إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي
أحمد قوشتي عبد الرحيم
وهؤلاء القوم لا يشغلهم قط أن يعرفهم الناس ، ولا أن يشار إليهم بالبنان ، ولا أن يكونوا نجوما ملء السمع والبصر ، أو أن تشيعهم عند موتهم الجماهير الغفيرة
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي»
وما أشد حاجتنا إلى هذا النموذج : نموذج المسلم ، التقي ، الغني - والمقصود غنى النفس في المقام الأول - الخفي ، الذي لا يسعى للشهرة ، ولا يحرص عليها ، ولا يجعلها قيمة أو معيارا للنجاح .
والمشكلة أن النموذج الذي يلح بشدة على الأجيال الناشئة هو عكس ذلك تماما ، فمعيار النجاح أغلبه كمي عددي لا كيفي ، ودعائي لا حقيقي ، وقائم على الظهور والإعلان والترويج للنفس ، لا الحرص على الخفاء والإسرار . كما أنه مولع بالصورة ومشاركة اللقطة ، والحديث عن الإنجازات ، والحرص على القفز السريع لا التأني والرسوخ ، والنضج الذي يحتاج لوقت وجهد جهيد .
وقد رسخت وسائل التواصل الحديثة هذا النموذج المشوه ، فمعيار النجاح هو عدد المشاهدات على اليوتيوب، والتي صارت تجلب مالا ، وعدد المتابعين أو التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي ، وربما صار الأنجح هو الأتفه ، أو الأكثر خبرة بفنون الدعاية ، وجذب المشاهدين ، والترويج للنفس ، وإحداث فرقعات مدوية .
ومع حال كهذا نسأل الله أن يبارك ويكثر من تلك الثلة العظيمة من ( الأتقياء الأخفياء ) المتناثرين هنا وهناك ، والمقيمين على ثغر من ثغور خدمة الدين - علما او دعوة أو تعليما أو نفعا للخلق ، أو ذودا عن حمى الملة - حتى يأتيهم الأجل وهم على ذلك.
وهؤلاء القوم لا يشغلهم قط أن يعرفهم الناس ، ولا أن يشار إليهم بالبنان ، ولا أن يكونوا نجوما ملء السمع والبصر ، أو أن تشيعهم عند موتهم الجماهير الغفيرة ، أو تقال فيهم قصائد الرثاء ، وربما عاش أحدهم ومات ولا يعرفه إلا الأقلون ، وهم في واد ، والناس في واد ، ويكفيهم أنهم معروفون في الملأ الأعلى ، ومذكورون في أعلى المقامات ، وليت شعري ماذا فقد من وجد الله ، وماذا وجد من أعرض عن مولاه ، وكفي به سبحانه وليا ونصيرا !