ما وراء اغتيال لقمان سليم
"القتل لديهم أمر عادي وجوههم سافرة"
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"القتل لديهم أمر عادي وجوههم سافرة"
هذا جزء من حديث رشا سليم شقيقة لقمان سليم الناشط اللبناني الشيعي، وهو من أشد منتقدي حزب الله والذي وجد مقتولاً بمسدس كاتم الصوت جنوبي لبنان في أحد معاقل حزب الله.
وأضافت رشا في تصريحاتها لقناة الحرة: لطالما هددوه ...لطالما اتهموه بأنه ليس شخصا جيدا، وأنه لا يوافقهم على سياستهم استمر في تجاهلهم ...كان شخصا نبيلا... لا أريد توجيه الاتهام لأحد... المسئولون عن الجريمة معروفين...من المعروف من هو المتحكم في هذه المنطقة لا حاجة للاتهام ...هم قاموا بالكشف عن وجوههم...من الواضح من هم وسبق أن قاموا بتعليق منشورات أمام منزلنا وسبق أن اتهم لقمان بالاسم من قاموا بذلك ...هنيئا لهم... البلد أصبحت كلها دم لا يتوقف... الدم أصبح حمامات وشلالات....لا يهمني أمر التحقيقات وليس لدي ثقة في القضاء هذه بلاد لا تستحق الحياة.
بهذه الجملة البائسة هكذا جعل حزب الله في نظر اللبنانيين بلدا لا يستحق الحياة.
ومن المثير في الأمر أن هذا الكلام لم يصدر من طائفة لبنانية أخرى كالسنة أو المارونيين ولكن من الطائفة الشيعية التي ينتمي لها كل من القاتل والمقتول.
وقد اعترف الحزب بل تفاخر بهذا القتل، إثر تغريدة لجواد نجل زعيم حزب الله حسن نصر الله قبل أن يضطر لحذفها لاحقا بعد أن ازداد سخط اللبنانيين بهذا التبجح، يقول جواد نصر الله في تغريدته المحذوفة: خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب، وأرفق تغريدته بهاشتاغ: "بلا أسف".
ولكن السؤال الأهم لماذا قام حزب الله بتنفيذ الاغتيال؟
لابد أن نفهم أن أساليب الاغتيال هي وسيلة إيرانية، لطالما استخدمتها لتنفيذ أهدافها سواء في لبنان أو خارجها.
ففي لبنان مارست إيران عن طريق ذراعها حزب الله العديد من الاغتيالات بدء من عام 2005 باغتيال رفيق الحريري، وبعده في يونيو 2005 تم اغتيال الصحفي سمير قصير بسيارة مفخخة في بيروت، وبعدها بست شهور اغتيل النائب السابق والصحفي جبران تويني، بسيارة مفخخة في شرق بيروت، وفي نوفمبر 2006 تم اغتيال وزير الصناعة المعارض للنظام السوري بيار الجميل في إطلاق نار على سيارته بمنطقة المتن بمحافظة جبل لبنان، وفي يونيو 2007 اغتيل وليد عيدو النائب عن تيار المستقبل الذي يمثل السنة في تفجير استهدف سيارته في بيروت، وفي سبتمبر 2007 تم اغتيال أنطوان غانم النائب عن حزب الكتائب الماروني في البرلمان اللبناني في تفجير سيارته في منطقة سن الفيل شرقي بيروت، وأعقبها في ديسمبر 2007 اغتيل مدير العمليات في الجيش اللبناني فرنسوا الحاج في تفجير كبير بمنطقة بعبدا شرق بيروت، وفي ديسمبر 2008 تم اغتيال النقيب بفرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي وسام عيد بتفجير في بيروت وقد كان له دور مهم في تحقيقات اغتيال الحريري، وبعده في أكتوبر 2012 اغتيل رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي وسام الحسن بحادث تفجير في بيروت، وفي ديسمبر 2013 تم اغتيال الوزير السابق المحسوب على السنة محمد شطح بتفجير في العاصمة بيروت، وأخيرا ومنذ شهرين وفي ديسمبر 2020 اغتيل المصور السابق المتطوع مع الجيش اللبناني جوزيف بجاني أمام منزله في جبل لبنان بمسدس كاتم للصوت.
وطبعا كل هذه الاغتيالات قد قيدت ضد مجهول لأنها تمت في الداخل اللبناني الذي يسيطر عليه حزب الله أما التي تمت في الخارج وبالتحديد في محكمة العدل الدولية في لاهاي فقد تم الحكم فيها لاعتبارات دولية.
ولكن أسلوب الاغتيال الإيراني لم يقتصر على لبنان بل امتد أيضا إلى خارج لبنان ففي العراق على سبيل المثال، يقول النائب السني فيصل العيساوي لقناة بي بي سي إن الميليشيات الشيعية تتصرف الآن كدولة داخل الدولة، وإن رئيس الوزراء عاجز عن إيقافها.
واتهمت هذه الميليشيات بأنها التي تنفذ الاغتيالات التي تطال النشطاء في العراق أو المحللين السياسيين الذين يناهضون المشروع الإيراني في العراق، ومن المعلوم أن أغلب الذين قتلوا ينتمون إلى الشيعة المعارضين لإيران.
أما في حالة اغتيال الصحفي والباحث لقمان سليمان فقد بدت الأصابع الإيرانية.
فقبل أكثر من عام كان لقمان سليم قد كشف عن احتمال تعرضه للاغتيال حيث أصدر بيانا في ديسمبر عام 2019 قائلا: أحمّل قوى الأمر الواقع ممثلة بشخص حسن نصر الله وبشخص نبيه بري المسؤولية التامة عما جرى وعما قد يجري، كما عرض لقمان شعارات ألصقت على منزله ومنها: المجد لكاتم الصوت، حزب الله شرف الأمة، لقمان سليم صهيوني.
وكان سليم الذي يبلغ من العمر 58 عاماً يدير مركز "أمم" للأبحاث والتوثيق في جزء من منزله في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه تحد للحزب الشيعي، وقد اهتم لقمان سليم كثيرا بتوثيق ذاكرة الحرب الأهلية (1975-1990) خصوصا لتسليط الضوء على ملف المفقودين، وكان يعمل مؤخرا على مشروع لأرشفة يوميات الحرب السورية.
وقد أسس في مطلع التسعينيات دار الجديد للنشر، وأنتج مع زوجته الألمانية مونيكا بورغمان فيلمين وثائقيين أحدهما لتوثيق مجزرة صبرا وشاتيلا خلال الحرب الأهلية في لبنان، والثاني حول سجن تدمر في سوريا حيث تعرض سجناء لبنانيون للتعذيب.
ولطالما على حسابيه على تويتر وفيس بوك، كان سليم ينشر تعليقات ينقلها عن شخصيتين وهميتين على الأرجح يحملان اسمي صديقتي الشريرة وسعيد الجن، وبين هذه التعليقات انتقادات لاذعة لحزب الله وإيران الداعمة له.
وفي آخر ظهور تليفزيوني له قبل اغتياله، شن الباحث والناشط السياسي لقمان سليم، هجومًا عنيفًا على حزب الله والنظام السوري برئاسة بشار الأسد والنظام الروسي أيضًا، محملًا إياهم مسؤولية حادث انفجار مرفأ بيروت، وفي لقاء تليفزيوني أجرته معه قناة الحدث في منتصف شهر يناير الماضي، كشف سليم إنه بعد استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في عام 2013 والهجوم الدولي الذي تعرض له، قام بالتوقيع على معاهدة الحد من استخدام الأسلحة الكيماوية في نفس العام، مضيفًا أنه تم بعدها بأشهر قليلة نقل آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم إلى بيروت، وأضاف أنه لابد من الكشف عن المتهم باستيراد هذه المواد وتخزينها، ولمصلحة من تم تخزين هذه المواد في مرفأ بيروت، موضحًا أن الأمر لا يقف عند حدود الإهمال الإداري، حيث يصل إلى جريمة حرب أطرافها موسكو وبيروت ودمشق.
وأوضح أن كل من شارك في هذا الأمر سواء بالصمت أو بتقديم التسهيلات، هو متهم وبات في حكم الساقط ليس أخلاقيًا فقط بل أهليًا أيضًا، واصفًا ما حدث بالجريمة المنظمة.
وعند سؤاله عن المتهم الأول من وجهة نظره، أجاب: الأمر تحصيل حاصل، فالمتهم هو صاحب الدالة الكبرى، وأعني هنا ميليشيا حزب الله، التي لا تمتلك فقط السيطرة على المرافق اللبنانية بالمعنى الجغرافي، ولكنها تمتلك السيطرة على اللبنانيين كبيرهم وصغيرهم، ولديهم قدرة التخويف.
وبهذه الكلمات أدرك حزب الله أن الرجل قد تجاوز الخطوط الحمر فكان القرار الذي صدر بتصفيته من جانب الحزب وداعميه الإيرانيين، وتبقى التوقيت الذي لا بد وأن يخدم المصالح الإيرانية وينسجم مع الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، خاصة مع وصول إدارة جديدة للولايات المتحدة، فوقت تنفيذ الاغتيال هو بمثابة اختبار من جانب إيران لرد فعل بايدن وادارته تجاه إيران، خاصة مع غموض موقف الادارة حيث يتساءل كثيرون، هل ستظهر الإدارة مواقف أكثر ليونة تجاه إيران وتكون امتداد لموقف ادارة أوباما السابق، أم ستتبع نهج ادارة ترامب السابقة في تصعيدها مع ايران، أم ستبلور موقفا جديدا؟