قصص من التاريخ اتهم فيها أبرياء
محمد صالح المنجد
اللهم إنا نسألك أن تعف ألسنتنا من الكذب، وأعمالنا من الرياء، وقلوبنا من النفاق، اللهم اجعلنا سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين
- التصنيفات: قصص مؤثرة -
وقد حصل أن اتهم كثير من عباد الله الأبرياء عبر التاريخ، فاتهم نبي الله يوسف في عرضه، ثم برأه الله عز وجل: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (سورة يوسف 23).
إلى أن قال تعالى: {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [سورة يوسف 25] .سارعت المرأة إلى الافتراء، ماذا ستفعل وهي تجري وراءه تريد الفاحشة، وهو يهرب منها، ومن تلك الفتنة، سارعت بكيد المرأة قالت لزوجها:{قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة يوسف 25]. مَنْ أَرَادَ فسارع يوسف الصديق للدفاع عن نفسه، وهكذا المفترض في الأبرياء، إذا حيكت حولهم التهم، ونسب إليهم ما لم يعملوه كذباً أن لا يسكتوا، وأن يدافعوا عن أنفسهم، {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} [سورة يوسف 26] .قال الحقيقة، ثم إن الله تعالى قيض ذلك الشاهد فقال: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا} رجل عاقل من أهل المرأة، في الغالب أن الذين من طرف الشخص يكذبون لمصلحته، لكن أنطق الله ذلك الشاهد بالصدق {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [سورة يوسف 26-28]. فهذه المحنة التي جرت على يوسف عليه السلام، وكانت بسبب هذه العاصية التي غلقت الأبواب، ودعته للحرام، وهيأت الجو للمعصية، ثم تريد أن تتهمه بالباطل، وعندما هرب منها جرت خلفه، وبادرت إليه، وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه، ووجد الزوج لدى الباب، رأى أمراً شق عليه، فبادرت إلى الكذب، وأن المراودة كانت من يوسف، مع أنها هي التي راودته، وطلبت أن يسجن، أو يعذب عذاباً أليماً، فسارع إلى تبرئة نفسه عليه السلام، وللحق علامات، وللصدق أمارات، وهكذا عرف صدقه عليه السلام، {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} واختار يوسف السجن على المعصية، ولكن لما أمر به الملك ليخرج، بعد أن فسر تلك الرؤيا العجيبة، لم يخرج يوسف عليه السلام مباشرة، مع أنه لبث في السجن بضع سنين، وهو يشتاق للحرية، لكن أراد أن تُبرأ ساحته قبل الخروج؛ لأنه لم ير بحكمته التي آتاه الله أن يخرج من السجن فقط، وإنما أن يخرج بريئاً، أن يعرف الجميع نصاعة صفحته، وحقيقة براءته، ولذلك قال: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [سورة يوسف50]. إنه حدث مذكور، مشهور إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌلم ينس عبر السنين، نسوة اجتمعن وجرحن أيديهن في المجلس جميعاً قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍسورة يوسف 51. فلما برأنه، اضطرت امرأة العزيز بعد أن انكشفت الحقيقة أن تقول: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ واعترفت، ولهذا امتنع يوسف عن الخروج حتى تتبين براءته.
وكذلك كان اليهود مع موسى عليه السلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [سورة الأحزاب 69]. وقصة الآية ذكرها النبي ﷺ، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة: إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه كان يبالغ في التستر لا يريد أن يرى أحد شيئاً من جلده، قال: فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة انتفاخ في الخصيتين وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا اتهموه بذلك العيب، إنه شيء مشين جداً أن يتكلموا بهذا المستوى المنحط، لكن هذه أخلاق بني إسرائيل وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده أي موسى عليه السلام فوضع ثيابه على الحجر وهو بعيد عن الناس ثم اغتسل، فلما فرغ أي: من اغتساله، وصار أنظف ما يكون أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه معجزة، جرى الحجر بثوب موسى فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر أي: يجري وراءه فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر أي توقف عن الحركة فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، وهذا الوحي الذي يوحى أخبرنا كم عدد تلك الضربات، أو الأثر الذي تركته تلك الضربات في الحجر، وهكذا اتهموا نبيهم بهذه الأدرة، وبرأه الله مما قالوا، وهكذا يتهم الأبرياء، بعيب في الجسد، بعيب في الدين، بعيب في العقل، وهم أبرياء، تهم باطلة.
ولما جاء النبي ﷺ إلى المدينة، واستقبله فيمن استقبله عبد الله بن سلام، أبو يوسف الحبر الصادق، الذي هداه الله فترك دين اليهودية، وآمن بالنبي ﷺ؛ لما تبين له أنه الحق، فلما أسلم قال للنبي ﷺ: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، يعرفهم، أليسوا قومه؟ أليس منهم؟ إن اليهود قوم بهت، ثم إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت – أي اختفى بعدما أسلم ولم تعلم اليهود بإسلامه- فقال رسول الله ﷺ: «أي رجل فيكم عبد الله بن سلام» ؟قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا، فقال رسول الله ﷺ: «أفرأيتم إن أسلم عبد الله» قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، ووقعوا فيه.
وهكذا يفعل هؤلاء اليهود الذين افتروا على مريم قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [سورة النساء 156].البهتان: الكذب المفرط الذي يتعجب منه، افتروا عليها - عليها السلام – بأنها وقعت في الفاحشة وأنها بغي، وأن ذلك كان مع يوسف النجار، مع أنه كان رجلاً صالحاً {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [سورة مريم 27]. ولكن برأها الله بنطق عيسى، بنطق ولدها {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [سورة مريم 30]. وهكذا رد الله تعالى فريتهم، لكن كيف يسارعون إلى اتهام البريئة بالزنا؟ ليس عندهم دليل، ولا بينة، لا رأوا، ولا سمعوا، مباشرة افتروها، افتروا القضية، وإن المتهم المسكين، البريء، والبريئة، ليشكوا إلى الله في ظلمة الليل أمره، ينتحب بالنهار وعينه لا ترقأ من الدمع حزناً على هذه الحال؛ لأنه يعيش في ظنك، وشدة، وضيق من هؤلاء الذين رموه بما رموه به، وليس أعز على الصادق من أن يتهم بالكذب، ولا على الأمين من أن يتهم بالخيانة، فكيف وقد قالوا على نبيناﷺ: إنه كذاب، واتهموه بالخيانة.
وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي -في نفسه- فتكرر ذلك فتضايقت أمه، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، يبتلى، يبتلى بشيء، يأتيه من الزانيات، وكان جريج في صومعته يعبد الله منقطعاً عن الناس، فتعرضت له امرأة وكلمته أي: بالفاحشة، عرضت عليه الفاحشة، فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فوقع الراعي الزاني على هذه المرأة الزانية، فولدت غلاماً، سألوها من أين هذا؟ قالت: من جريج، البهتان، التهمة، الفرية، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، أنطق الله الغلام، فشهد ببراءة جريج، قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا، إلا من طين.أعيدوها كما كانت {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [سورة الطلاق 2].
وبينما امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب، فارس متكبر، ذو شارة، شكل حسن، وهيئة، ومنظر، وملبس جميل، يشار إليه، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، اللهم لا تمت ابني حتى يكون مثل هذا، أعجبها شكل الرجل، فقال الغلام وترك الثدي: اللهم لا تجعلني مثله، ثم رجع في الثدي، ومر بامرأة تجرر، بأمة تضرب، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت له ذلك، أي سألته عن سبب كلامه، وقد تعجبت أشد العجب من نطق الرضيع، قال: أما الراكب فإنه كافر، أو جبار، وأما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني وتقول: حسبي الله، تسرق، وتقول حسبي الله، يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل، بهتان، اتهام، يقولون: سرقت ولم تسرق، وزنيت ولم تزن، وهي تقول: حسبي الله.
قال النووي رحمه الله معلقاً على القصة: "إنما سأل ذلك لا لأن يكون متهماً ولكن ليكون في براءتها ونصاعتها، لم يسأل أن يكون متهماً وإنما سأل أن يكون في مثل حالها براءة ونصاعة".
وقال عزوجل في كتابه العزيز: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [سورة النساء 105]. إلى أن قال عزوجل: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة النساء 112]. فبعض الناس لا يكتفي بفعل السيئة، حتى يضيف إليها سيئة أخرى، وهي أن يلصقها بالبريء، يسرق ويتهم غيره بالسرقة، يقتل، ويتهم غيره بالقتل، وهكذا، فنزلت الآيات في قوم سرقوا فألبسوا التهمة بغيرهم، وجاء من يجادل ويدافع عنهم إلى النبي ﷺ، فأنزل الله الآيات في الدفاع عن البريء، وبيان عاقبة الذي يفتري الكذب على البريء {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة النساء 112]. وقد حدثت عائشة رضي الله عنها عن امرأة كانت تأتي إليها، سوداء، أمة، وتقول كلما جلست عندها:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
كلما جلست قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
فسألتها عائشة: كلما جلست تقولين هذا؟ فقالت: إنها كانت لحي من العرب، أمة، فأعتقوها فكانت معهم، فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، خيطان من اللؤلؤ، فوضعته أو وقع منها، فمر به حدياة، -حدأة- وهو ملقى فحسبته لحماً فخطفته، فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، وكشفوا عورتها، هذه المظلومة المسكينة، تقول: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته فوقع بينهم، وفي رواية: فدعوت الله أن يبرأني، فجاءت الحدية وهم ينظرون فألقته بينهم، فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، وجاءت إلى النبي ﷺ وأسلمت.
وحديث الإفك وما أدراك ما حديث الإفك؟ الذي أشاعه المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، أشاعه هو وأصحابه، وانتشر الخبر، وتكلم به الناس، وعائشة لا تدري، بعدما رجعت من السفر، وكان وجدها صفوان في الطريق، نسيها الجيش، فأتى بها النبي ﷺ، فوقع عبد الله في صفوان وعائشة، فعل هذا بهذه، وانتشر الخبر، ولما علمت عائشة والخبر يدور في المدينة، ماذا قالت؟ سبحان الله، أولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، والنبي ﷺ يصعد المنبر ويقول: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً» قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما أبواي جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، ولما دخل عليها النبي ﷺ وأهلها، قالت: قلت وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ من القرآن كثيراً، أي: لا أحفظ منه كثيراً: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف، ولم تكن تذكر اسمه، نسيت يعقوب عليه السلام، لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [سورة يوسف 18]. ثم تحولت واضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذٍ بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، وأنزل الله براءة عائشة في القرآن الكريم..
وهكذا لما اتهم سعد بن أبي وقاص، من العشرة المبشرين بالجنة، قالوا عنه: إنه لا يسير بالسرية، يترك الجهاد، ولا يقسم بالسوية، لا يعدل في التوزيع من بيت المال، ولا يعدل في القضية، يجور في الحكم إذا قضى بين الخصمين، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك – هذا الذي قال هذا الكلام، وقد عرف من هو- كاذباً، قام رياءً وسمعة، وهذا الاحتياط في الدعاء من المظلوم، اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه بالفتن. هذا الرجل رؤي بعد ذلك شيخ كبير سقط حاجباه على عينيه من الكبر يتعرض للبنات في الشارع يغمزهن، يُسئل فيقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين، وهكذا استجاب الله دعوة سعد وهو مجاب الدعوة.
وأيضاً لما اتهم سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرض لجارته، اتهمته عند الخليفة، قال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله ﷺ، ما سمعت؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين في عنقه يوم القيامة، شبر إلى سبع أرضين إلى الأرض السفلى حول عنقه. ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها واقتلها في أرضها، قال الراوي: فما ماتت حتى ذهب بصرها ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت.. (رواه مسلم).
اللهم إنا نسألك أن تعف ألسنتنا من الكذب، وأعمالنا من الرياء، وقلوبنا من النفاق، اللهم اجعلنا سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.