لماذا أبو بكر؟
هاني مراد
لقد بلغ أبو بكر درجة المنتهى من الصدق البشري، فصدق في كل شيء، ولم يكن في صدقه أقل زيف، وذلك ما جعله الصدّيق!
- التصنيفات: سير الصحابة -
سُمي الصدّيق، وسبق غيره من الصحابة! لكنه لم يكن أكثرهم جهادا، مثل خالد بن الوليد، أو سعد بن أبي وقاص! ولم يكن أشهرهم بذلا، مثل عثمان بن عفان، أو عبد الرحمن بن عوف! ولم يكن أكثرهم إلهاما مثل عمر بن الخطاب، أو عبد الله بن عباس!
فما الذي أوصله إلى تلك الرتبة التي شارفت رتب الأنبياء؟ وما ذلك الشيء الذي وقر في صدره؟
قال بعضهم إنه اليقين الذي اشتهر به عندما صدّق خبر الإسراء والمعراج! لكنني أقول إنه الصدق!
والصدق ليس مجرد مضاد للكذب. لكن الصدق درجات عدة! وقد يبلغ الفارق بين كل درجة والتي تليها، ما بلغ بأبي بكر دون غيره من الصحابة!
ومن عجيب الإنسان، أن تجد أحدهم يدّعي صفة حميدة ليست فيه، أو ينكر صفة ذميمة، لكنها فيه! وقد يكون ذلك الإنسان مدركا لكذبه، عالما به، وقد يكون غافلا عن حقيقة نفسه، فيعيش في وهم وخيالات، ترسمها ريشة تلك النفس، بكل نعومة واحتيال!
والأمر كما قال أحد العلماء: إننا لو تأملنا في أعمالنا، لوجدنا رباطا شديدا يربطها بالنفس، وخيطا واهنا يربطها بالله!
وكم نشاهد من أناس يدّعون التواضع أو الكرم! لكن الكبر والبخل ينكشفان عند الاختبار! وكم نرى من يدّعون خلوهم من الحسد والطمع، لكن المواقف تتكفل بكشفهم.
ولهذا كانت حكمة الله بالابتلاء! فهو الذي يظهر معدن الإنسان، وليس ما يقوله أو يدّعيه!
فليكاشف مدعي التواضع نفسه عندما يعامل من دونه علماً أو منصباً أو مالاً! هل يتواضع معه مثل غيره من ذوي العلوم والمناصب والأموال؟ وليكاشف مدعي الكرم نفسه عندما يُطلب منه المال! هل يبذله رخيصا دون إقامة وزن له؟
لقد بلغ أبو بكر درجة المنتهى من الصدق البشري، فصدق في كل شيء، ولم يكن في صدقه أقل زيف، وذلك ما جعله الصدّيق!