قواعد: (1) مَعذِرَةً إلى رَبِّكُم ولعلهُم يتقون..

أسماء محمد لبيب

..فهؤلاءِ الصغارِ صفحاتٌ بيضاءُ لها خَمسُ مُستقبِلاتٍ سِحريةٌ مُدهِشَة، تتلقّفُ كلَ ما يمُرُّ أمامَها في نَهَمٍ، وتُخَزِّنُهُ في أدراجٍ عقليةٍ متراصَّةٍ بنظامٍ كشَريطِ الكاميرا المتتابِع..

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -


منذ أن تتيقظَ حواسُّ وَلَدِكِ للتلقين، ومادامتْ فيكِ أنفاسُ الحياةِ،
طَرِّزِي نسيجَ يومياتِه بدينِ ربِ العالمينَ خَيطًا خَيطًا وعُودًا عُودًا..
نشِّئيهِ على الإسلامِ بكل تفاصيلِهِ الصغيرةِ والكبيرةِ المعرفيةِ والعمليةِ، وألقِمِيهِ إياها مع غذاءِ بَدَنِه، قَطرَةً وراءَ قَطرَةٍ ولُقمَةً إثْرَ لُقمَة..

ولا تنزِعِي يَدَكِ من ذلك أبدًا بحججٍ واهية، كأنْ تقولي ((إنه صغيرٌ لا يستوعِبُ بَعدُ هذهِ الأمورَ ولا تعنِي لهُ شيئًا!))..
فظَنُّكِ هذا بعيدٌ عن الواقِع، فهؤلاءِ الصغارِ صفحاتٌ بيضاءُ لها خَمسُ مُستقبِلاتٍ سِحريةٌ مُدهِشَة، تتلقّفُ كلَ ما يمُرُّ أمامَها في نَهَمٍ وتُخَزِّنُهُ في أدراجٍ عقليةٍ متراصَّةٍ بنظامٍ كشَريطِ الكاميرا المتتابِع..
خاصةً تلكَ المعلوماتِ التي يَتِمُ تمريرُها مِرارًا وتكرارًا على تِلك الحواسِّ الخَمس، فإنها تتلقَّى عِنايةً فائقةً في مُستودَعاتِهم العقليةِ، أكثرَ من غيرها..
فالتكرارُ قَولًا وفِعلا، يَجعلُ المعلوماتِ والمعرفةَ تُنقَشُ وتُختَزَنُ في الوجدانِ في ذَواكِرِ المَدى الطويل، فتتحولُ لقناعاتٍ وأفعالٍ بحولِ اللهِ وقوتِه، ولو بعد حِين، فكلُّ شَجَرَةٍ لها أوانُ حَصادٍ نلتقِطُ فيه ثِمارَها..
حتى إذا حانَ وقتُ تَمَكُّنِ البراعِمِ من التعبيرِ بالكلامِ والفعالِ وآن أوانُ إزهارِ الثمارِ من مخابِئِها، اهتزتْ وربتْ وأنبتَتْ مِن كلِّ زَوجٍ بَهِيج..
فلا تظني أنهم قبل ذلك كانوا عنها من الغافلينَ أو الرافضين، حتى وإن عارضُوها بأفعالِهم وعاكسُوا توجيهاتِك فيها فيما يبدو لكِ من مشاغباتِ الصِّغارِ البريئة..

كذلك لا تَنزِعي يَدَكِ من ذلك التلقينِ الدَؤُوب، بأن تقولي: ((أنا قد غالَبتُه على ذلكَ كثيرًا فغَلَبَنِي!، مهما أُعَلِّمُهُ وأُلَقِّنُهُ لا يَستَجِيب، حاولتُ كثيرًا وفَشِلتُ، فَتَرَكْتُ..))..
فإنك إن تركتِ فكأنما وَضَعْتِ سَدًا أمامَ نَهْرِ حسناتٍ جارٍ باسمِكِ يا طيبة..
لأن العِبرَةَ بقاعدتين:
((
{إنْ عليكَ إلا البلاغ} )) و (( {ليسَ عليكَ هُداهُم} ))..
أي أنكِ ستحاسبين عِندَ ربِّكِ على التربيةِ نفسِها كيف كانت، والسعْيِ معها كان في طريقِ صَلاحِها أم فسادِها..
لكن لن تُحاسبي على ثمرةِ التربيةِ نفسِها كيف كانت، طالما لم تتركي السعيَ في طريقِ صلاحِها، ولم تسلُكِي طريقَ فسادِها..

 السعيُ يكونُ بقدرِ الطاقةِ والوُسْع..
والطاقةُ والوُسعُ رزقٌ مَحض..
واللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمنْ يشاءُ ويَقْدِرُ، فلن يحاسِبَكِ إلا على رِزقِك..
والثمرةُ، وقتَ أن يأذنَ اللهُ فالقُ الحبِّ والنَّوَى.. فانتبِهِي، لأن بتأخُّرِها أحيانًا، يختَبِرُ الحكيمُ العليمُ صبرَكِ وثباتَكِ على الطريقِ الصحيحِ، وعدمَ يأسِكِ مِنهُ ولا ارتيابِكِ في جَدواه..
وإن ثباتَكِ عليهِ حتى المماتِ خيرُ دليلٍ على يقينِكِ أنهُ الحقُّ،
فاثبُتي..
مهما طالَ بِكِ الطريقُ وشَقَّ على صبرِكِ،
ومهما كانتْ أحوالُ الثمرةِ المُتَقَلِّبَةِ أمامَ عَينَيكِ بينَ المرارةِ والحلاوةِ..
فليسَ أمامَكِ إلا هذا الطريق،
تُرابِطينَ عليهِ كالمجاهدينَ على الثغور،ِ
 لِعِلمِهِمْ أنَّ الأمرَ ها هنا حياةٌ أو موتٌ فلا يملكونَ رفاهيةَ اليأسِ أو القُعود،
حتى تحوزين إحدى الحُسنَيَيْنْ:
ثمرةُ التربيةِ الحلوةُ المَرجُوَّةُ بأبناءٍ صالحينَ كواكبَ دُرِّيَّةً في تاجِ الأُمَة..
أو الموتُ وأنتِ على ذلك في سبيلِ الله، مادامتْ نيتُكِ أن تكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا بغَرسِك التربوي..

فالأمرُ باختصار:
{...
{مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ} .. {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ...}
فاصبروا وصابروا ورابطوا...

ومن هنا نسألُ سؤالًا: أين ينبغِي أن يكونَ طموحُنا التربوي؟
والجواب في المقالةِ القادمةِ إن شاء الله..
--
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها