه أمثال الجبال من النار.

  • أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث:

قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: أضحكني ثلاث, وأبكاني ثلاث, ضحكت من مؤمل الدنيا والموت يطلبه, وغافل لا يغفل عنه, وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربه أم مرضيه, وأبكاني ثلاث: فراق الأحبة: محمد وحزبه, وهول المطلع عند غمرات الموت, والوقوف بين يدي رب العالمين حين لا أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة.

  • حال الناس عند اتباع الجنازة

قال ثابت البناني: كنا نتبع الجنازة, فما نرى إلا متقنعاً باكياً, أو مقنعاً متفكراً.

  • صلاح السرائر:

* قال عمر بن عبدالعزيز: أيها الناس: أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم, واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم.

* قال سفيان الثوري: أحسن سريرتك يحسن الله علانيتك, وأصلح فيما بينك وبين الله يصلح الله فيما بينك وبين الناس.

  • لا خير في عين لا تبكي:

اشتكى ثابت البناني عينيه, فقال له الطبيب: اضمن له خصلة تبرأ عيناك, فقال: وما هي ؟ قال: لا تبك. قال: وما خير في عين لا تبكي.

  • الجد والاجتهاد في العبادة عند تهاون الناس:

قال يزيد بن حميد الضبعي: ينبغي للرجل المسلم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله...جداً واجتهاداً, ثم بكى.

                      كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ