صيانة المرأة من التبرج والسفور والاختلاط وما يؤدي إلى الفتنة
المرأة في الإسلام دُرَّةٌ ثمينة، وجوهرة كريمة، تُصان من كل أذى، وتُحمى من كل رذيلة؛ لذا جعل الإسلام للمرأة ضوابطَ دقيقة، تنال بها عفةَ نفسها، وصيانة فرجها، وسلامة عِرضها؛ فأمرها بالحجاب ورغَّبها في القرار في البيت، ومنعها من التبرج والسفور...
- التصنيفات: أحكام النساء -
المرأة في الإسلام دُرَّةٌ ثمينة، وجوهرة كريمة، تُصان من كل أذى، وتُحمى من كل رذيلة؛ لذا جعل الإسلام للمرأة ضوابطَ دقيقة، تنال بها عفةَ نفسها، وصيانة فرجها، وسلامة عِرضها؛ فأمرها بالحجاب ورغَّبها في القرار في البيت، ومنعها من التبرج والسفور، ومن الخروج وهي متعطرة، ونهاها عن الاختلاط بالأجانب والخَلْوة معهم، إلى غير ذلك من الضوابط الكريمة، والأوامر الجليلة، التي لم تؤمر بها إلا صيانةً لها من الابتذال، وحماية لها من الشرور والفساد، ولتُكسى بذلك حُلَلَ الطُّهر والعفاف، وليكون أثرها في مجتمعها وأمَّتها أثرًا إيجابيًّا بناءً، أما إذا تحوَّل أثرها في حياة الأمَّة إلى أثر سلبي فعندئذٍ تكون فتنةً، وأيُّ فتنة؟! وضررًا، وأيُّ ضرر؟!
ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد[1] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنةً أضَرَّ على الرجال من النساء»[2] ؛ لذا حذَّر عليه الصلاة والسلام من ذلك فقال: «اتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»[3].
فلا غَرْوَ ولا عجَبَ أن يهتمَّ الإمام ابن كثير بموضوع صيانة المرأة، والحرص على توجيهها التوجيهَ السديد والإرشاد السليم، ودعوتها إلى عبادة ربِّها، وطاعة زوجها، ودرء المفاسد والشرور عنها؛ لتبقى طاهرةَ الخُلق، مصونة عن التهتك والابتذال، وبعيدة عن أسباب الزيغ والانحراف والانحلال، فيقول رحمه الله عند تفسير الآية: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 32، 33]: (هذه آداب أمر الله بها نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم، ونساءُ الأُمَّةِ تَبَعٌ في ذلك، فقال مخاطبًا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن إذا اتقَيْنَ الله كما أمَرَهن، فإنه لا يُشبههنَّ أحدٌ من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة، ثم قال: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}، قال السدي وغيره: يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبهن الرجال؛ ولهذا قال: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}؛ أي: دغل، {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}.... قولًا حسنًا معروفًا في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم؛ أي: لا تُخاطب المرأة الأجانبَ كما تخاطب زوجَها، وقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}؛ أي: الْزمْنَ بيوتكن فلا تخرُجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَمنعوا إماء الله مساجد الله، ولْيخرُجن وهن تَفِلات»، وفي رواية: «وبيوتُهن خير لهن»4].
وعن أنس رضي الله عنه قال: جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى، فما لنا عمل نُدرِك به عمل المجاهدين في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعدت [أو كلمة نحوها] منكن في بيتها، فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله»[5].
وقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرُّج الجاهلية، وقال قتادة: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ويقول: إذا خرجتن من بيوتكن وكانت لهن مشية وتكسُّر وتغنُّج، فنهى الله عن ذلك... وقال مقاتل:... والتبرج أنها تُلقي الخمار على رأسها ولا تشُدُّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج"[6].
وقال عند تفسيره الآية: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60] قال: "أي وترك وضعهن لثيابهن - يعني القواعد من النساء - وإن كان جائزًا، خيرٌ لهن، وأفضَلُ لهن"[7].
وقال عند تفسيره الآية: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]: "كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رِجْلِها خلخال صامت - لا يُسمَع صوته - ضرَبت برِجلها الأرضَ، فيعلم الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا، فتحرَّكت بحركة لتُظهِر ما هو خفي، دخل في هذا النهي؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31].
ومن ذلك أيضًا أنها تُنْهَى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشم الرجالُ طيبها... فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرَّت بالمجلس فهي كذا وكذا؛ يعني زانية))[8].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقيتْه امرأة وجد منها ريح الطيب، ولذيلِها إعصار، فقال: يا أمة الجبار، جئت من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله تَطيَّبتِ؟ قالت: نعم، قال: إني سمعت حِبِّي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبل الله صلاة امرأة تطيَّبت لهذا المسجد، حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة»[9].
ومن ذلك أيضًا أنهن يُنهَيْنَ عن المشي في وسط الطريق؛ لما فيه من التبرُّج... عن أبي أسيد[10] الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد - وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: «استأخِرنَ؛ فإنه ليس لكن أن تَحقُقْنَ [11] الطريق، عليكن بحافَات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به[12].
وقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]؛ أي: افعلوا ما أمركم به من هذه الصفات الجميلة، والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ فإن الفلاح كلَّ الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وتركِ ما نهَيَا عنه، والله هو المستعان، وعليه التكلان"[13].
ومن أكبر أضرار الاختلاط وقوع الفتنة ولا بد[14]، وهذا ما يؤكده ابن كثير رحمه الله، فقال في ترجمة الشيخ خضر الكردي، وذلك في وفَيَات سنة 676هـ: "ولكنه افتتن لما خالط الناس ببعض بنات الأمراء، وكن لا يتحجبن منه، فوقع في الفتنة، وهذا في الغالب واقع في مخالطة الناس، فلا يَسلَم المخالط لهم من الفتنة، ولا سيما مخالطة النساء مع ترك الاحتجاب، فلا يسلم العبد البتة منهن"[15].
ولهذا يؤكِّد ابن كثير أن صلاة النساء في بيوتهن أفضلُ لهن، فقال عند تفسير الآية: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 37]: "فأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن؛ لما رواه أبو داود عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها»[16].
ولكن ابن كثير لم يمنعها من الصلاة في المسجد، فقال: "هذا، ويجوز لها شهود جماعة الرجال، بشرط ألا تؤذي أحدًا من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب... وقد ثبت في صحيح مسلم عن زينب امرأة ابن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدتْ إحداكن المسجد، فلا تمسَّ طِيبًا» [17].
إلى غير ذلك من الآداب والتوجيهات والضوابط المتعلِّقة بالمرأة المسلمة، التي يعدها الإمام ابن كثير رحمة الله صمامَ أمان لها، وحارسًا لشرفها وكرامتها، والتي يتعيَّن على الدعاة إلى الله مراعاةُ هذه الآداب والتوجيهات والضوابط المتعلقة بالمرأة، والحرص على دعوتها وتربيتها والعناية بها، لا سيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه الدعوات الضالة لإفسادها، والخروج بها عن طبيعتها وأداء رسالتها نحو تربية الأولاد ورعايتهم داخل المنزل، كلُّ ذلك باسم تحريرها، والنهوض بها، ومشاركتها للمجتمع في عملية التنمية والتطوير.
[1] أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحبيل من كنانة عوف، الصحابي الجليل، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنُ حِبِّه، وُلد سنة 11 قبل الهجرة، ومات سنة 54. انظر الإصابة 1/ 45 رقم 89، وسير أعلام النبلاء 2/ 496، والأعلام 1/ 281.
[2] متفق عليه، وأخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب ما يُتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14] رقم (5096)، ومسلم كتاب الرقائق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، بلفظ: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) رقم (2741).
[3] أخرجه مسلم كتاب الرقائق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء رقم (4740).
[4] الحديث متفق عليه، وأخرجه البخاري، كتاب الجمعة باب حدثنا يوسف بن موسى رقم (13) ورقم الحديث (900)، وأخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة رقم (990).
[5] الحديث أخرجه البزار رقم (1475) انظر كشف الأستار عن زوائد البزار لأبي بكر الهيثمي 2/ 182طبعة مؤسسة الرسالة بدون تاريخ.
[6] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 594.
[7] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 378.
[8] الحديث أخرجه الترمذي كتاب الأدب، باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة رقم (2786) وأبو داود بلفظ: ((إذا استعطرت المرأة فمرَّت على القوم يجدوا ريحها، فهي كذا وكذا))، كتاب اللباس، باب في طيب المرأة للخروج رقم (4173).
[9] الحديث أخرجه أبو داود كتاب اللباس، باب في طيب المرأة للخروج رقم (3174) وقال أبو داود: "الإعصار: الغبار"، وابن ماجه كتاب الفتن، باب فتنة النساء رقم (4002).
[10] هو أبو أسيد الساعدي من كبار الأنصار، واسمه مالك بن ربيعة بن البدن، شهد بدرًا والمَشاهد، وله أحاديث، وقد ذهب بصره في آخر عمره، وكان معه راية بني ساعدة يوم الفتح، توفي سنة 40هـ (سير أعلام النبلاء 2/ 538).
[11] تحققن الطريق: أي تتوسطن الطريق؛ المعجم الوسيط ص 188.
[12] الحديث رواه أبو داود كتاب الأدب، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، رقم (5272).
[13] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 356، 357.
[14] ويمكن الرجوع إلى كتاب مجالات انتشار العلمانية ص51 تأليف الأستاذ الدكتور محمد زين الهادي؛ للوقوف على نماذج من مساوئ الاختلاط وأضراره.
[15] البداية والنهاية 17/ 538، 539.
[16] الحديث أخرجه أبو داود كتاب الصلاة، باب التشديد في خروج النساء إلى المسجد رقم (570).
[17] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 367
الحديث أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة رقم (443).
_________________________________________
الكاتب: مبارك بن حمد الحامد الشريف