الصحابيات اللائي نزل فيهن أو بسببهن تشريع إسلامي
إن التشريع الإسلامي هو المنهج الذي طبق على الظروف والأحوال التي قابلت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين حينما أقام أمة الإسلام في المدينة.
- التصنيفات: سير الصحابة -
إن التشريع الإسلامي هو المنهج الذي طبق على الظروف والأحوال التي قابلت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين حينما أقام أمة الإسلام في المدينة. وقد نزل التشريع الإسلامي تباعا حسب مقتضيات الظروف التي مر بها المسلمون في حياتهم اليومية، أو الأحداث التي كان ينبغي أن يصدر فيها حكم لتقويم أو تغيير منهج حياة الصحابة رضي الله عنهم جميعا.
والتشريع الإسلامي هو إما أن يكون «نصا نقليا» ورد في القرآن الكريم لموقف ما يتصل بالصحابية ذاتها، أو حكما من أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما شرع تبعا لقول الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
هذا، وقد نزل التشريع في عدد كبير من الصحابيات بدءا بأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى غير محددات الأسماء أو النسب أو الهوية.
أما عن أمهات المؤمنين (رضي الله عنهم) فقد كان لهن تشريع خاص في حجابهن، وفي تصرفاتهن، وأيضا في حجر الزواج بهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخييرهن بين الله ورسوله والدار الآخرة وبين متاع الحياة الدنيا، فاخترن كلهن الله ورسوله والدار الآخرة، هذا بالإضافة إلى تشريعات خاصة بهن كل على حدة؛ سواء مع الهادي البشير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بصفة عامة مع المسلمين كحديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها.. وغير ذلك من المواقف.
أما عن باقي الصحابيات فقد كانت هناك أحكام مختلفة نزلت في كل صحابية على حدة أو أحكام نزلت في إحدى الصحابيات ولكنها تطبق على جميع نساء الصحابة مثل آية الحجاب الخاصة بالنساء في سورة النور/ آية 31 وسورة الأحزاب/ 59.
فمن الصحابيات من أقيم عليها الحد كحكم للقصاص من خطأ ما قامت بارتكابه مثل: (قذف المحصنات الغافلات)، كما فعلت حمنة بنت جحش حينما خاضت في حديث الإفك هي وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة في حق عائشة رضي الله عنها.
ومثل الغامدية التي زنت ثم ذهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها الحد، ومثل فاطمة بنت الأسود المخزومية التي سرقت فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها وغيرهن كثيرات.
وهناك أحكام أخرى ليس من الضروري ارتباطها بخطأ ما، وإنما ليتفهم المسلمون الأحكام الخاصة بدينهم، ومثل ذلك نزول صدر (سورة المجادلة) في خولة بنت ثعلبة حينما شكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها قال لها: أنت علي كظهر أمي، ومثل مسيكة ومعاذة جاريتا عبد الله بن أبي بن سلول حينما أراد أن يكرههما على البغاء فنزلت الآية 33 من سورة النور قال تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} وهذه أمور كانت موجودة في الجاهلية وقوّمها وصححها الإسلام.
ومثل إبطال التبني في الإسلام وأن ينسب الابن لغير أبيه، أو الابنة لغير أبيها أو أمها، ولكن فتح الإسلام الباب على مصراعيه للكفالة، فمن حق أي إنسان خيّر أن يكفل يتيما يربيه ويعلمه ويزوجه.. إلخ. ولكن لا ينسب إلا إلى أبيه وأمه فإن لم يجد له أب أو أم فإخوانكم في الدين ومواليكم، وقد كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، بعد طلاقها من زيد بن ثابت، تطبيقا عمليا لهذا التشريع بعد أن أمر الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك إنزال الحكم بالتفرقة بين رجل وامرأة أبيه التي تزوجها بعد وفاته، أو الجمع بين الأختين وذلك لتظل صلة الرحم موصولة لا تشوبها شائبة، كذلك أحكام المواريث الخاصة بالنساء والرجال، في دقة متناهية، وكانت المرأة لا تورث في الجاهلية.
وقد تأتي المرأة الصحابية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسأله عن وضع المرأة في الإسلام وهل ميز الرجال على النساء فتنزل الآيات المباركات نبراسا وبلسما لكل النساء في المساواة في العمل والجزاء، يقول تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
وهنا ينبغي لنا أن ننوه إلى أن (النص القرآني) لا ينفصل أبدا عن الحكم الذي يقضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلاهما يكمل بعضهما البعض. فالتشريع الخاص بالصلاة مثلا، فصّلته السنة النبوية كذلك الوضوء، والمرأة التي سرقت فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها، وغير ذلك من الأحكام مثل الحكم في ثياب النساء المسلمات، فحينما نزلت الآية الخاصة بالحجاب من سورة النور، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
كان تفسير ذلك بالتفصيل في حكم الهادي البشير رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. كذلك أمر الله تعالى للنساء كافة بما فيهن أمهات المؤمنين، بالالتزام بما يحفظ أنوثتهن وحياءهن بقوله تعالى في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].. إلى غير ذلك من المواقف.
لذا كان علينا ألا نفصل الحكم الخاص بنص قرآني (أي نصا نقليا) عن (الأحكام النبوية) التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة لأن هذه الأحكام قد تكون تطبيقا عمليا لهذا النص، أو حكما حكم به الهادي البشير في موقف ما وأجازه، من ذلك مثلا حينما يقر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي تجير أو تتوسط للنبي ليعفو عن أحد؛ فهذا في حد ذاته تقدير للمرأة بصفة عامة وأنها في إجارتها تجار مثلها مثل الرجل. أو حكمه في طهارة وصلاة الصحابيات في مواقف كثيرة.. مثل: موقف المرأة المستحاضة، منهن حمنة بنت جحش، ومثل عدة المطلقة.. إلى غير ذلك من الأحكام والتشريعات التي اختصت بها الصحابيات وهي نبراس لنا إلى أن تقوم الساعة وتبدل الأرض وما عليها.
اللهم إن كنت أخطأت فاغفر لي، وإن كنت أصبت فادخر لي أجرى يوم القيامة والله المستعان وعليه الأجر والثواب.